إن أي نظرة مقارنة إلى عمارة فلسطين في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، وإلى عمارتها منذ سبعينيات القرن الماضي وحتى الآن، لتبعث على الأسى فعلاً. سواء نظرنا إلى عمارتها المدينية أو إلى عمارة الريف، اللتين افترسهما الإسمنت وفقدتا خصائصهما التاريخية؛ الوظيفية والجمالية.
الأمر لا يتعلّق فقط بتدمير العمارة الفلسطينية، ووقف تطوّرها الطبيعي وإحلال العمارة الاستعمارية مكانها، أو بالتمدد السرطاني لعمارة المستوطنة؛ لكن أخطر ما حدث هو تسرّب أنماط العمارة الاستيطانية وموادها إلى العمارة الفلسطينية (المدينية والريفية على حد سواء) وإلى ذهنية المعمار المستلب الذي كأنما بُترت مخيلته.
المفارقة أن هذا التسرّب الذي اتضحت معالمه بعد 1967، لا يقتصر على فلسطين وإنما يمتد إلى بلد مجاور مثل الأردن. بحيث تبدو لنا العمارة مستعمرة -في موادها وأنماطها وانقطاعها عن تاريخها والطبيعة المحيطة بها- حتى من دون وجود قوة استعمار فعلية على الأرض. بالطبع لا نغفل تأثير فترة الاحتلال البريطاني وتنظيماته وتخطيطه في عمارة الإقليم وشكل مدينته.
في الجزائر مثلاً، ومهما كانت مشاعرك الوطنية لا يمكنك إلا أن تعجب بالعمارة الباقية من الزمن الاستعماري. في فلسطين، وبعد رحيل مستعمريها، لن يُترك لأهلها سوى أرذل العمائر عن أرذل استعمار.