في الآونة الاخيرة، صرح رئيس الحكومة، نوري المالكي، وأنصاره والقادة الامنيون أن الدولة قد انتصرت على الارهاب في العراق، وأن المعركة قد حسمت في الرمادي، مركز محافظة الانبار، حيث تدور معارك ضد مسلحي العشائر المحليين وبعض عناصر تنظيم دولة العراق الاسلامية في العراق والشام (داعش). أما الوضع في الفلوجة، إحدى اكبر مدن الانبار والتي يسيطر عليها المسلحون منذ اسابيع، فقال المالكي، في بيانه الاسبوعي امس الاربعاء 12 شباط/فبراير 2014، إن قواته تسعى الى تحريرها في الايام المقبلة وفق خطة مدروسة.
تأتي هذه التصريحات في ظل تعتيم حكومة المالكي على ما يجري في الانبار، بعد أن قطعت جميع وسائل الاتصالات وشبكات الانترنت. ورغم ذلك، تشير المعطيات على الارض إلى ان الاشتباكات مع المسلحين لا تزال مستمرة مع ورود معلومات عن تكبد القوات الامنية العراقية خسائر جسيمة، تحديداً في مدينة الرمادي، التي ادعت الحكومة ان قواتها الامنية قد طهرتها من المسلحين باستثاء عدد قليل من المناطق. لكن هذه المناطق الآن تتعرض الى قصف مستمر، مما يدل على ان القوات الامنية غير قادرة على السيطرة عليها. ولهذا شكك بعض السياسيين والمراقبين بدقة المعلومات التي تروج لها حكومة المالكي، وخصوصا انها لم تكشف عن حصيلة الخسائر البشرية والمادية التي تكبدتها القوات الامنية نتيجة تلك العمليات العسكرية. مع ذلك فان وسائل الاعلام الحكومية تعطي ارقاماً لأعداد قتلى "داعش"، رغم صعوبة التمييز بين مقاتلي داعش ومسلحي العشائر الناقمين على الحكومة، وذلك بسبب انتشارهما في المناطق الملتهبة نفسها، وبشكل متداخل، إضافة إلى قلة عديدهم مقارنة بمسلحي العشائر.
كذلك تشير المعلومات الواردة من الانبار إلى أن القوات الامنية تواجه مقاومة شرسة من قبل الجماعات المسلحة، والتي استطاعت ان توسع رقعة المواجهات وتزيد من عملياتها النوعية ضد الجيش. ويرى بعض المراقبين ان تصعيد الهجمات ضد الجيش في الرمادي يأتي رداً على اعلان المالكي وقيادات القوات البرية العراقية انتهاء العمليات العسكرية في الرمادي.
معطيات تؤشر إلى أن الحل العسكري، الذي حاول المالكي الترويج له، غير ممكن التطبيق. المالكي حاول الترويج لمفهوم خاطئ عن الازمة في الانبار، إذ نجح، نوعا ما، في اقناع الغرب ان حل الازمة في العراق، وخصوصا في الانبار، يحتاج الى حل عسكري وانه يمكن القضاء عليه بالوسائل التقليدية الأمنية، وهذا خلافاً للواقع. واقع يؤكد أن مسلحي العشائر يشكلون الجزء الاكبر من الفصائل المسلحة في الأنبار، وخصوصاً الفصائل التي تطلق على نفسها اسم "المجلس العسكري لثوار عشائر الانبار"، والتي يقودها احد شيوخ عشائر الدليم، الشيخ علي حاتم السليمان. فهؤلاء قرروا حمل السلاح بعد فض اعتصامات اهالي الانبار التي استمرت حوالي عام كامل من دون تلبية مطالبها، وهي معظمها مطالب مشروعة ممكن التفاوض بشأنها، وذلك تحت ذريعة وجود بعض عناصر القاعدة والذين قدرتهم الحكومة المحلية بنحو 30 عنصراً. وكان اعتقال احد قادة الاعتصامات، النائب أحمد العلواني، وقتل شقيقه وافراد من حمايتهما وتسريب صور تؤجج المشاعر الطائفية، القشة التي قصمت ظهر البعير. ومع ذلك كانت الامور ستهدأ لو ان الحكومة حاولت التفاوض مع قادة العشائر المنتفظة وإيجاد مخرج للأزمة، ولكنها لجأت بدل ذلك الى التفاوض مع الحكومة المحلية، بقيادة المحافظ أحمد الدليمي، وبعض قادة الصحوات مثل الشيخ أحمد ابو ريشة. واستطاع المالكي ان يستميلهم ويدعمهم في تشكيل صحوات جديدة لقتال "داعش".
حتى هذه اللحظة، يرفض المالكي التفاوض في شأن مطالب عشائر ورموز المحافظة، وهي مطالب اتفقت عليها جميع الاطراف، الداعمة والمعارضة للمالكي، وأهمها خروج الجيش من محافظة الانبار والتوقف عن قصف المدن، والتي يصر المالكي على رفضها. يبدو ان المالكي غير جاد في التوصل الى تسوية للازمة في الانبار، على الاقل في الفترة التي تسبق الانتخابات المقررة في نهاية نيسان/ابريل 2014. ويقول المفكر العراقي، النائب حسن العلوي، "وضع رئيس الوزراء في الأنبار صعب وهناك ثلاثة خيارات، فالمالكي لا يستطيع ان يتراجع فيُعتبر مهزوما، او يتوقف فتُعتبر مهمته فاشلة، أو يتقدم فيتحمل الخسائر البشرية والمادية". ويبقى السؤال الاهم: ماذا لو ان المالكي لا يريد التوصل الى تسوية لأنه يسعى الى تأجيل الانتخابات بذريعة التدهور الامني؟ بالتأكيد سيصبح السيناريو السوري هو الابرز، لأن العراق يقع في قلب الصراع الطائفي الذي يجتاح المنطقة.