منذ مطلع الكتابة، والأرض هاجس شعريّ أصيل، وقاموس غنيّ للكتابة. كيف لا وهي أول معاني الارتباط بالحياة والنّاس والهوية. لكن خصوصية المعنى الفلسطيني لـ"يوم الأرض" تحل في وقت تنتفضُ فيه أوطانٌ وتُقتطعُ أعمارٌ وتُشرّد أرواح في أعراس الدّم.
في بعض الشعر الحديث تتجلى الأرض كنموذج مفترض أو مجرّد رمز أيقونيّ، بيد أنها لا تخرج في المجمل عن كونها مفردة ضمن سياق، تعجز من فرط استهلاكها عن انتزاع القارئ من جسد القصيدة وتجاوز التفكير فيها كنّصٍّ مكتوب. لذا، فقدت "الأرض" جزءاً لا بأس به من أبعادها الجوهرية وشحناتها، ولم يعد يستقرّ منها في وعي القارئ بالتدريج سوى المفردة أو اللفظ في حالته الخام.
أضف إلى أن الأرض ارتبطت شعرياً بالقصيدة الثورية وأدب التحرر الوطني في منظور واحد، كما هو الحال مع شعر المقاومة الفلسطينية، إذ ارتأت أن تلتحق بركب النّفي الثقافيّ لمقولة إن فلسطين هي أرض بلا شعب لشعب بلا أرض، لكنها عجزت أن تتنامى أبعد من ذلك كأنها استنفدت صيغتها، وما فتئت تكرّر نفسها بعيداً عن أي علاقات أو ارتبطات جمالية أخرى، وباتت في المحصّلة إيقاعاً رومانسياً عبر اقترانه الغريزيّ بالوطن المسلوب.
إن الممارسة الشعرية بالعموم غير مطالبة فحسب بتبنّي الأرض واحتضانها وفق مفهومها الثوري والوطنيّ - أي باعتبارها حقاً مسلوباً تنبغي المطالبة باستعادته في كل واردة شعرية وشاردة- وإنما بتحمّل عبء مقاربة أفكار وقيم أكثر حساسية تتفاعل في إطار الواقع الحالي.
لا بمعنى أن تعوّض عنها أو تحلّ محلّها، وإنما أن تنطلق بوعي من ثيمة الأرض كأساس لدولة ناشئة أو في طريق النشوء، وكمعادل ثقافي عميق أيضاً ضمن منظومة المعادلات الثقافية، أكثر من تأصيلها للارتباط بالحلم البروميثيوسي؛ فالشعر والفنون والآداب عموماً تقتضي التفاعل مع خصوصية الواقع السياسي والاجتماعي القائم، كونها مرهونة لعلاقات وشروط أوسع، وفي وسط ذلك كله تبرز الأرض كواحدة من أبرز محدّدات الصلة ومعانيها.