في الطريق، ترغب في سماع القارئ الكويتي مشاري العفاسي يتلو آيات من القرآن. لا تتقبّل أن تسمع أي سورة إلّا بصوته. لا توحي للمارة أنها تستمع إلى سورة "آل عمران" وهي في طريقها إلى العمل. ارتدت قميصها الأبيض الصيفي الذي لا يفضّله والدها لأنه يكشف مساحة واسعة من صدرها. لا تنسى تأمّل نفسها أمام أي انعكاس تصادفه في طريقها، حتى مرآة ثلّاجة اللحوم عند البقال.
كلّما تسلّل الاكتئاب إلى كارما، ترتدي ملابسها مسرعة إلى السوق. تشتري كل ما تراه، سواء كانت تحتاجه أم لا. نقطة ضعفها الأحذية ذات الكعب العالي. تملك عشرات الأزواج منها، ولا تعرف إذا ما قررت مغادرة هذا البلد، كيف ستحملها معها. لا تحتاج إليها، ولا توجد أمكنة مناسبة لها. تكتفي بارتدائها والرقص في غرفتها بعد الساعة الثالثة فجراً. وما غلا ثمنه، ترتديه في غرقة القياس فقط، وتتصوّر قبل أن تعيده إلى صاحب المحل لأنه لم يعجبها.
لا تصدق أن "ما تبحث عنه يبحث عنك"، كما يقول جلال الدين الرومي. تشكّ في صحّة هذه الكلمات التي تقرأها على حيطان أصدقائها على "فيسبوك". اليوم قررت ألّا تبحث عن ذاتها وسط عشرين مليون كائن بشري يشاركونها هواء اسطنبول حيث كل شيء ممكن: الرقص والنوم والجنس والأغاني الصوفية. ليست فتاة ملتزمة ولا تائهة، ربما تعيشُ حياة متناقضة كما جميع البشر على سطح الكوكب.
في خضمّ وحدتها، أخبرها صديقها: "يجب أن ندرك أننا وحيدون لنشعر بالتحسّن". كلماته أكدت لها حقيقة كونها وحيدة في عالم يضم نحو سبعة مليارات شخص.
راجعت خياراتها في الحياة. الحب الأول الذي لم تعد تراه كما في السابق. صار كائناً متبجحاً يقول عكس ما يفعل، وبخيل، وجشع لأجساد النساء. أيضاً، كان شخصاً كئيباً وملحداً. أما كارما، فأكثر ما كانت تؤمن به في هذه الحياة العدمية هو أن هناك إله عادل في النهاية سيخلّصها من جحيم الأرض. حبيبٌ آخر كان يفضّل موسيقى الجاز التي تكرهها. تسمعها معه من دون أن يدري بمدى انزعاجها وكأنّها تسمع مواء قطة شرسة في آخر الليل. تعضّ شفتيها منزعجة وصامتة ولا تبالغ إن كانت تُصاب بتنميل في معدتها. شعرت أنها كانت تسحقُ نفسها في مقابل راحته. أما الأخير، فكانت تكره عدم اهتمامه بتفاصيلها، فيما كانت تحرص على شعرة سقطت من رأسه.
"إن تكن تبحث عن مسكن الروح فأنت روح، وإن تكن تفتش عن قطعة خبز فأنت الخبز، وإن تستطع إدراك هذه الفكرة الدقيقة، فسوف تفهم أن كل ما تبحث عنه هو أنت". آمنت بذلك أخيراً، إلا أنها كل ما حملت ثلاثة لترات من المياه إلى البيت، قالت لنفسها: "أحتاج لمن يحمل المياه عني".
اقرأ أيضاً: كنتُ أحتاج أن أفرح معك