بدأت الحكومة التركيّة الجديدة باكراً، أولى معاركها مع القضاء التركي، الذي تتهمه بالولاء لـ"الكيان الموازي"، وهي التسمية التي يطلقها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، على حركة الخدمة بقيادة فتح الله غولان.
وطالب أردوغان، اليوم الإثنين، المؤسّسات القضائيّة والقضاة، التحلّي بالشجاعة والانتباه، إزاء أولئك الذين يحاولون التوغل في سلك القضاء، والمجموعات السياسية والأيدولوجية والفئوية، التي تحاول التسلّط عليه. وقال إن "الجميع، على حدٍ سواء، مسؤولون في التصدّي لعمليّات تسلل "الكيان الموازي" داخل السلك القضائي، بغية حرفه عن القيام بواجباته ومهامه الرئيسة"، محذراً من أنّ "أي تساهل أو إهمال في هذا الإطار، سيؤثّر على تحقيق أهداف دولتنا في المستقبل".
ورأى أردوغان، في رسالة وجّهها لمناسبة افتتاح السنة القضائيّة الجديدة، أن تركيا قطعت شوطاً كبيراً في طريق أهدافها، بفضل الإصلاحات والاستثمارات في جميع المجالات، التي حققتها في الآونة الأخيرة، مبيناً أن تركيا خطت خطوات تاريخية في الآونة الأخيرة، من أجل رفع معايير الديمقراطية، وحقوق الإنسان، وتوسيع الحريات، وتجلي العدالة.
وتأتي رسالة أردوغان، الذي امتنع ورئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو، ووزير العدل بكير بوزداغ، عن حضور افتتاح السنة القضائيّة، في سابقة هي الأولى من نوعها، في ظل تحذير رئيس المحكمة القضائية العليا في تركيا، علي ألكين، من محاولات التدخّل في القضاء، في ظلّ النزاع القائم بين حزب العدالة والتنمية وحركة الخدمة. وأكّد الأخير أنّ "تقويض القضاء لن يعود بالنفع على أحد، وقوة العدالة مكفولة للجميع، وليس للقضاة فقط"، داعياً إلى "النأي عن الزجّ بمنتسبي القضاء في المهاترات".
وكان أردوغان قاطع افتتاح السنة القضائيّة، بعد إصرار المحكمة العليا على إدراج رئيس نقابات المحاميين التركية فايز أوغلو على قائمة المتحدثين، في خطوة بدا واضحاً أنها تحدّ لأردوغان، الذي أعلن في وقت سابق، أنّه لن يحضر أي اجتماعات يشارك فيها فايز أوغلو متحدثاً.
ووجّه أردوغان، الأسبوع الماضي، خلال مؤتمر لـ"العدالة والتنمية"، بمناسبة انتخاب داوود أوغلو زعيماً جديداً للحزب، انتقادات شديدة إلى القضاء، وتحديداً إلى رئيس المحكمة العليا للاستئناف، متهماً إياه بالانحياز للكيان الموازي. وجدد عزمه على استمرار "تنظيف البلاد" من أتباع غولان، مشيراً إلى أنه لا ينبغي للسلك القضائي أن يكون لعبة في يد الغولانيين.
وأعرب أردوغان عن إيمانه بأن القضاة والمدّعين سيقومون بتنظيف صفوفهم من "الحشاشين"، وهو أحد الألقاب التي يطلقها أردوغان على أتباع الخدمة، في إشارة إلى إحدى الفرق الإسماعيلية، التي قادت اغتيالات واسعة النطاق في العصور الوسطى، بقيادة حسن الصباح.
في المقابل، شدّد رئيس المحكمة القضائيّة العليا، في كلمة ألقاها، اليوم الإثنين، خلال افتتاح السنة القضائية الجديدة، على "إننا ننظر بقلق بالغ تجاه التدخّلات الرامية إلى التأثير على سير عملية الانتخاب داخل السلك القضائي، وإلى الضغوط التي تمارس على القضاء التركي لإلحاقه بأجندات أطراف معيّنة".
وأكّد ألكين بقاء السلطة القضائية التركية، محافظة على استقلاليتها من تأثير أي إملاءات من خارج السلطة. وقال "لا يمكن القبول بتسييس القضاء، في دولة يحكمها القانون، ولا التمييز بحق القضاة، الذين يؤدون واجباتهم، من دون أن يعكسوا عليها أفكارهم الشخصيّة".
وحضر حفل افتتاح السنة القضائية كلٌ من رئيس المحكمة الدستورية التركية، هاشم كليج، وزعيم حزب الشعب الجمهوري (أكبر أحزاب المعارضة)، كمال كليجدار أوغلو، ورئيس المحكمة الإدارية العليا، زرّين غونغور، ورئيس حزب الشعوب الديمقراطي، مرشح الرئاسة السابق، صلاح الدين ديميرتاش، وأعضاء من البرلمان التركي والسلك القضائي.
وكانت الحكومة التركية، مرّرت في شهر فبراير/شباط الماضي، رغم انتقادات شديدة وجهت إليها، قانوناً في البرلمان التركي، نقل جزءًا من صلاحيات المجلس الأعلى للقضاة والمدّعين العامين إلى وزارة العدل.
من جهة أخرى، استكملت النيابة العامة في اسطنبول، التحقيق الذي أطلقته في 25 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، بشأن تهم فساد مزعومة، شغلت الرأي العام التركي. وأصدر المدّعون العامّون، اسماعيل أوجار وعرفان فيدان وفضولي أيدوغان، الذين يتولون التحقيق، قراراً بعدم ضرورة المتابعة بحق 96 شخصاً، بينهم رجال أعمال ونجل الرئيس التركي، نجم الدين بلال أردوغان، وبالتالي حكماً يقضي بإسقاط التهم الموجهة إليهم.