يبدو منسوب التوتر الدبلوماسي بين مصر وإثيوبيا مرشحاً للارتفاع، مع توجيه وزارة الخارجية المصرية رسالة إلى نظيرتها الإثيوبية لمطالبتها بتغيير سفيرها في القاهرة، محمود درير، على خلفية تصريحات أدلى بها أخيراً خلال لقاء تلفزيوني مع فضائية مصرية ووصفت بالاستفزازية، بحسب مصادر دبلوماسية رسمية. وهذه ليست المرة الأولى التي يطلق فيها درير تصريحات مستفزة للرأي العام المصري بشأن أزمة سد النهضة بين البلدين، كما تؤكد المصادر، موضحة أنه سبق أن تم طرده على الهواء خلال لقائه بإحدى الإعلاميات المصريات بقناة فضائية عقب إدلائه بكلام غير مقبول مصرياً، حول أزمة السد.
وكان درير قال خلال لقاء له مع فضائية "النهار" الخاصة والمقربة من الاستخبارات المصرية "إن إثيوبيا تتعاون مع أي أحد يمكن له تحقيق أهدافها، سواء إسرائيل أو غيرها"، متابعاً أن (المؤرخ الإغريقي) هيرودوت، مخطئ في مقولته "مصر هبة النيل" لأن مصر هبة شعبها، ولا يجب أن تختزل العلاقة بين إثيوبيا ومصر في مياه النيل، على حد تعبيره. وأكد، خلال حواره، أن بناء سد النهضة ليس محل نقاش، قائلاً: "لا نناقش مع مصر أو أي دولة بناء السد أو عدم بنائه"، مشدداً على أن إيقاف بناء السد مرفوض وغير مطروح للنقاش، بل وإن إثيوبيا ستعمل على بناء سد آخر، واصفاً إياه بالمشروع القومي للإثيوبيين.
وعلى صعيد الأزمة نفسها، توضح المصادر أن وساطة حصلت أخيراً، لكن إثيوبيا رفضت فتح الحديث بشأن الإدارة المشتركة في تشغيل السد بعد الانتهاء من إنشائه كنوع من الطمأنة للمخاوف المصرية، مؤكدة أن أديس أبابا لديها الكفاءات اللازمة لإدارة وتشغيل السد بالشكل الأمثل. في هذا السياق، يؤكد مصدر مسؤول بوزارة الري والموارد المائية في مصر، أن تصريحات وزير المياه والكهرباء الإثيوبي، موتوما ميكاسا، بأن بلاده لن توقف بناء سد النهضة، دليل على أن السد أصبح أمراً واقعاً لمصر وشعبها ولا يمكن تغييره، ويجب التعامل معه، وأن هذا الملف في طريقه للتصعيد، مشيراً إلى أن تصريحات ميكاسا لصحيفة "المصري"، أول من أمس الأربعاء، تؤكد أن مصر أصبحت في واقع مرير بالنسبة للمياه، وأن سد النهضة سوف يحجب المياه عن مصر عاجلاً أم آجلاً.
وينتقد المصدر ضعف الدولة في التحرك إزاء تصريحات مسؤولين إثيوبيين، لا سيما أنه تم تكرارها للمرة الثانية من قبل شخصية دبلوماسية، بشأن اكتمال بناء سدّ النهضة، واصفاً إياها بالخطيرة. ويضيف أن أديس أبابا ماضية في بناء السد دون أي اعتبار للأضرار الخطيرة على حصة مصر من المياه، لافتاً إلى أن الزيارات التي قام وزير الري المصري، الدكتور محمد عبد العاطي، لعدد من دول حوض النيل، خلال شهر يوليو/ تموز الجاري، للحصول على دعم تلك الدول بعدم إضرار مصر من "سد النهضة" والتدخل لدى إثيوبيا، يعد إهداراً للمال العام، وضياعاً للوقت. ويوضح المصدر أن التاريخ والأجيال المقبلة لن ترحم كل المسؤولين عن هذا الملف، الذين أساؤوا تقدير الموقف وعدم التعامل بحزم مع هذا الملف، ما أضاع حقوق مصر التاريخية في نهر النيل، مشيراً إلى أنه في حال استكمال بناء سد النهضة، فذلك سيقلل حصة مصر من المياه، وسيهدد أمنها المائي.
ويشدّد المصدر على أن إثيوبيا نجحت بامتياز في إعطاء مصر مسكنات لحين الانتهاء من بناء السد العام المقبل، لا سيما أنه أصبح جاهزاً بنسبة 80 بالمائة للتشغيل، ليتم بعدها البدء بتخزين المياه أمام السد. وأشار إلى أن تصريحات صدرت سابقاً تفيد بأن لقاءً سوف يجمع رئيس وزراء إثيوبيا، هيلا ماريام ديسالين، مع رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي، وهو الاجتماع السادس إذا عقد فعلاً، لكن لن يكون له أي مردود، وربما لن يتم، بحسب المصدر المصري.
ويلفت علام إلى أن "تأثر مصر سلبياً من سد النهضة سيكون أكبر من تأثر السودان، لأن الماء سيمر على السودان في البداية، لذلك ستحصل على حصتها من المياه كاملة وتخزنها في سدودها الموجودة، قبل وصولها لمصر، أي من سيعاني من نقص المياه والجفاف هي مصر، مضيفاً أن أديس أبابا نجحت في أن تمارس تكتيكات كسب الوقت ليصبح السد أمراً واقعاً ولا يكون أمام مصر سوى التسليم بالأمر الواقع.
يذكر أنه في 27 مايو/ أيار الماضي، صدر أول تصريح لوزير الإعلام والاتصالات الإثيوبي والمتحدث الرسمي باسم الحكومة، جيتاشو رضا، لصحيفة "الشرق الأوسط"، الذي أكد اقتراب إثيوبيا من إكمال 70 في المئة من بناء "سد النهضة"، مشيراً إلى أن الأعمال الكاملة للسد قد تنتهي في أي وقت، وهي التصريحات التي أثارت ردود أفعال غاضبة لدى الشعب المصري، الأمر الذي دفع وزارة الخارجية المصرية إلى استخراج بيان زعمت فيه أن الحكومة الإثيوبية كذبت تصريحات المتحدث باسمها.