فقد أحمد مرضعة بصره بسبب الحرب اللبنانية. فالرجل الذي ولد عام 1972 في بيروت لاجئ فلسطيني عاش في مدينة صيدا، ومنعته الحرب التي بدأت عام 1975 من استكمال علاجه. ولد أحمد بمياه سوداء في عينيه. وبعد أربعين يوماً من مولده، أجريت له عملية شفي فيها بالكامل. لكن الأطباء اشترطوا المتابعة الدائمة لعلاجه. وبالفعل تابع حتى سن الرابعة، لكنّ معارك العام 1976 في صيدا وحصار المدينة من قبل الجيش السوري، منعاه من استكمال العلاج.
وبسبب ذلك، فقد جزءاً من بصره. وهو ما أدى إلى تركه المدرسة وهو في الصف الثالث الابتدائي، ليلازم البيت ويتابع العلاج. ومجدداً حاصر الإسرائيليون هذه المرة المدينة خلال اجتياح عام 1982، وحُرم من العلاج. لينتهي الأمر بفقدانه معظم نظره، وهو في العاشرة من عمره.
لكنّه انتسب عام 1988، لمدرسة خاصة بالمكفوفين، في منطقة بعبدا (وسط لبنان). وفيها درس حتى عام 1992. ورغم صعوبة الدروس بالنسبة لفتى انقطع طوال سنوات وكثافتها، انتقل من التعليم الأكاديمي إلى المهني، وفيه برع بمهنة صنع الأثاث من القصب (الخيزران).
ومن بعدها، التحق بجمعية الشبيبة للمكفوفين، ليصبح فيها مسؤولاً عن مهنة الخيزران، ومدرباً لمكفوفين آخرين. كما مارس لعبة الشطرنج بشكل دامج. ودرب كرة الجرس (رياضة مكفوفين شبيهة بكرة اليد)، ونال بطولة لبنان فيها.
لم يكتف أحمد بمهنته، بل تابع الدراسة من خلال البرامج الناطقة في مكتبة الجمعية. وجاءت فرصته عام 2003، مع إصدار وزارة التربية اللبنانية قانوناً يسمح لكلّ من تجاوز العشرين عاماً بالتقدم إلى امتحانات الثانوية العامة لنيل الشهادة الرسمية. وبالفعل، خاض الامتحانات ونجح. ليدرس بعدها الفلسفة في الجامعة اللبنانية ويتخرج عام 2006.
تبقى للشهادة قيمتها لدى أحمد، فهي تروي قصة كفاحه. ومع ذلك، فهو لم يتمكن من العمل في تخصصه. أولاً لوضعه كلاجئ فلسطيني، يمنع من مزاولة الكثير من المهن. وثانياً لأنّه شخص مكفوف.
واليوم، يعمل أحمد في إدارة مشروع خاص بالأشخاص المعوقين في جمعية مواساة. وكذلك، يبحث عن فرصة أفضل، من خلال وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، بخاصة أنّ الوكالة تعتمد خيار دمج الأشخاص المعوقين.