تشهد مدن جنوب العراق منذ أكثر من عشرة أيام، حالة غضب واستياء شديدين جراء انخفاض منسوب المياه في نهري دجلة والفرات، أدى إلى تردي خدمة التيار الكهربائي، ذلك أن محطات التوليد الحرارية لا تزال بدائية في الجنوب، تعتمد على تدوير المياه فيها بالدرجة الأولى، والجهات الحكومية لا تقدم أي حلول لتطويق الأزمة، ما فجر غضباً شعبياً تحول إلى تظاهرات ليلية في ظل تلويح بالتصعيد.
وتظاهر العراقيون في البصرة وذي قار وواسط والمثنى وكربلاء والنجف، وفي مناطق شرق العاصمة بغداد، احتجاجاً على عدم استقرار تيار الكهرباء، وزيادة ساعات انقطاعه في ظل ارتفاع درجات الحرارة. واعتقلت قوات الأمن العراقية عدداً من المتظاهرين في مدينة كربلاء، ما أدى إلى تفاقم الاستياء.
وقال المسؤول المحلي في مدينة النجف، أرشد الموسوي، إن "الأزمة أصبحت كبيرة، ولم يعد بيد الحكومات المحلية الحل لمعالجتها، فهي أكبر من صلاحياتنا وميزانيتنا المادية، والحل يقع على عاتق الحكومة الاتحادية. لا يمكننا معالجة أزمة انخفاض منسوب المياه في الفرات، لكن الناس وتحديداً المتظاهرين يلوموننا، ونحن لسنا المسؤولين عن إخفاقات وزارة الموارد المائية".
وأضاف لـ"العربي الجديد"، أن "المتظاهرين الذين يخرجون يومياً بعد الإفطار في ساحة ثورة العشرين وسط النجف، يطالبون منذ أيام بحل لمشكلاتهم، لكن الحكومة حتى الآن لم تلتفت لهم، يرفعون لافتات كتبوا عليها (انقطاع التيار الكهربائي دليل على فسادكم) و(أين ضاعت أموال الكهرباء)".
من جهته، قال المهندس في مديرية ماء مدينة المثنى (جنوب العراق) عايد الغزي، لـ"العربي الجديد"، إن "المحافظة تمر بأزمة مائية غير مسبوقة خلال السنوات الماضية"، مبيناً أن "هذه الأزمة تهدد الأهوار المدرجة على لائحة التراث العالمي بالجفاف".
بدوره، أكد عضو المجلس المحلي في مدينة ذي قار حسن الوائلي، انعدام المياه الصالحة للشرب في المدينة، وقال لـ"العربي الجديد"، إنّ "الأزمة المائية ألقت بظلالها على كل العراق بشكل عام وذي قار بشكل خاص، لأن مدينتنا تعتمد على مغذيات نهر الفرات"، مشيراً إلى أن "التهديد المقبل للمحافظة بعد أزمة الفرات والكهرباء، هو انعدام توفر المياه الصالحة للشرب، وهذه كارثة قد تؤدي إلى هجرة ملايين المواطنين".
إلى ذلك، حذرت وزارة الزراعة العراقية، وزارة الموارد المائية من شحّ المياه المتوقع بصورة شاملة خلال موسم الصيف المقبل، بسبب ملء سد أليسو التركي، مضيفة أن الوزارة أوصت خلال الاجتماع المنعقد بحضور الجهات ذات العلاقة، بالشروع الفوري والمباشر بإزالة كافة التجاوزات على الحصص المائية، سواء كانت للأغراض الزراعية أم الاستخدامات الأخرى، المنزلية، الصناعية، الخدمية وغيرها، ومحاسبة المتسببين بالتجاوزات، فضلاً عن إلزام الوزارة بإعداد خطة لتوزيع الإيرادات المائية على المحافظات، بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة، بحسب الكثافة السكانية ونشاط كل محافظة.
وأكدت وزارة الزراعة العراقية في بيان رسمي، مطالبتها بمنع إصدار الموافقات من قبل وزارة الموارد المائية، لإنشاء بحيرات أسماك ترابية جديدة، وإعادة النظر بالإجازات الممنوحة لبحيرات الأسماك القديمة، وتقنين الاستخدام المنزلي للمياه، باعتماد تقنية التحسس الضوئي للمياه، أو الحنفيات الذكية.
وزير المائية العراقي حسن الجنابي علق على الأزمة، قائلاً، إن "مشكلة انخفاض مياه نهر الفرات النازل إلى جنوب البلاد، وكذلك فروعه التي تغذي الجداول الإروائية، فضلاً عن جداول نهر دجلة التي تغذي عدد من مدن الجنوب، وحالة النقص بمناسيب مياهه، أمر حدث بالفعل، ومن الطبيعي أن يشهد نقصاً في المياه، لأن ما يصل إلى مناطق الشمال هو أوفر من الجنوب"، مبيناً أن "الوزارة تعمل بجهد من أجل معالجة هذه المشكلة، التي أفرزت عن مشاكل أخرى، أبرزها التيار الكهرباء الذي يعتمد محطات التوليد المائية، وبالتالي أصبحت المشكلة مزدوجة".
وأضاف لـ "العربي الجديد"، أن الوزارة "تعمل على خطة تتضمن مجموعة إجراءات منها ما يُعرف بتقييد الزراعة، وهو تقليلها في المناطق التي تنخفض فيها مناسيب المياه. نعمل بكل قوتنا لتصل المياه إلى محافظات الجنوب".
وكانت الوزارة أصدرت كتاباً رسمياً منعت فيه زراعة عدد من المحاصيل الزراعية في البلاد، بينها الأرز، الذي يحتاج إلى مياه كثيرة.
من جهته، أكد رئيس جمعية "الجالية العراقية في العراق"، وعد شمسي الغانمي، لـ"العربي الجديد" أن "شباب كربلاء سيتظاهرون خلال الأيام المقبلة، للمطالبة بحل مشكلة المياه العالقة منذ سنوات"، متسائلاً "أيعقل أن بلداً فيه دجلة والفرات، يعاني من العطش؟". وأضاف أن "الشعب العراقي وصل لدرجة الملل، ففي التظاهرات المقبلة، قد نقتحم مبنى مجلس المحافظة، والدوائر المختصة بمسائل الري والمياه، ليكون رداً عنيفاً، وإن لم يعالجوا الأمر قبيل عيد الفطر، سنضطر إلى اللجوء إلى القضاء وتقديم شكوى قانونية ضد وزارة الخارجية العراقية والموارد المائية".
ولفت إلى أن "التظاهرات ستكون أيضاً في البصرة، لأنها الأكثر ضرراً من كل الأزمة، فسكان البصرة ما زالوا يشترون مياه الشرب، لأن المياه مالحة وغير صالحة للاستخدام البشري، وعلى مر السنوات الماضية لم تتمكن الحكومات من معالجة المشكلة، ولهذا نحذر الحكومة من انتفاضة مدن الجنوب، لأنها إذا انتفضت فسيثور كل العراق".