عانت مختلف أحياء القاهرة في مصر يومياً طوال فصل الشتاء من الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي، ومع اقتراب الصيف بحرارته وبوادر تفاقم أزمة الطاقة في مصر، يتوجب على الرئيس الجديد، الذي سيتم انتخابه هذا الشهر، مواجهتها. وعلى الرغم من أن مصر بلد يصدر الغاز الطبيعي إلا أنها زادت من استيرادها للمحروقات البديلة، بما في ذلك المازوت الأكثر تكلفة، والذي يلوث البيئة بصورة أكبر، لتعويض النقص في الغاز الطبيعي وتشغيل محطات توليد الطاقة، حسب تقرير نشرته واشنطن بوست أمس.
وفي الأسبوع الماضي اتخذ مجلس الوزراء المصري خطوة أثارت كثيراً من الجدل الشعبي وهي رفع أسعار الغاز الطبيعي للاستخدام المنزلي الى أربعة أضعاف في بعض الأحيان لتعويض دعم الطاقة الذي تدفعه الحكومة ولخفض الاستهلاك.
استيراد الفحم
وأشار التقرير إلى أن الحكومة وافقت في شهر أبريل/نيسان الماضي على استيراد الفحم للمرة الأولى، لدعم صناعة الاسمنت التي تعاني من نقص الطاقة، ما أدى الى احتجاج وزارة البيئة.
ولمدة أشهر وبشكل يومي شهدت أحياء القاهرة انقطاعاً للتيار الكهربائي لمدة ساعة أو ساعتين، ما أسفر عن ظلام تام في الشوارع وإجبار المحلات علي الاغلاق، ما جعل بيع مصابيح الطوارئ أمراً شائعاً في شوارع القاهرة بواسطة الباعة المتجولين.
وقال محمد أحمد، مالك مغسلة ملابس في حي الدقي الخاص بالطبقة المتوسطة في القاهرة: إن الانقطاع اليومي للتيار الكهربائي خلال العام الماضي أضر بعمله وأدى الى خسائر فادحة له. وأضاف: في بعض الأحيان عندما ينقطع التيار الكهربائي، لا يمكننا أن نفتح باب ماكينة الغسيل فتخرب المواد الكيميائية الملابس".
وعلى الرغم من أنه بدأ منذ الأسبوع الماضي زيادة استيراد المازوت، ما أدى الى تقليل انقطاع التيار الكهربائي، لكن أحمد، مثل الآخرين لا يشعر بأي تفاؤل في بشأن هذا الصيف، فعلق قائلاً: إننا سوف نحاول الانتهاء من عملنا في وقت مبكر قبل أن تنقطع الكهرباء.
هروب الشركات الأجنبية
وأوضحت "واشنطن بوست"، أن أزمة انقطاع الكهرباء هو تراكم عوامل عدة عبر سنوات طويلة، والتي أدت الى تدهور الأمور بشكل هائل منذ ثورة يناير/كانون الثاني، التي أطاحت الطاغية حسني مبارك، عام 2011.
وحقول الغاز الرئيسية في مصر التي يزيد عمرها عن 10 أعوام، بدأت في النضوب والحقول الجديدة لن تبدأ في الانتاج قبل سنوات عدة، فشركات النفط والغاز، والتي تستخرج الغاز الطبيعي من خلال شراكاتها مع وزارة الطاقة، امتنعت من ضخ استثمارات جديدة منذ ثلاث سنوات نتيجة عدم الاستقرار، ومما زاد من الوضع سوءاً هو أن الحكومة أصبحت مدينة لشركات النفط والغاز الدولية بما لا يقل عن 4.5 مليار دولار.
فإنتاج الغاز الطبيعي في مصر، كما تقول "واشنطن بوست"، يعاني من التراجع منذ سنوات، وانخفض في يناير/كانون الثاني الماضي بمقدار 10 في المئة عن إنتاج يناير/كانون الثاني 2013 وفقاً لأحدث الأرقام الصادرة عن الحكومة، بينما يزيد استهلاك الكهرباء تقريباً بمقدار 7 في المئة سنوياً نتيجة للاستهلاك من قبل الصناعات الثقيلة والنمو السكاني المطرد وزيادة استخدام التكنولوجيا.
وفي الوقت نفسه تعاني الحكومة من دعم الطاقة الذي خصصت له العام الماضي مقدار الخمس من ميزانيتها ليظل موضوع إصلاح نظام الدعم مسألة صعبة تحتاج الى حلها في المستقبل القريب، حيث أن الملايين من أفراد الشعب يعتمدون في معيشتهم على الأسعار المخفضة للطاقة، حيث أن تغيير النظام سوف يؤدي الى تفجر الوضع
السيسي والأزمة
وقالت "واشنطن بوست": المرشح للرئاسة ووزير الدفاع السابق، عبد الفتاح السيسي، والذي يعتبر عملياً الفائز في الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في أواخر مايو/أيار، أشار إلى أنه يعتزم إجراء إصلاحات في خضم موجة الحماس التي اجتاحت وسائل الإعلام بعد إطاحة الرئيس المنتخب، محمد مرسى، في يوليو/تموز الماضي.
ولكن يظل السؤال مطروحاً. هل إن صورته كبطل للأمة ستترجم إلى نفوذ سياسي للحد من الإعانات؟
هذا الامر الذي علق عليه مجدي نصر الله، رئيس قسم البترول وهندسة الطاقة في الجامعة الأميركية في القاهرة قائلاً "هذا الأمر يحتاج إلى قرارات جريئة ولا تحظى بشعبية، فعلى السيسي، والحكومة مواجهة مهمة الابقاء على انقطاع التيار الكهربائي في أدنى مستوياته، حيث أنه في الصيف الماضي ساهم الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي لساعات طويلة فى حدوث احتجاجات واسعة النطاق ضد مرسي، وحكومته".
الدعم الخليجي
وأوضحت "واشنطن بوست" أنه في ظل ولاية مرسي، حصلت الحكومة على دعم من قطر عملاق الغاز الخليجي، والتي تعد حليفاً مقرباً من جماعة الإخوان المسلمين، فقدمت الغاز الطبيعي المسيّل إلى مصر، ولكن بعد إطاحة مرسي، أوقفت قطر شحنات الغاز، فحل محلها المملكة العربية السعودية، والكويت والإمارات العربية المتحدة.
وضخت الدول الثلاث أكثر من 12 مليار دولار لمساعدة الاقتصاد، فضلاً عن المعونات من المنتجات النفطية، وحالياً تسعى الحكومة الى سد فجوة استيراد المازوت المكلف، والديزل كوقود احتياطي من أجل تشغيل محطات توليد الطاقة التي عادة ما تعمل بالغاز الطبيعي، فالحكومة تحاول إعادة تأمين محطة الغاز العائمة للسماح باستيراد الغاز الطبيعي المسيّل بالحديث والمفترض تشغيلها في أغسطس/آب.
وقت طويل
لكن المطلعين على الأمور يقولون، إنه من المستبعد جداً حدوث ذلك، فالحلول الحقيقية والفعالة سيستغرق تنفيذها وقتاً أطول، فأحد حقول الغاز الواعدة شمال الإسكندرية والمتوقع تشغيله قريباً ليزيد الإنتاج بنسبة 18 في المائة، ولكن الآن لن يعمل الحقل قبل أربع أو خمس سنوات وفقاً لتصريحات وزير البترول شريف إسماعيل.
وحسب "واشنطن بوست" علق خالد أبو بكر، "من طاقة عربية" وهي شركة قطاع خاص لتوزيع الطاقة قائلاً: على الأقل فإن المسؤولين الآن يعترفون بخطورة الوضع بدلاً من محاولة التستر عليه، كما كانوا يفعلون في الماضي، فالناس يجب أن تعرف الحقيقة فلا يمكن علاج المريض إذا كان لا يعرف ما هو مرضه.