أحمد دحويش ترك الجامعة ليعمل في البناء

29 ديسمبر 2017
اضطر إلى العمل في البناء (العربي الجديد)
+ الخط -

يحمل الفلسطيني أحمد دحويش (43 عاماً) موهبة الشعر لكنّها ضائعة. ولد في مخيم البرج الشمالي، صور، جنوبيّ لبنان، وضاع حلمه باستكمال تعليمه. ظروفه المعيشية وقفت حائلاً أمامه، لكنّه ما زال يحلم بالعودة إلى مقاعد الدراسة مرة ثانية إن تناسبت أوقاتها مع عمله الذي يعتاش منه.

يقول أحمد: "بعيداً عن بلدتي الفلسطينية الناعمة ولدت وعشت كبقية الفلسطينيين في لبنان، في كنف عائلة فقيرة، كان كلّ همها تأمين لقمة العيش لأولادها. تعلمت في مدارس الأونروا في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة، وبعدها انتقلت إلى مدرسة خاصة في مخيم الرشيدية (صور) كانت في الأساس للأونروا، ومن ثم وضعت حركة فتح يدها عليها. بعد انتهائي من التعليم الثانوي، التحقت بالجامعة اللبنانية، الفرع الخامس، في صيدا، جنوب لبنان، في اختصاص اللغة الإنكليزية وآدابها. لكن بسبب الظروف الاقتصادية، والضرورة الملحّة للعمل، لم أستطع الالتزام بالدوام، وكان الحضور إلزامياً. كنت أعمل حينها في البناء، ودوام العمل كان طويلاً، إذ يبدأ في الصباح الباكر حتى الرابعة مساء، فهذا الأمر عطل عليّ فرصة متابعة تعليمي، إذ منعتني عنه ظروفي الاقتصادية والاجتماعية، خصوصاً مع مرض والدي، وحاجة والدتي إلى من يهتم بها ويؤمن لها ثمن علاجها، بالإضافة إلى جدتي التي كانت أيضاً في عهدتنا، وكانت كلّ المسؤولية ملقاة على عاتقي، ما ولّد إحباطًا لديّ، وشعوراً بالضعف".

يضيف أحمد: "التحقت أيضاً، في محاولة جديدة، بمعهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية لكن، لم أتمكن من متابعة تعليمي في هذا الاختصاص، لأنّ الدوام لم يتناسب مع أوقات عملي، والمشكلة كانت في أنّ فرع المعهد هو في صيدا البعيدة عنا نحو 40 كيلومتراً، وهو ما يتطلب وقتاً طويلاً على الطرقات، فكنت أعود إلى البيت عندما أتمكن من حضور بعض المحاضرات، في وقت متأخر. وبعدما أيقنت صعوبة متابعة تعليمي، التحقت بدورة لتعليم المهن في مركز بيت أطفال الصمود في مخيم البرج، وكانت تشمل مهن البناء، والطوبار، والبلاط، واستمرت الدورة لمدة ثلاثة أشهر، تعلمت فيها البناء، فصرت محترفاً فيه أكثر خصوصاً الحفر".



ويتابع أحمد: "كانت تراودني دائماً فكرة أنّ الفلسطيني مهما تعلم فلن يستطيع إيجاد فرصة عمل في المهنة التي تعلمها، فهذا الأمر جعلني أتراجع كذلك عن فكرة متابعة تعليمي، ويضيف: "الشعب الفلسطيني الذي يعيش في المخيمات محبط بطبيعة الحال، فهو محروم من حق العمل، وحق التملك، وإذا فكر بالعمل في الأونروا يحتاج إلى 100 واسطة، أو دفع رشى حتى يوظف، وهذا الأمر صعب على فرد عادي ليس مسنوداً من أحد، وهو ما حصل معي عندما حاولت الالتحاق بوظيفة تعليمية في الأونروا فلم أقبل فيها".

أما عن المعيشة في المخيم، فيقول أحمد: "الشاب يصل إلى مرحلة لا يستطيع فيها أن يبني بيتاً في المخيم، بسبب القوانين الصارمة التي تمنع الفلسطيني من إدخال مواد بناء إلى المخيم، إلاّ وفق معايير معينة، وبأسعار باهظة جداً. الشروط التي تطلبها استخبارات الجيش اللبناني (المسؤول عن تأمين مداخل المخيمات) تعجيزية، فهم يطلبون ورقة من اللجنة الشعبية، وورقة من الأونروا، وإفادة سكن، وورقة من مكتب هندسة يقدر كمية مواد البناء المطلوبة لترميم بيت أو بنائه. وإن استطاع الشاب إحضار موافقة على إدخال مواد بناء، فذلك أيضاً يحتاج إلى واسطة، أما الهم الأكبر بعد الموافقة فهي مشكلة الأسعار الباهظة، فسعر كيس الرمل مثلاً يتضاعف لدى وصوله إلى المخيم 4 مرات عما هو خارجه، وكذلك البحص (حصى) والحديد والترابة، وهذه الأسعار المرتفعة تقف عائقاً أمام الشباب، فلا يعود بإمكانهم استكمال بناء بيوتهم. بسبب ذلك وغيره يفكرون بالهجرة، وبالفعل هناك عدد كبير من الشباب تركوا المخيم، وهاجروا. أنا أحد من فكروا بمرحلة معينة بالهجرة، لكنّ ظروفي منعتني من ذلك". 

إلى ذلك، يلفت أحمد إلى "كتابتي الشعر، كما أنّي ناشط اجتماعي، ومتطوع في الدفاع المدني، لكنّي الشاب الوحيد في منزل أهلي، ومسؤوليات العائلة تقع كلها على عاتقي".