يفاقم الحصار عاماً بعد آخر الأزمة الاقتصادية في قطاع غزة، فيجد أهله أنفسهم يرزحون تحت ضغوط كثيرة ويضطرون إلى الاستدانة من أكثر من مصدر.
ترهق الديون الفلسطينيين في غزة، سواءً أكانوا مستهلكين أم تجّاراً في شتّى القطاعات، إلى درجة أنّ ثمّة أشخاصاً من بين هؤلاء دخلوا السجن لعدم قدرتهم على سداد المبالغ المالية المتوجّبة عليهم. حال الصيدليات في القطاع المحاصر لا تختلف عن الأحوال في مصالح أخرى، وكثر هم الغزيون الذين يحصلون على أدويتهم وعلى مستلزمات طبية أخرى فيما يدوّن الصيدلي ما يتوجّب عليهم في "دفتر الدّين".
سهى البطراوي، صيدلانية تعمل في إحدى الصيدليات الواقعة بجوار مفترق السرايا في شارع عمر المختار، أكثر الشوارع حيوية في غزة، تخبر "العربي الجديد" أنّ "مرضى كثيرين، ثلثَي الزبائن تقريباً، يقصدون الصيدلية من دون أن يملكوا المال، فيطلبون وضع كلفة علاجهم على الحساب. وهناك آخرون يطلبون مساعدة للحصول على الأدوية التي يحتاجونها". تضيف أنّه "بحسب ما نلاحظ، فإنّ قلّة فقط تسدد حالياً كلفة فاتورة أدويتها كاملة، في حين يطلب بعض الناس الأهمّ من بين الأدوية المدوّنة في وصفة الطبيب، نظراً إلى عدم امتلاكهم المال الكافي"، مشيرة إلى أنّ "تسجيل الأدوية على الحساب في صيدليتنا محصور فقط بجيراننا وبأشخاص نثق في أنّهم لن يتخلّفوا عن تسديد المتوجّب عليهم". وتتابع البطراوي أنّ "أشخاصاً يقصدوننا يومياً تقريباً طالبين علاجاتهم على أن يسدّدوا ثمنها لاحقاً، من بينهم نساء كثيرات. والأمر تحوّل للأسف إلى ظاهرة، على خلفية اقتطاع السلطة الفلسطينية نسباً من رواتب الموظفين في غزة منذ إبريل/نيسان من عام 2017".
من جهته، يقول الصيدلاني إسماعيل الهندي، وهو صاحب صيدلية في شارع النصر وسط مدينة غزة، لـ"العربي الجديد"، "دول العالم بمعظمها توفَّر الأدوية والمستلزمات الطبية في أيّ ظرف من الظروف، مهما كان سيّئا ومهما كانت الأزمات كبيرة. أمّا في غزة، فالأمر مختلف. هنا، لا تؤمّن الأدوية لمحتاجيها، وهذا أمر خطر، في حين أنّ مرضى كثيرين يستغنون عن بعض الأدوية نظراً إلى عدم توفّر السيولة لديهم". ويوضح الهندي أنّ "الأمر بدأ يبرز قبل ثلاثة أعوام، لترتفع وتيرته في خلال العام الجاري بشكل كبير. وهو ما يدفع عدداً من الصيادلة إلى النظر في التسعيرة التي تلزمهم بها نقابة صيادلة فلسطين في غزة، فيتنازل الصيدلاني بالتالي عن نسبة من أرباحه، نظراً إلى الظروف الاقتصادية المتدهورة. وهو يحاول بذلك الحفاظ على زبائنه". ويلفت الهندي إلى أنّ "مسكنات الألم هي الأدوية التي تشهد إقبالاً كبيراً من قبل الغزيين في الوقت الحالي، وذلك وسط تدنّي مستوى القطاع الصحي في غزة. كثر هم الذين يلجأون إلى المسكنات لعلاج حالات مختلفة، وفي بعض الأحيان يقصدنا من يطلب حبّة واحدة فقط، لأنّه غير قادر على تحمّل تكلفة علبة كاملة".
في سياق متصل، تنتشر صيدليات أمام بوابات مجمّع الشفاء الطبي، الذي يُعَدّ أكبر مجمّع في قطاع غزة يستقبل حالات صحية مختلفة. وتلك الصيدليات، بحسب ما يوضح الصيدلاني مصعب حمودة لـ"العربي الجديد"، "توفّر الأدوية والمستلزمات الطبية الأخرى للمستهلكين على الحساب، في حين لا تتوفّر علاجات ومستلزمات طبية كثيرة في المجمّع، وسط الأزمة التي تعانيها وزارة الصحة في غزة. وقد يصل الأمر إلى حدّ شراء أهالي المرضى محاليل مطلوب استخدامها في المستشفى، من تلك الصيدليات". وحمودة الذي يعمل في واحدة من الصيدليات الواقعة في جوار مجمّع الشفاء الطبي، يشير إلى أنّ "الديون المتراكمة في صيدليات غزة تسببت في مشكلات كبيرة لعدد من الصيادلة، لا سيّما أنّهم في حاجة إلى سيولة مالية لتزويد صيدلياتهم بالأدوية والمستلزمات الطبية اللازمة"، مضيفاً أنّ "سداد الديون من قبل المرضى قد يتأخر كثيراً ليتجاوز المدّة المتفق عليها بينهم وبين الصيادلة".
ويؤكد حمودة أنّ "مستشفيات كثيرة في غزة صارت عاجزة عن توفير الأدوية للمرضى الذين يتلقّون علاجهم فيها، الأمر الذي يدفع أهلهم إلى البحث عمّا يحتاجونه في الصيدليات الخارجية. يأتي ذلك في حين أنّ أهل غزة صاروا تحت خط الفقر، وهم غير قادرين على سداد ثمن الأدوية مباشرة". ويكمل حمودة أنّ "الفواتير المتوجبة على المرضى تدوّن في دفتر الدَين في الصيدلية حيث أعمل، غير أنّنا في أحيان كثيرة نجد أنفسنا غير قادرين على بيع أدوية ومستلزمات طبية على الحساب، فالصيدليات كذلك في أزمة وهي لا تتمكّن في بعض الأوقات من سداد ما يتوجّب عليها لبعض مستودعات وشركات الأدوية".