الحرب جعلته يخسر طفولته وحلمه في البقاء في مدرسته. بسببها، اضطر وعائلته إلى الهرب إلى مكان آخر، حيث بدأ حياة جديدة ومختلفة تماماً. لم يكن يظن يوماً أنه قد يضطر إلى العمل وترك المدرسة. كان قد نظّف طاولات المقهى صباحاً. ولأنّ الزبائن لم يأتوا بعد، كان قادراً على الحديث عن ألمه، وقد دمّرت الحرب أحلامه. خلال عمله، يتنقل من طاولة إلى أخرى لتلبية طلبات الزبائن. لم يكن هذا ما يريده. لطالما أحبّ المدرسة، وكان يريد أن يحمل شهادة جامعية في المستقبل.
أحمد شاكر طفل سوري كان للحرب تأثير كبير عليه، حاله حال معظم الأطفال السوريين. في الوقت الحالي، يعمل نادلاً في أحد المقاهي الموجودة على الكورنيش البحري لمدينة صيدا (جنوب لبنان). يقول إنه يتحدّر من ريف دمشق، ويبلغ من العمر أربعة عشرة عاماً. "لم أتوقع يوماً أن أترك بيتي وبلدي وأعرف الذل وقد خسرت حياتي". يضيف: "في ريف دمشق كان لنا بيتنا، وكنا سعداء في حياتنا. كان والدي يعمل حلّاقاً ولم يكن ينقصنا أي شيء. إلا أن القذائف العشوائية التي كانت تتساقط كالمطر فوق بلدتنا، وكادت تقتلنا، جعلتنا نترك ريف دمشق وننزح إلى قلب دمشق".
يضيف أحمد: "عشنا في الشارع من دون طعام ولا أغطية تقينا البرد القارس". في وقت لاحق، أعطانا شخص بيتاً. وبعد عام، طلب منا أن ندفع بدل إيجاره، وصار يزيد المبلغ من حين إلى آخر. في هذا الوقت، كانت المعارك تشتد في المناطق القريبة من مكان إقامتنا، فرأى والدي أن من الأفضل الانتقال إلى لبنان خصوصاً أن الحرب تتمدّد".
في لبنان، مكثت العائلة في مدينة صيدا، واستأجرت غرفة صغيرة في فندق، وسكنت فيها مدة شهر إلى أن وجدت بيتاً في منطقة ساحة القدس، علماً أن بدل إيجاره 400 دولار أميركي. كان هذا المبلغ مرهقاً بالنسبة للعائلة. يشرح أحمد: "لهذا السبب لم أستطع الالتحاق في المدرسة، واكتفيت بما كنت قد تعلمته في سورية. كنت أرغب في متابعة تعليمي والحصول على شهادة جامعية". حالياً، يعمل في المقهى لمساعدة والده في تأمين المصاريف، خصوصاً أن المعيشة في لبنان مرتفعة، ولا يستطيع والده تأمين احتياجات الأسرة لوحده. يلفت إلى أن والده يعمل حلاقاً في محل في صيدا، بعدما كان يملك محله في ريف دمشق.
يضيف أحمد أن من خلال عمله في المقهى، يؤمّن دخلاً معقولاً يساعد عائلته، في ما يعمل شقيقه في ملحمة في صيدا. يتابع أن الحياة في لبنان ليست سهلة. "بسبب الحرب، اضطررت أنا وأخي إلى ترك المدرسة والعمل، والحصول على معونات من الأمم المتحدة وغيرها من الجمعيات. في سورية، لم نكن نحتاج إلى طلب المساعدة من أحد. أما اليوم، فحتى المساعدات التي نحصل عليها لا تكفينا".
مع بداية النزوح، كانت الأمم المتحدة تعطي الفرد الواحد نحو 19 دولاراً أميركياً. وفي أحيان أخرى، كانوا يقدّمون المعونات العينيّة كالمعلبات وأدوات التنظيف وغيرها. لكن قبل نحو شهر، قلّصت خدماتها العينيّة والمادية، وباتت العائلة في حاجة إلى زيادة دخلها لتتمكّن من سد احتياجاتها اليومية وتأمين بدل إيجار البيت. "في حال توقفنا عن الدفع، نصير في الشارع. لذلك، أضاعف ساعات عملي حتى أستطيع تأمين دخل إضافي"، لافتاً إلى أنه يتكل على "البقشيش" الذي يحصل عليه من الزبائن، هو الذي يحرص على تلبية كل طلباتهم، من دون أن ينسى سرّ المهنة وهو الابتسامة.
يقول أحمد إنه يتمنى أن ينتهي كابوس الحرب في سورية ويعود وعائلته إلى بيته. ثم ما يلبث أن يتذكّر أنّه تهدّم جرّاء القصف. لكن هذا أمر بسيط إذ إن في استطاعتهم إعادة بنائه. "في سورية حياتنا وأصدقاؤنا. ربّما تتحسن الظروف وأتمكن أنا وأخي من الالتحاق بالمدرسة مجدداً، بعد أن نترك العمل". ما زال أحمد مصراً على بناء مستقبل مختلف، وإن كان يدرك أن هذا رهن الحرب. ففي حال استمرت، سيخسر هو وشقيقه كل ما حلما به.