10 أكتوبر 2024
أزمة الحكومة في إسرائيل.. كيف انتهت ومن الرابح فيها؟
شهدت إسرائيل في منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر 2018 أزمةً سياسيةً، كادت أن تطيح حكومة بنيامين نتنياهو الرابعة، وأن تقود إلى إجراء انتخابات عامة مبكرة للكنيست الإسرائيلي، بدلًا من موعدها المقرّر في تشرين الثاني/ نوفمبر 2019. ففي 14 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، استقال رئيس حزب إسرائيل بيتنا، أفيغدور ليبرمان من منصب وزير الأمن، وأخرج حزبه من الائتلاف الحكومي، ودعا إلى حل الكنيست، وإجراء انتخابات مبكّرة في أسرع وقت ممكن. وبعد إعلان ليبرمان عن انسحاب نوابه الخمسة من الائتلاف الحكومي، أصبحت حكومة نتنياهو تتكون من خمسة أحزاب، وتستند إلى 61 نائبًا من بين أعضاء الكنيست، البالغ عددهم 120 نائبًا؛ أي بأغلبية نائب فقط. والأحزاب هي: الليكود الذي يقوده نتنياهو وله 30 نائبًا، و"كلنا" بقيادة موشيه كحلون وله عشرة نواب، و"البيت اليهودي" بقيادة نفتالي بينيت وله ثمانية نواب، و"شاس" الديني الحريدي الشرقي بقيادة أرييه درعي وله سبعة نواب، و"يهدوت هتوراة" الديني الحريدي الغربي وله ستة نواب. وما إن أعلن ليبرمان عن استقالته، حتى وجّه بينيت إنذارًا علنيًا إلى نتنياهو بأنه إذا لم يحصل على منصب وزير الأمن، سينسحب من الائتلاف الحكومي؛ ما يؤدي إلى سقوط الحكومة وإجراء انتخابات مبكرة.
أسباب استقالة ليبرمان
أرجع ليبرمان أسباب استقالته من منصب وزير الأمن، في المؤتمر الصحافي الذي عقده لهذا الغرض، إلى خلافه مع رئيس الحكومة نتنياهو والكابينت السياسي الأمني، بشأن سياسة إسرائيل تجاه حركة حماس في قطاع غزة. ووصف ليبرمان اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وسلطة حماس في قطاع غزة بوساطة مصرية، بعد يومين من القصف المتبادل بينهما، بأنه "خضوع للإرهاب". وأشار ليبرمان إلى خلافاتٍ حدثت في الفترة الأخيرة بينه وبين نتنياهو والكابينت السياسي الأمني، ومنها مسألة إدخال الوقود والدعم المالي القطري إلى سلطة حركة حماس في قطاع غزة، وتأجيل الحكومة إخلاء قرية الخان الأحمر في محافظة القدس بالقرب من مستوطنة معاليه أدوميم، القرية التي كانت الحكومة الإسرائيلية قد قرّرت إخلاءها لأجل توسيع مستوطنة معاليه أدوميم على أراضيها.
ويبدو أن ليبرمان اتخذ قرار الاستقالة في الأسابيع الأخيرة من جرّاء إحباط نتنياهو والكابينت السياسي الأمني سياسته، وإلغاء قراراته التي اتخذها بصفة فردية تجاه غزة، وإلزامه بقرارات الكابينت وسياسته، فعندما انطلقت مسيرات العودة من قطاع غزة في آذار/ مارس 2018، لاءم ليبرمان مواقفه مع موقف نتنياهو والمؤسسة العسكرية، والكابينت السياسي الأمني، بشأن القطاع، مانحًا الأولوية لمواجهة تعزيز النفوذ الإيراني العسكري في سورية، مبررًا ذلك بأن من الأفضل تجنب مواجهة على الجبهتين، الشمالية والجنوبية، في الوقت نفسه، بيد أن هذا التوافق بين ليبرمان ونتنياهو لم يستمر طويلًا؛ إذ تفجر الخلاف بينهما في آب/ أغسطس 2018، عندما بدأ نتنياهو، بتأييدٍ من المؤسسة العسكرية، السعي إلى التوصل إلى اتفاق تهدئة طويل المدى بين إسرائيل وسلطة "حماس" في غزة بوساطة مصرية.
ففي بداية آب/ أغسطس 2018، بحث الكابينت السياسي الأمني السياسة التي ينبغي لإسرائيل أن تتبناها تجاه غزة. وناقش الكابينت اقتراحين؛ العمل على التوصل إلى تسوية تشمل إعادة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة وسيطرتها على المعابر، والعمل على التوصل إلى تسوية تقتصر على التفاهم مع سلطة "حماس" في غزة. وقرّر الكابينت تبنّي موقف نتنياهو الذي دعا إلى التوصل إلى تسويةٍ مع سلطة "حماس" في قطاع غزة بوساطة مصرية.
وقد حاول ليبرمان الذي عارض الاقتراحين المذكورين إحباط التسوية مع سلطة "حماس" في غزة، وفرض خلال الشهور الثلاثة الماضية عقوباتٍ فترات قصيرة على قطاع غزة، وذلك بقراراتٍ منفردة من دون العودة إلى الكابينت السياسي الأمني، أو رئيس الحكومة. وشملت هذه العقوبات تقليص العمق البحري المسموح به للصيد عند شاطئ غزة، وإغلاق معبري كرم أبو سالم وبيت حانون (إيرز)، ومنع دخول الوقود إلى غزة. وكان ليبرمان يتراجع عن هذه القرارات تحت ضغط نتنياهو والمؤسسة العسكرية. وفي الفترة الأخيرة، قرّر الكابينت أنه من دون الحصول على موافقته المسبقة، فإن وزير الأمن لا يستطيع اتخاذ قراراتٍ في هذه الأمور بمفرده.
إلى جانب ذلك، لاحظ ليبرمان أنه، منذ توليه منصب وزير الأمن، لم تزد شعبيته ولا شعبية حزبه، بل تراجعتا قليلًا في استطلاعات الرأي العام في إسرائيل؛ ومن المعلوم أن منصب وزير الأمن يزيد عادةً من شعبية الوزير الذي يشغله، فقرّر الاستقالة للتميز عن الحكومة في مواقفه لاعتباراتٍ انتخابية، مع اقتراب موعد انتخابات الكنيست التي توقع ليبرمان إجراءها، قبل ربيع 2019.
سعي نتنياهو إلى احتواء الأزمة
فور إعلان ليبرمان استقالته، وتفجّر الأزمة الحكومية عقب إنذار بينيت بأنه سينسحب من الحكومة إذا لم يحصل على وزارة الأمن، أجرى نتنياهو اتصالاتٍ مكثفةً بقادة أحزاب الائتلاف الحكومي، ودعاهم إلى البقاء في الحكومة والحفاظ عليها وعدم إجراء انتخاباتٍ مبكّرة. وخلافًا للأزمات التي عرفتها حكومته في السنة الأخيرة، والتي هدّد خلالها نتنياهو شركاءه في الائتلاف الحكومي بالذهاب إلى انتخابات مبكرة، بدا في هذه الأزمة مصمّمًا جدًّا على الحفاظ على حكومته، وعلى عدم إجراء انتخابات مبكرة.
شدد نتنياهو في اتصالاته برؤساء الأحزاب، وفي تصريحاته لوسائل الإعلام، على أن مصلحة أمن إسرائيل تقتضي الحفاظ على الحكومة، وعدم إجراء انتخابات مبكرة، وأن إسرائيل ما زالت في خضم معركةٍ لم تنته بعد، وأنه في أثناء المعركة لا يتم اللعب بالسياسة وإسقاط الحكومة؛ فأمن الدولة أهم من اللعبة السياسية الحزبية والمصالح الشخصية. وأعلن أنه سيحتفظ بمنصب وزير الأمن لنفسه لدواعٍ أمنية، وأكد أنه لا يريد أجراء انتخابات زائدة وغير ضرورية في هذه المرحلة التي تقتضي التحلي بالمسؤولية.
لقد شدّد نتنياهو، في اتصالاته، بقادة أحزاب الائتلاف الحكومي، وبذوي النفوذ بين صفوف اليمين واليمين المتطرّف، ولا سيما كبار حاخامات المستوطنين الذين يؤثرون في بينيت، بأن إسقاط حكومة اليمين في هذه المرحلة قد تقود إلى فقدان معسكر اليمين السلطة، كما حصل في عام 1992، عندما انسحب غلاة اليمينيين من الحكومة، وتسببوا في خسارة اليمين السلطة في انتخابات 1992.
وقد أثّرت الحملة التي شنها نتنياهو في بينيت، فلم يحظَ إنذاره بإجماعٍ في صفوف أعضاء الكنيست التابعين لحزبه، وأعلن في 19 تشرين الثاني/ نوفمبر 2018 عن سحب جميع مطالبه من رئيس الحكومة، وعن بقائه في الائتلاف الحكومي. وفي الوقت نفسه، انتقد بينيت نتنياهو لعدم تبنّيه، وفق ما ادّعاه، سياسة متشدّدة تجاه الفلسطينيين وعدم تحقيق الحسم والانتصار على سلطة حركة حماس في غزة، وتسببه في تآكل قوة الردع الإسرائيلية، وعدم إخلائه قرية الخان الأحمر الفلسطينية، وعدم هدم منازل الفلسطينيين الذين ينفذون عمليات عسكرية ضد إسرائيل.
دوافع نتنياهو
خلافًا للأزمات الحكومية السابقة، بذل نتنياهو قصارى جهده للحفاظ على حكومته، وعدم تبكير انتخابات الكنيست، وتأجيلها أطول فترة ممكنة. ويبدو أنه يعتقد أن تأجيل الانتخابات في هذه المرحلة يخدم مصالحه في جملةٍ من القضايا. في مقدمتها مسألة الملفات الجنائية ضده، والتوقيت الذي سيقرّر فيه المستشار القضائي للحكومة، أفيحاي مندلبليت، لائحة اتهام ضده في ثلاثة ملفات فساد. وسيتخذ مندلبليت قراره، وفق ما هو متوقع، في فترة أقصاها شباط/ فبراير 2019. ومن المتوقع أن يقدم لائحة اتهام عندئذ ضد نتنياهو غير الملزم بالاستقالة، وفق القانون الإسرائيلي في حال توجيه لائحة اتهام ضده. ويريد نتنياهو أن يكون في الفترة التي تقدّم فيها ضده لائحة اتهام رئيسًا للحكومة، وليس رئيسًا لحكومة انتقالية، منهمكًا في حملة انتخابية للكنيست.
إلى جانب ذلك، يفضل نتنياهو أن يأتي موعد الإعلان عن موعد صفقة القرن قبل حل الكنيست. ومن المتوقع أن يتم الاتفاق بشأن توقيت الإعلان عنها بين ترامب ونتنياهو؛ كي تخدم وتلائم أجندة الثاني. ومن المتوقع أن يُرافق الإعلان عن صفقة القرن بضغط أميركي شديد، للتسريع في تطبيع الدول العربية علاقاتها بإسرائيل، وهو ما يخدم نتنياهو ويزيد قوته الانتخابية. وكذلك يأمل نتنياهو وترامب أن تساعد صفقة القرن ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، على الخروج من أزمته بسبب جريمة قتل الصحافي جمال خاشقجي؛ إذ ستحاول الإدارة الأميركية وإسرائيل إظهار ولي العهد السعودي شخصية "معتدلة داعمة للسلام في الشرق الأوسط"، بدلًا من الصورة السلبية التي ظهر فيها مستبدًّا دمويًّا، منذ قتل خاشقجي.
إلى جانب ذلك، يسعى نتنياهو إلى سن قوانين عديدة تخدمه قبل حل الكنيست الحالي، مثل القانون الذي يلزم بموجبه رئيس الدولة بتكليف رئيس الحزب الذي يحظى بتوصية أكبر عدد من أعضاء الكنيست، ففي حال توجيه لائحة اتهام ضد نتنياهو، فإنه يُخشى أن لا يكلفه غريمه رئيس الدولة، رؤوفين ريفلين، بتشكيل الحكومة بعد الانتخابات المقبلة للكنيست، وإنما يكلف أحد قادة حزب الليكود بتشكيل الحكومة.
كذلك يسعى نتنياهو إلى سن قانون تُخفَّض بمقتضاه نسبة الحسم في انتخابات الكنيست من ثلاثة وربع في المئة من مجموع أصوات المقترعين، إلى اثنين أو اثنين ونصف في المئة؛ لاعتقاده أن ذلك يخدم معسكر اليمين في إسرائيل، لا سيما اليمين المتطرّف، ويفكّك الأحزاب الدينية، مثل شاس، التي سوف تتجرأ تياراتها المختلفة على تشكيل قوائم منفصلة لخوض الانتخابات. ويأمل نتنياهو أن يقود ذلك أيًضا إلى تفكيك القائمة المشتركة للأحزاب العربية، وأن تخوض هذه الانتخابات في أكثر من قائمة؛ ما قد يؤدي إلى تقليص عدد مقاعدها.
الخاتمة
تمكّن رئيس الحكومة الإسرائيلية، نتنياهو، من الحفاظ على حكومته، على الرغم من الأزمة الحادّة التي تعرّضت لها. ولم تضعفه هذه الأزمة، بل ربما عزّزت مكانته؛ فقد تولى، إلى جانب رئاسته الحكومة، منصب وزير الأمن، وهي المرة الأولى التي يتولى فيها هذا المنصب. ومن المتوقع أن يتخلى نتنياهو عن منصب وزير الخارجية الذي شغله في السنوات الأخيرة لأحد قادة حزب الليكود. ومن المرجّح أن يتمكّن من الحفاظ على حكومته في الشهور المقبلة، وأن يتم تحديد موعد للانتخابات يلائمه، إذا تقرّر تقديم موعدها. وفي هذه الحالة، فإن "المعسكر القومي" الذي يقوده نتنياهو سوف يحظى بأغلبيةٍ واضحة، بحسب استطلاعات الرأي العام؛ ما يمكّنه من تشكيل حكومة مما يسمى المعسكر القومي (اليمين والمتدينين)، في حين لا يبدو أن ثمّة تهديدًا جديًا لزعامة نتنياهو داخل حزب الليكود نفسه.
أسباب استقالة ليبرمان
أرجع ليبرمان أسباب استقالته من منصب وزير الأمن، في المؤتمر الصحافي الذي عقده لهذا الغرض، إلى خلافه مع رئيس الحكومة نتنياهو والكابينت السياسي الأمني، بشأن سياسة إسرائيل تجاه حركة حماس في قطاع غزة. ووصف ليبرمان اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وسلطة حماس في قطاع غزة بوساطة مصرية، بعد يومين من القصف المتبادل بينهما، بأنه "خضوع للإرهاب". وأشار ليبرمان إلى خلافاتٍ حدثت في الفترة الأخيرة بينه وبين نتنياهو والكابينت السياسي الأمني، ومنها مسألة إدخال الوقود والدعم المالي القطري إلى سلطة حركة حماس في قطاع غزة، وتأجيل الحكومة إخلاء قرية الخان الأحمر في محافظة القدس بالقرب من مستوطنة معاليه أدوميم، القرية التي كانت الحكومة الإسرائيلية قد قرّرت إخلاءها لأجل توسيع مستوطنة معاليه أدوميم على أراضيها.
ويبدو أن ليبرمان اتخذ قرار الاستقالة في الأسابيع الأخيرة من جرّاء إحباط نتنياهو والكابينت السياسي الأمني سياسته، وإلغاء قراراته التي اتخذها بصفة فردية تجاه غزة، وإلزامه بقرارات الكابينت وسياسته، فعندما انطلقت مسيرات العودة من قطاع غزة في آذار/ مارس 2018، لاءم ليبرمان مواقفه مع موقف نتنياهو والمؤسسة العسكرية، والكابينت السياسي الأمني، بشأن القطاع، مانحًا الأولوية لمواجهة تعزيز النفوذ الإيراني العسكري في سورية، مبررًا ذلك بأن من الأفضل تجنب مواجهة على الجبهتين، الشمالية والجنوبية، في الوقت نفسه، بيد أن هذا التوافق بين ليبرمان ونتنياهو لم يستمر طويلًا؛ إذ تفجر الخلاف بينهما في آب/ أغسطس 2018، عندما بدأ نتنياهو، بتأييدٍ من المؤسسة العسكرية، السعي إلى التوصل إلى اتفاق تهدئة طويل المدى بين إسرائيل وسلطة "حماس" في غزة بوساطة مصرية.
ففي بداية آب/ أغسطس 2018، بحث الكابينت السياسي الأمني السياسة التي ينبغي لإسرائيل أن تتبناها تجاه غزة. وناقش الكابينت اقتراحين؛ العمل على التوصل إلى تسوية تشمل إعادة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة وسيطرتها على المعابر، والعمل على التوصل إلى تسوية تقتصر على التفاهم مع سلطة "حماس" في غزة. وقرّر الكابينت تبنّي موقف نتنياهو الذي دعا إلى التوصل إلى تسويةٍ مع سلطة "حماس" في قطاع غزة بوساطة مصرية.
وقد حاول ليبرمان الذي عارض الاقتراحين المذكورين إحباط التسوية مع سلطة "حماس" في غزة، وفرض خلال الشهور الثلاثة الماضية عقوباتٍ فترات قصيرة على قطاع غزة، وذلك بقراراتٍ منفردة من دون العودة إلى الكابينت السياسي الأمني، أو رئيس الحكومة. وشملت هذه العقوبات تقليص العمق البحري المسموح به للصيد عند شاطئ غزة، وإغلاق معبري كرم أبو سالم وبيت حانون (إيرز)، ومنع دخول الوقود إلى غزة. وكان ليبرمان يتراجع عن هذه القرارات تحت ضغط نتنياهو والمؤسسة العسكرية. وفي الفترة الأخيرة، قرّر الكابينت أنه من دون الحصول على موافقته المسبقة، فإن وزير الأمن لا يستطيع اتخاذ قراراتٍ في هذه الأمور بمفرده.
إلى جانب ذلك، لاحظ ليبرمان أنه، منذ توليه منصب وزير الأمن، لم تزد شعبيته ولا شعبية حزبه، بل تراجعتا قليلًا في استطلاعات الرأي العام في إسرائيل؛ ومن المعلوم أن منصب وزير الأمن يزيد عادةً من شعبية الوزير الذي يشغله، فقرّر الاستقالة للتميز عن الحكومة في مواقفه لاعتباراتٍ انتخابية، مع اقتراب موعد انتخابات الكنيست التي توقع ليبرمان إجراءها، قبل ربيع 2019.
سعي نتنياهو إلى احتواء الأزمة
فور إعلان ليبرمان استقالته، وتفجّر الأزمة الحكومية عقب إنذار بينيت بأنه سينسحب من الحكومة إذا لم يحصل على وزارة الأمن، أجرى نتنياهو اتصالاتٍ مكثفةً بقادة أحزاب الائتلاف الحكومي، ودعاهم إلى البقاء في الحكومة والحفاظ عليها وعدم إجراء انتخاباتٍ مبكّرة. وخلافًا للأزمات التي عرفتها حكومته في السنة الأخيرة، والتي هدّد خلالها نتنياهو شركاءه في الائتلاف الحكومي بالذهاب إلى انتخابات مبكرة، بدا في هذه الأزمة مصمّمًا جدًّا على الحفاظ على حكومته، وعلى عدم إجراء انتخابات مبكرة.
شدد نتنياهو في اتصالاته برؤساء الأحزاب، وفي تصريحاته لوسائل الإعلام، على أن مصلحة أمن إسرائيل تقتضي الحفاظ على الحكومة، وعدم إجراء انتخابات مبكرة، وأن إسرائيل ما زالت في خضم معركةٍ لم تنته بعد، وأنه في أثناء المعركة لا يتم اللعب بالسياسة وإسقاط الحكومة؛ فأمن الدولة أهم من اللعبة السياسية الحزبية والمصالح الشخصية. وأعلن أنه سيحتفظ بمنصب وزير الأمن لنفسه لدواعٍ أمنية، وأكد أنه لا يريد أجراء انتخابات زائدة وغير ضرورية في هذه المرحلة التي تقتضي التحلي بالمسؤولية.
لقد شدّد نتنياهو، في اتصالاته، بقادة أحزاب الائتلاف الحكومي، وبذوي النفوذ بين صفوف اليمين واليمين المتطرّف، ولا سيما كبار حاخامات المستوطنين الذين يؤثرون في بينيت، بأن إسقاط حكومة اليمين في هذه المرحلة قد تقود إلى فقدان معسكر اليمين السلطة، كما حصل في عام 1992، عندما انسحب غلاة اليمينيين من الحكومة، وتسببوا في خسارة اليمين السلطة في انتخابات 1992.
وقد أثّرت الحملة التي شنها نتنياهو في بينيت، فلم يحظَ إنذاره بإجماعٍ في صفوف أعضاء الكنيست التابعين لحزبه، وأعلن في 19 تشرين الثاني/ نوفمبر 2018 عن سحب جميع مطالبه من رئيس الحكومة، وعن بقائه في الائتلاف الحكومي. وفي الوقت نفسه، انتقد بينيت نتنياهو لعدم تبنّيه، وفق ما ادّعاه، سياسة متشدّدة تجاه الفلسطينيين وعدم تحقيق الحسم والانتصار على سلطة حركة حماس في غزة، وتسببه في تآكل قوة الردع الإسرائيلية، وعدم إخلائه قرية الخان الأحمر الفلسطينية، وعدم هدم منازل الفلسطينيين الذين ينفذون عمليات عسكرية ضد إسرائيل.
دوافع نتنياهو
خلافًا للأزمات الحكومية السابقة، بذل نتنياهو قصارى جهده للحفاظ على حكومته، وعدم تبكير انتخابات الكنيست، وتأجيلها أطول فترة ممكنة. ويبدو أنه يعتقد أن تأجيل الانتخابات في هذه المرحلة يخدم مصالحه في جملةٍ من القضايا. في مقدمتها مسألة الملفات الجنائية ضده، والتوقيت الذي سيقرّر فيه المستشار القضائي للحكومة، أفيحاي مندلبليت، لائحة اتهام ضده في ثلاثة ملفات فساد. وسيتخذ مندلبليت قراره، وفق ما هو متوقع، في فترة أقصاها شباط/ فبراير 2019. ومن المتوقع أن يقدم لائحة اتهام عندئذ ضد نتنياهو غير الملزم بالاستقالة، وفق القانون الإسرائيلي في حال توجيه لائحة اتهام ضده. ويريد نتنياهو أن يكون في الفترة التي تقدّم فيها ضده لائحة اتهام رئيسًا للحكومة، وليس رئيسًا لحكومة انتقالية، منهمكًا في حملة انتخابية للكنيست.
إلى جانب ذلك، يفضل نتنياهو أن يأتي موعد الإعلان عن موعد صفقة القرن قبل حل الكنيست. ومن المتوقع أن يتم الاتفاق بشأن توقيت الإعلان عنها بين ترامب ونتنياهو؛ كي تخدم وتلائم أجندة الثاني. ومن المتوقع أن يُرافق الإعلان عن صفقة القرن بضغط أميركي شديد، للتسريع في تطبيع الدول العربية علاقاتها بإسرائيل، وهو ما يخدم نتنياهو ويزيد قوته الانتخابية. وكذلك يأمل نتنياهو وترامب أن تساعد صفقة القرن ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، على الخروج من أزمته بسبب جريمة قتل الصحافي جمال خاشقجي؛ إذ ستحاول الإدارة الأميركية وإسرائيل إظهار ولي العهد السعودي شخصية "معتدلة داعمة للسلام في الشرق الأوسط"، بدلًا من الصورة السلبية التي ظهر فيها مستبدًّا دمويًّا، منذ قتل خاشقجي.
إلى جانب ذلك، يسعى نتنياهو إلى سن قوانين عديدة تخدمه قبل حل الكنيست الحالي، مثل القانون الذي يلزم بموجبه رئيس الدولة بتكليف رئيس الحزب الذي يحظى بتوصية أكبر عدد من أعضاء الكنيست، ففي حال توجيه لائحة اتهام ضد نتنياهو، فإنه يُخشى أن لا يكلفه غريمه رئيس الدولة، رؤوفين ريفلين، بتشكيل الحكومة بعد الانتخابات المقبلة للكنيست، وإنما يكلف أحد قادة حزب الليكود بتشكيل الحكومة.
كذلك يسعى نتنياهو إلى سن قانون تُخفَّض بمقتضاه نسبة الحسم في انتخابات الكنيست من ثلاثة وربع في المئة من مجموع أصوات المقترعين، إلى اثنين أو اثنين ونصف في المئة؛ لاعتقاده أن ذلك يخدم معسكر اليمين في إسرائيل، لا سيما اليمين المتطرّف، ويفكّك الأحزاب الدينية، مثل شاس، التي سوف تتجرأ تياراتها المختلفة على تشكيل قوائم منفصلة لخوض الانتخابات. ويأمل نتنياهو أن يقود ذلك أيًضا إلى تفكيك القائمة المشتركة للأحزاب العربية، وأن تخوض هذه الانتخابات في أكثر من قائمة؛ ما قد يؤدي إلى تقليص عدد مقاعدها.
الخاتمة
تمكّن رئيس الحكومة الإسرائيلية، نتنياهو، من الحفاظ على حكومته، على الرغم من الأزمة الحادّة التي تعرّضت لها. ولم تضعفه هذه الأزمة، بل ربما عزّزت مكانته؛ فقد تولى، إلى جانب رئاسته الحكومة، منصب وزير الأمن، وهي المرة الأولى التي يتولى فيها هذا المنصب. ومن المتوقع أن يتخلى نتنياهو عن منصب وزير الخارجية الذي شغله في السنوات الأخيرة لأحد قادة حزب الليكود. ومن المرجّح أن يتمكّن من الحفاظ على حكومته في الشهور المقبلة، وأن يتم تحديد موعد للانتخابات يلائمه، إذا تقرّر تقديم موعدها. وفي هذه الحالة، فإن "المعسكر القومي" الذي يقوده نتنياهو سوف يحظى بأغلبيةٍ واضحة، بحسب استطلاعات الرأي العام؛ ما يمكّنه من تشكيل حكومة مما يسمى المعسكر القومي (اليمين والمتدينين)، في حين لا يبدو أن ثمّة تهديدًا جديًا لزعامة نتنياهو داخل حزب الليكود نفسه.