في محطة الزبيري لتعبئة الغاز للسيارات في العاصمة اليمنية صنعاء، طابور طويل لأنابيب الغاز يمتد لأكثر من 200 متر، يتم ربط الأنابيب بسلاسل حديدية، ومقابل المحطة محلات تجارية مغلقة استغلها المنتظرون للنوم واللعب وتخزين القات والمبيت والانتظار حتى وصول الغاز.
وصباح السبت الماضي، كان محمد المطري يلتف ببطانية، وقال لـ"العربي الجديد": "ننتظر وصول الغاز منذ الجمعة الماضية، أنام أمام المحل، وهناك آخرون يسهرون لحراسة طابور الأنابيب، وفي الصباح يذهبون للنوم، لا سبيل غير الانتظار، فالغاز منعدم، ورمضان على الأبواب".
وبعد ثلاثة أيام مررت على محطة الغاز في المساء وكان المطري في مكانه لا يزال منتظراً ويمضغ أوراق القات، آخرون يلعبون (الكيرم)، وبعضهم يلعبون (الضومنة) على ضوء مصابيح يدوية تعمل بالبطاريات، فيما الظلام يلف المكان.
وصلت قاطرة الغاز بعد 16 يوماً، وقبل أن تفرغ حمولتها كان المكان قد امتلأ بالناس.
ولاحقاً أصاب الإحباط الواقفين في الطابور حين أخبرهم مالك المحطة بأن سعر أنبوبة الغاز
3600 ريال (17 دولاراً)، فيما سعرها الرسمي 1200 ريال.
وتشهد المدن اليمنية أزمة حادة في غاز الطهي المنزلي، منذ سيطرة الحوثيين على العاصمة اليمنية في سبتمبر/أيلول 2014، وبلغت الأزمة ذروتها منذ بدء عملية "عاصفة الحزم" نهاية مارس/آذار الماضي، واندلاع الحروب الداخلية بين الحوثيين والمقاومة الشعبية في محافظات وسط وشرق وجنوب البلاد.
ودفعت أزمة الوقود السكان نحو تحويل المولدات والسيارات للعمل بالغاز المنزلي بدلاً عن البنزين، ما أدى إلى زيادة الطلب على غاز الطهي، ومن ثم شحه في الأسواق المحلية.
وقالت مصادر حكومية إن الطلب على الغاز ارتفع من 60 ألف أسطوانة إلى 120 ألف أسطوانة في اليوم بالعاصمة صنعاء.
وارتفع سعر أسطوانة الغاز في السوق السوداء إلى 8 آلاف ريال (40 دولاراً). وقال المواطن خالد الحرازي لـ"العربي الجديد": "الغاز متوفر، لكن في السوق السوداء وبأسعار مرتفعة جداً، فالأنبوبة تباع بـ8000 ريال، وهذا يعتبر مبلغاً كبيراً يفوق إمكانياتنا في ظل الحرب وتوقف الأعمال".
وتفاقمت الأزمة إلى حد انعدام غاز الطهي في مدينة عدن (جنوب البلاد) وتعز (وسط)، رغم أن مادة الغاز المنزلي تنتج محلياً عبر شركة صافر النفطية الحكومية، ويعتبر اليمن من الدول المصدرة للغاز الطبيعي، من خلال مشروع الغاز المسال في بلحاف بمحافظة شبوة.
اقرأ أيضاً: "عاصفة الحزم" تُفاقم الأزمات المعيشية في اليمن
وأدت أزمة الغاز إلى إغلاق عشرات المطاعم والكافتيريات في العاصمة صنعاء وفي مدينتي تعز وعدن. وقال محمد أحمد، مالك مطعم العلمين في صنعاء، لـ"العربي الجديد": "أغلقت المطعم بسبب انعدام الغاز، كان يعمل في المطعم 20 عاملاً، كل واحد يعيل أسرة تتكون من خمسة إلى ثمانية أفراد، ونتج عن توقف العمل تسريح العمال".
وكشف تقرير اقتصادي حديث، أن عدم توافر الغاز المنزلي في البلاد دفع العديد من المواطنين
للجوء إلى مخلفات الحيوانات أو استخراج الغاز بطرق بدائية من خلال مادة الفحم كمادة بديلة.
وذكر التقرير، الصادر من مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، أن كميات الغاز المنزلي التي يتم السماح لها بالدخول للسوق اليمنية لم يكن لها التأثير الحقيقي على حياة الأفراد، نتيجة اتساع رقعة السوق السوداء التي ارتفعت فيها أسعار أسطوانة الغاز 400%.
وأنعشت أزمة الغاز تجارة السوق السوداء في اليمن، وقال محللون لـ"العربي الجديد" إن أزمة الغاز خلقت تجارة رابحة لأصحاب محطات بيع الغاز، حيث تصل إلى صنعاء يوميا 7 قاطرات من الغاز يتنافس عليها التجار، ويفوز بها من يدفع أكثر، ويقوم أصحاب المحطات ببيع الكميات لأصحاب المطاعم الكبيرة الذين يدفعون ضعف السعر الرسمي أربع مرات.
ويوضح المحللون أن بيع قاطرة واحدة حمولتها 45 ألف لتر تعني بسعر السوق السوداء الحصول على أرباح تصل إلى 9 ملايين ريال يومياً من بيع 2500 أنبوبة.
وقالت مصادر محلية ومنظمات مدنية إن جماعة الحوثي ساعدت في انتعاش تجارة السوق السوداء من خلال توزيع مادة الغاز، عبر "عقال الحارات"، للمقربين منهم والموالين لهم فقط.
وأكد مركز الخليج واليمن للإعلام أن الحوثيين يستغلون أمناء المناطق وعقال الحارات لتوزيع
الغاز على مواليهم في الحارات والشوارع، موضحاً حصوله على أدلة تثبت تورط أعضاء من جماعة الحوثيين في السوق السوداء.
ويدعي الحوثيون أن القبائل في مأرب (شرق اليمن) تمنع وصول قاطرات الغاز إلى صنعاء. لكن محافظ مأرب، سلطان العرادة، أشار إلى أن الحروب التي تفتعلها جماعة الحوثيين في المحافظات، تهدف إلى إعاقة وصول الإمدادات للمواطنين، من ضمنها النفط والغاز المنزلي.
وقال المحافظ، نهاية مايو/أيار إن 102 قاطرة تحركت من محافظة مأرب، وبالتحديد من
منشأة الغاز الطبيعي في صافر، تجاه عدد من المحافظات، وهي تحمل الغاز المنزلي.
وأوضح أن تلك الكمية كافية لسد احتياج المحافظات من الغاز، إلا أن الحوثيين يعيقون وصولها بسبب أعمالهم العسكرية والحواجز التي يقيمونها لمنع وصول المشتقات النفطية والغاز إلى المواطنين في العاصمة صنعاء، وباقي محافظات الجمهورية.
وحددت الحكومة اليمنية سعر أسطوانة الغاز (26 كيلوغراماً) بنحو 1200 ريال (5.5 دولارات). ويستهلك اليمن 5 ملايين و590 ألف أسطوانة غاز في الشهر. ويقول خبراء إن أحد أهم أسباب أزمة الغاز عدم وجود خزانات احتياطية في المدن الرئيسية.
وأعلنت محطة تعبئة الغاز المنزلي التابعة للشركة اليمنية للغاز رفعها عدد مبيعات أسطوانات الغاز إلى مليون أسطوانة وتخزين احتياطي 40 ألف أسطوانة.
اقرأ أيضاً:
شح الوقود يشعل أجور النقل في اليمن
الحرب تجبر اليمنيين على وسائل نقل بديلة
موظفو اليمن لا يجدون رواتبهم