ينشغل الأكاديمي المصري أحمد عاطف أحمد، بأسئلة الشريعة، وأصول الفقه، وعلاقتها بحال المسلمين في الحاضر. يتحدّث عاطف مع "العربي الجديد" عن كتابه الجديد الذي سيصدر قريباً، وعن كتاب "فتور الشريعة" الصادرة ترجمته العربية حديثاً وقضايا راهنة أخرى.
■ يصدر لك قريباً "الشريعة: حالات، وسُلطات، ونظرة للعالم" في بريطانيا، وهو كتاب تجميعي مبسّط، لماذا هذا الاختيار بعد عدد من الكتب الأكاديمية ذات المقولة؟
- الكتاب جاء تلبية لطلب محرّرة "الدراسات الدينية" في منشورات "بلومزبيري". وهو استمرار لما كنت أقوم به طيلة سنواتي الأكاديمية، بتدريس مواد جامعية في مواضيع الشريعة، والفكر الفقهي. فهو يقدّم هذه المواضيع لشخص لم يقرأ فيها من قبل. سواء أكان طالباً جامعياً، أو قارئاً عادياً، إذ إنني لاحظت أن عدداً من بائعي الكتب العامّة، مهتمون أيضاً بتوفيره لزبائنهم. ولا أخفيك أنني كنت دائماً أشعر بضيق وأنا أدرّس موادي، إذ كنت في حاجة دائمة لكتاب ينظر للشريعة على أنها تاريخ، ثم يفنّد هذه المقولة في الوقت نفسه، وربما هذا الكتاب تعبير عن هذا الضيق ومحاولة للخروج من هذا المأزق.
■ إذا ما أردنا أن نوجز الكتاب وفكرته، هل يمكن أن يكون العنوان الفرعي محدداً لمواضيعه؟
- ليس تماماً، على الرغم من أنه قد يكون صحيحاً إلى حد ما. فالفصل الأول من الكتاب خصّصته لحالة أميركا - تمركز حول مكان الخطاب- في محاولة للإجابة على سؤال: أين توجد الشريعة في الولايات المتحدة اليوم؟ مجيباً عنه في ثلاث قضايا: اللجوء، والضرائب، وحرية الممارسة الدينية. في الفصل الثاني سرعان ما أتحوّل إلى السلطات أو المرجعيات الدينية، معرّفاً بـالمذاهب الإسلامية المختلفة وأصحابها. الفصل الثالث ينتقل إلى النظري في الشريعة: كيف أتت أصول الفقه؟ وكيف كان الاختلاف والإجماع بين الفقهاء؟ ويمكن أن نعتبر الفصول من الرابع إلى السابع قسماً واحداً طويلاً يعود إلى "الحالات"، ويتحدث بشكل مفصل عن الشريعة الاجتماعية، والشخصية، والقومية، ثم الشريعة العابرة للقوميات (البنوك الإسلامية - فتاوى الإنترنت)، أما الفصل الثامن فيحاول أن يربط هذه المسائل كلها، بالربيع العربي، والثورات.
■ سبق هذا الكتاب كتاب "فتور الشريعة"، وهو لا يزال راهناً ربما، في السياق العربي، إذ صدرت ترجمته قبل أشهر فقط في نهاية 2016. هل لك أن تحدثنا عن ما دفعك للتفكير في موضوع كهذا؟ وماذا كانت غايتك الأساسية من وراء الكتاب؟
- صادفت منذ سنين وأنا أقرأ كتاب "البحر المحيط" للزركشي، هذا الجدل حول فتور الشريعة، وهو ما كان قد بدأه الجويني وأبو القاسم البلخي الكعبي من قبله، والقصد هنا هل الشريعة قد تفتر؟ أي أن يأتي وقت على الناس تنسى فيه الشريعة، بمعنى لا تعود تعرف شيئاً عنها، وقد تعني أيضاً عند الجويني خلو الزمان من المجتهدين، وكأنه يلمّح على أن الشريعة جُهد للمسلمين. عودة إلى سؤالك، هذا الكلام كله قرأته في التسعينيات، لكنني تذكرته عندما سألني صديقي الأكاديمي خالد أبو الفضل، ماذا عن الآن؟ هل نسينا الشريعة؟ هل بقي شيء منها؟ ما دفعني إلى العودة للبحث في الموضوع والاطلاع على النقاشات الحديثة أيضاً، التي تقول إن الشريعة قد ماتت بالفعل منذ نحو مائة عام، بـسقوط العثمانيين، والاستعمار وصعود الدول القومية، التي قبلت من الشرائع الأوروبية أكثر مما قبلت من الشريعة. واهتممت بنقاشات وسيطة كما عند السنهوري مثلاً، وسؤال كيف يمكن الجمع بين الشريعة والقوانين الأخرى، فكان هذا الكتاب.
■ "فتور الشريعة" صدر سنة 2012، وهي السنة نفسها التي صدر فيها كتاب وائل حلاق "الدولة المستحيلة". إذا أحلنا إلى الفصل الرابع من كتابك والذي عنونته بـ "الحداثة وأسئلتها"، والذي بدأته بسؤال: هل يمكن اكتشاف نهاية الشريعة من خارجها؟ ألا تجد أن هذا السؤال يلتقي بشكل من الأشكال مع أطروحة وائل حلاق، خصوصاً في ما يخصّ سؤال الدولة باعتباره جزءاً من سؤال الحداثة؟
- صحيح، قضيّتنا واحدة بلا شك، لكن الفرق بيننا في النتائج. فقبل كتابه هذا، كانت له مقالة قصيرة ومهمة جداً، على الرغم من اختلافي معها، بعنوان "هل يمكن إحياء الشريعة؟" وفيها يقول أنها ماتت، ويعطي انطباعاً في هذه المقالة وفي "الدولة المستحيلة" بأنه يتحسّر على ذلك. ورأيي ربما مختلف، إذ أقول إن الشريعة لها أن تعيش طالما يقول المسلمون بأنها يجب أن تعيش، ولن يستطيع فرد مهما كان أن يقول بأنها ماتت، وحياتها المستمرة هذه لا تعني عدم حصول تغييرات عليها. ثم إنني أجد حلاق رومانسياً ونوستالجياً بعض الشيء، فهو يميل بشكل من الأشكال للشريعة في صورها التاريخية الأولى، فيما أرى أن الحفاظ على الشيء يكون بتغييره، لا بالإبقاء عليه في صوره الأولى. الشريعة عمرها طويل، ولا يمكننا الدفاع عن شيء عاش أكثر من ألف سنة، وفي أراضٍ مترامية من أوزبكستان والهند إلى الشام والمغرب. هناك أشياء هي جزء من تاريخنا وثقافتنا لكنها ليست بالضرورة شريعةً، وفي كل الأحوال لا يمكننا تمجيد شيء قام به البشر.
■ دعني أعود بك، إلى النقاش الذي يجري في تونس حالياً، حول مراجعة قوانين تبدو من صلب الشريعة خصوصاً في ما يتعلق بالمساواة بين الجنسين في الإرث وغيرها من القضايا؟ كيف تنظر إلى هذا النقاش؟ وهل تعتبره أساسياً وضرورياً في الراهن العربي الذي يغرق حسب كثيرين في مشاكل أهم؟
- هذه أسئلة مهمة، لأن المشرع في بلد من البلدان قرّر أن أحوال البلد قد تتحسن بتغيير القانون. معنى هذا أن هناك مشاكل. الناس يحبّون حل مشاكلهم، والكلام المثالي مع وجود مشاكل عملية لا يفيد. أنا أعرف أن نظام الميراث القديم افترض أشياء منها قوامة الرجل ومسؤوليته، لكن هذه المعطيات بدأت تضعف وتتغيّر في مجتمعاتنا اليوم. سأكون مندهشاً إن لم يطرح هذا النقاش اليوم وليس العكس، وأرفض مصادرة السؤال والنقاش. يمكن مساواة الرجل بالمرأة حتى في الميراث ويكون هذا من أصول الشريعة، لأن سبب عدم المساواة اختفى، وأنا هنا أشير إلى تغيّر مفاهيم العلاقة الزوجية، والأدوار بين الزوجين وغيرها من تفاصيل. الجهد لا يجب أن ينفق في الدفاع عن اجتهاد القدماء، ولكن في الخروج باجتهاد جديد وتوضيحه وتأصيله.
اختزالات مستمرة:
يقول أحمد عاطف أحمد أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة كاليفورنيا-سانتا باربارا، إن دراسات الإسلام في الجامعات الغربية اليوم، بدأت تتغير نظرتها للدين وللمنطقة العربية. كما أن الأبحاث في هذا الصدد بدأت تجد تنوّعاً في السنوات القليلة الماضية. غير أنه يشير في الوقت نفسه إلى استمرار دراسة الإسلام في بعض أقسام العلوم السياسية والاجتماعية على أنه مشكلة سياسية، بكل ما يرافق ذلك من اختزال ومبالغة.