بعد أن فوجئت الأوساط السياسية التركية منذ عام بانشقاقات طاولت حزب العدالة والتنمية الحاكم في البلاد، وتأسيس حزبين سياسيين جديدين من قبل رفاق سابقين للرئيس رجب طيب أردوغان، تشهد الجبهة المعارضة أيضاً نزيفاً مماثلاً، بعد أن تشكّل حزب جديد أخيراً من قبل القنصل التركي السابق في الموصل العراقية، والعضو السابق في حزب الشعب الجمهوري يلماز أوزتورك، بينما يستعد المرشح الرئاسي السابق عن حزب الشعب الجمهوري المعارض محرم إنجة لتأسيس حزب آخر من رحم الحزب الكمالي العلماني.
ويعني هذا الأمر تأسيس 4 أحزاب جديدة في أقل من عام، رغم أن استطلاعات رأي سابقة أظهرت عدم رغبة شريحة واسعة من الأتراك في رؤية أحزاب سياسية جديدة. الأحزاب الجديدة المشكّلة هي "المستقبل" بزعامة رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو، و"دواء" برئاسة نائب رئيس الوزراء السابق علي باباجان، والثالث هو "التجديد" برئاسة قنصل تركيا السابق في الموصل يلماز أوزتورك، فيما يعتزم محرم إنجة تأسيس حزب جديد أيضاً ذي توجهات كمالية، حيث التزم الصمت في وقت تتسرب فيه يومياً المعلومات عن مساعيه تأسيس الحزب من خلال الفريق المحيط به. وتدفع الأطراف الحاكمة في البلاد إلى تشجيع الانشقاق، مقابل دعوات موجهة من الأطراف العلمانية لمنع الانشقاق في الجبهة المعارضة لأردوغان، حيث كانت المعارضة تعول على انشقاقات حزب العدالة والتنمية من أجل إطاحة حكم أردوغان المتواصل منذ عام 2002.
تدعو الأطراف العلمانية إلى منع الانشقاق في الجبهة المعارضة لأردوغان
وبحسب المعلومات المتوفرة فإن إنجة حدّد مكتبين في العاصمة أنقرة، إضافة إلى مقر إقامته بولاية يالوفا، من أجل استكمال عملية التحضير لتأسيس الحزب، حيث سيعمل بالدرجة الأولى على استقطاب الموالين له من داخل الحزب، إذ كان يتمتع بشعبية خلال منافسته السابقة لرئيس الحزب كمال كلجدار أوغلو، فضلاً عن سعيه لاستعادة المنقطعين عن الحزب والمستقيلين، بسبب اعتراضهم على سياسات الحزب. ومن أهم المآخذ التي جعلت إنجة يتجه إلى تأسيس حزب جديد، وابتعاد الآخرين، هو التحالف غير المعلن بين الحزب الكمالي وحزب الشعوب الديمقراطية الكردي اليساري في الانتخابات البلدية الأخيرة، والتي رغم أنها أدت إلى فوز المعارضة بكبريات المدن التركية على حساب حزب العدالة والتنمية، وأهمها إسطنبول وأنقرة وأضنة، إلا أنها أزعجت المدافعين عن الجمهورية بسبب نزعات الحزب الكردي القومية. كما أن إنجة يُعتبر نفسه معرضاً للتهميش من قبل كلجدار أوغلو، رغم أنه برلماني سابق، ومرشح رئاسي سابق، إلا أنه حالياً عضو عادي داخل الحزب.
وترافقت المعلومات المسرَّبة مع دعوات وجهها رئيس حزب الحركة القومية دولت باهتشلي لزعيمة الحزب "الجيد" ميرال أكشنر بالعودة إلى صفوف الحزب اليميني المتطرف، لكن هذه الدعوة قوبلت بالرفض. كما أن "الشعب الجمهوري" المعارض يلتزم الصمت حتى الآن حيال استعدادات إنجة، وسط دعوات من قيادات الحزب السابقة بالحفاظ على وحدة الصف. وضمن هذا الإطار، يتم الحديث عن تحالفات جديدة قد تظهر نتيجة تأسيس الأحزاب الجديدة. فحالياً هناك تحالفان؛ الأول يضم الطرف الحاكم وهو التحالف الجمهوري، ويضم "العدالة والتنمية" الحاكم وأبرز حلفائه "الحركة القومية" وأحزاباً صغيرة أخرى، فيما التحالف الثاني هو "الشعب" ويضم أحزاب "الشعب الجمهوري" و"الجيد" و"السعادة"، وبشكل غير مباشر "الشعوب الديمقراطية" الكردي، إضافة إلى أحزاب علمانية ويسارية أخرى.
يتم الحديث عن تحالفات جديدة قد تظهر نتيجة تأسيس الأحزاب الجديدة
تأسيس الأحزاب الأربعة ينبئ بتشكيل تحالفٍ جديدٍ قد يضم "الجيد" مع الأحزاب المولودة من رحم "العدالة والتنمية"، و"الشعب الجمهوري"، خصوصاً في ظل أصوات حزبية تنتقد تحالف الحزب "الجيد" اليميني مع حزب الشعوب الديمقراطية الكردي اليساري المقرب من حزب "العمال الكردستاني" الانفصالي. ووجود الأحزاب الجديدة يُشجع على تحالفات ثالثة قد تذهب بآمال "الشعب الجمهوري" بإطاحة أردوغان في أي انتخابات مقبلة، وتضعه في موقف محرج بالتحالف مع الحزب الكردي، في وقت سيحاول فيه التحالف الحاكم استمالة إنجة وحزبه الجديد، خصوصاً أن الأخير قبل دعوة افتتاح جامع آيا صوفيا وصلّى في الجمعة الأولى فيه، على عكس رئيس الحزب كلجدار أوغلو، وبقية زعماء المعارضة.
ومهما يكن، فإن الأحزاب الجديدة، وإن لم تلق ردود فعل شعبية إيجابية، فإنها ستؤثر مجدداً في الخريطة السياسية، وتطرح تساؤلات عن مدى قدرة ظهور طبقة سياسية جديدة أمام الأحزاب الكبرى، خصوصاً أن الرأي العام كان يترقب انهياراً في حزب العدالة والتنمية، لكن انهياراً مماثلاً في المعارضة قد يكسب الحزب الحاكم عمراً أطول لفترة جديدة مقبلة.