أزمة كورونا... والوجه الجديد للتعليم
في ظل الأزمة الصحية الراهنة التي يسببها فيروس كورونا، تم تعليق التعليم في كافة المدارس في الولايات المتحدة. وأصبح الطلاب يفيقون إلى دروسهم كل صباح في منازلهم ومن شاشة كومبيوتراتهم أو أجهزتهم اللوحية (iPad).
ويبتدع الأساتذة عادة وسائل لإيصال الفكرة بطريقة مسلية، أما اليوم، فتتضاعف جهودهم لاجتلاب انتباه التلميذ الذي يتلقى دروسه بكل راحة من سريره، مما يجعل الحفاظ على تركيز الطالب أكثر مشقة على المدرس.
لا يزال النقاش جديداً حول التغيير الجذري الذي فرضه فيروس كورونا على التعليم بشكل عام، وعلى تقنيات التعليم المدرسي بشكل خاص. والطلاب ليسوا وحدهم في هذه المعادلة، فالأهل والمدرسون مضطرون للتكيف بسرعة مع هذا الوضع الجديد بحسناته وسيئاته.
في مقابلة إذاعية قدمها برنامج (تيد) الحواري Ted Radio Hour يقول ريتشارد كولاتا، وهو مطور للمناهج الدراسية في العاصمة واشنطن، إن التعليم عملية اجتماعية في الأساس. وإن لوجود الطالب في الصف مع رفاقه ولنقاشه معهم ومشاركتهم النشاطات ضمن مجموعات دورا في تعزيز ما يتلقاه.
ويضيف أن التعليم الإلكتروني جديد بالنسبة للأساتذة والطلاب على حد سواء. فوظائف الطلاب هنا ليست اعتيادية،. حيث كان الطالب يقوم بحل الواجب المنزلي وينتهي الأمر عند ذلك. أما اليوم فبإمكان المدرس أو المدرسة استخدام التعليم الإلكتروني لطلب واجبات أكثر تميزاً، ولتشجيع الجيل اليافع على إنجاز مشاريع أكثر تحدياً وإفادة.
مثلاً بإمكان المدرسة أن تطلب من تلاميذها أن يقوموا ببحث عن قضية تشغل مجتمعاتهم الصغيرة كحيهم حيث يعيشون. أو مثلاً بإمكان المدرسة أن تطلب منهم (طبعا في ظل الحجر الذي يفرضه الفيروس حالياً) أن يقوموا بجمع معلومات عن المواضيع المطلوبة من خلال مقابلات يجرونها عبر تطبيقات التواصل (مثل زووم وسكايب) مع زملائهم أو مع خبراء في الموضوع المدروس، ما يدفع الطالب للقيام ببحث معمق، مستغلاً الوقت والإمكانيات التي تتيحها التكنولوجيا والإنترنت في يومنا الحالي.
وهنا يدرك الباحث في النظام التعليمي الجديد أن الهوية الإلكترونية للتلاميذ موجودة وجودهم في عالمين، العالم الرقمي والعالم الحقيقي. ولعل في أدائهم لوظائف متطورة وجديدة ما يعلمهم الاستخدام المسؤول للتكنولوجيا وتطبيقهم فعلا لمبدأ المواطنة الإلكترونية الجيدة.
لكن، ماذا تعني المواطنة الإلكترونية؟
مصطلح المواطنة الإلكترونية: Digital citizenship يعرف بحسب موقع digitalcitizenship.net أنه الطريقة لإعداد الطلاب/ أو مستخدمي التقنيات الحديثة، لمجتمع يقوم على التكنولوجيا.
والمواطنة الإلكترونية تتطلب العمل بشكل متواصل على تطوير عادات إلكترونية جيدة تحث مستخدميها على الاستخدام الفعال لتقنيات وسائل الاتصال؛ حيث إن بعض التلاميذ، وأحياناً البالغين، قد يسيئون استخدام التكنولوجيا، والمشكلة لا تكمن في جهلهم آلية العمل وإنما بمعرفتهم بماهية ما يعتبر مناسبا للاستخدام. مثلاً النسخ من الإنترنت دون إسناد المراجع، اختراق الحسابات الإلكترونية، أو التنمر الإلكتروني، وغيرها، هي أمثلة عن المواطنة الإلكترونية السيئة.
يضاف لذلك أن إدراك الهوية الإلكترونية مفيد لتوجيه الطلاب بحيث يتمكنون من التمييز بين المعلومة الموضوعية والمعلومة المتحيزة. ولإدراك ذلك، يكون من واجب الأستاذ أن يطرح على الطلاب 5 خصال تجعل منهم مواطنين إلكترونيين فاعلين، وذلك بكونهم متفاعلين، متزنين، متنبهين، يبحثون عن المعلومة بشمولية، ويحافظون على علمهم بما يحصل في صفهم الافتراضي. وتدفع هذه الصفات بالطالب للتفاعل مع البيئة الإلكترونية بشكل خلاق يدعم تحصيلهم العلمي ويمكنهم من تطوير أنفسهم ومجتمعاتهم.
ماذا لو أصبح هذا النظام هو الوجه الاعتيادي للتعليم؟
هناك تنبؤات بأن أعمالاً كثيرة لن تعود بعد هذا الحجر الصحي إلى ما كانت عليه، ويكاد التعليم أن يكون أحد هذه المجالات التي تأثرت بموجة الحجر والجلوس في المنزل.
نعود إلى الأستاذ ريتشارد كولاتا الذي يقول إن لهؤلاء التلاميذ جميعاً هوية إلكترونية شاؤوا أم أبوا، حيث إنهم بعد انتهاء الحظر سيعودون إلى صفهم المدرسي مدركين أن المدرسة الآن لها شق افتراضي. وأن هؤلاء التلاميذ يعيشون مواطنة مزدوجة بين العالم الحقيقي والافتراضي، ليس فقط في المدرسة ولكن في نواح مختلفة يعيشونها وسيعيشونها في المستقبل. وستغدو المدرسة بيئة جديدة للتفاعل الغني ولن تمسي مكانا يقتصر على تلقي المعلومات فقط.
في ذات الوقت، يسعى الأستاذ كولاتا لإيجاد سبل لتعزيز مهارات طلابه في التواصل وجها لوجه، كفن الإنصات للآخر، ولغة الجسد، والنظر في عين المتحدث.
وهنا أقف لأتساءل، يا ترى ما رأي أهل التلاميذ بهذه التغييرات التي حصلت بين يوم وليلة؟ نور غزال أسود، طالبة دكتوراه مقيمة في مدينة ممفس في ولاية تينيسي، لديها أطفال تتراوح أعمارهم بين 5 سنوات، 3 سنوات، وسنة.
تقول نور إن التدريس من المنزل، أو ما يعرف بـ home schooling كان تحدياً جديداً على كافة المقاييس، حيث اكتشفت نور أنها استثمرت الكثير من الثقة في المدرسة معتمدة عليها بشكل كامل لتعليم أبنائها، كما كانت تعتقد أن الوقت لا يزال مبكرا على ابنها حسان ذي الـ5 سنوات ليتحمل مزيداً من الضغط الدراسي بالبيت لدراسة الرياضيات والقواعد اللغوية في الشهرين المنصرمين.
ولا يعني ذلك أنها لم تتدخل سابقاً بتعليم أبنائها، حيث إنها كانت تستغل وقتها معهم أيام العطلة لتعليمهم اللغة العربية وحل الألغاز وقضاء وقت ممتع في المنزل معاً.
تقول نور إنها قد تعلمت كثيراً من تجربة تعليم أطفالها في المنزل، وما زاد من صعوبة التجربة هو تفاوت مستوياتهم العمرية وفرق استيعاب كل منهم وبالتالي وجب التفرغ التام بل وحتى وضع الأولوية لتعليم كل طفل على حدة ولو لساعة في اليوم. وتجد نور الدعم في صفوف المدرسة الإلكترونية، حيث يجتمع حسان مع مدرسته عن طريق تطبيق زووم، فيقومون بنشاطات كالقراءة بصوت مسموع معاً.
وبالرغم من الشعور بالراحة الذي يقدمه دعم المدرسة الخارجي، فإن هذا الشعور المتزايد بالمسؤولية أصبح يشكل ضغطاً على الأهل، خاصة أن وسائل التواصل الاجتماعي تحث العائلات على استغلال وقت الحجر الصحي للقيام بكل النشاطات المقترحة، كالقيام بالتجارب العلمية في البيت والخبز واللعب في الحديقة و.. و..، مما يرهق الأهل ويشتتهم.
تختم نور الحديث، فتقول إنها تحاول أن تجد نفسها بحيث تستطيع تعليمهم ودفعهم للأمام دون تشتيتهم بكثرة النشاطات.
سؤال آخر يخطر في البال: ترى، ما هي المهارات التقنية التي يحتاجها الأهل ليواكبوا هذا التطور؟
رأي آخر، تطرحه لين هيكل، من ولاية فلوريدا، وهي أم لليث (9 سنوات) تاليا (6 سنوات) ونبيل (4 سنوات). حيث تختلف التقنيات المتبعة للتواصل مع الأساتذة باختلاف المراحل الدراسية، فأصغر الثلاثة لا يزال في المرحلة التحضيرية ويلتقي بمدرسته لمدة ساعة في اليوم تناقش فيها مع الأطفال موضوع الأسبوع عن طريق تطبيق Google classroom.
وتقوم لين بطباعة أوراق عمل ترسلها المدرسة عن طريق البريد الإلكتروني، ليحلها نبيل في المنزل ومن ثم تقوم بتحميلها بعد الحل على تطبيق google classroom.
أما تاليا وليث فيستخدمان تطبيقاً مختلفاً يسمى Canvas وهو تابع لنظام المدرسة الحكومية التي يذهبان إليها. تقول لين إن المدرسة قد زودت كلا من الطفلين بجهاز لابتوب يتصلان من خلاله بالإنترنت ليقوما بالكثير من النشاطات الموكلة إليهما من مدرسيهما من قراءة واختبارات وحل لأوراق عمل عن طريق التطبيق المذكور، ويستغرق كل منهما 3 ساعات في اليوم الواحد لإنجاز الأعمال المطلوبة، وبإمكانهما توزيع هذه الساعات طوال نهارهما أو بإمكانهما تأديتها دفعة واحدة.
برأي لين فإن أطفالها يتعلمون بشكل أفضل في المدرسة، من جهة لأن لين ليست معتادة على تدريس الأطفال بشكل كامل، ومن جهة أخرى لأن المواد الدراسية وأوراق العمل مطبوعة وجاهزة للحل والتسليم، في حين لا يزال الأطفال في هذه الفترة يعتادون تدريجيا على الدراسة وحل الوظائف إلكترونيا (online). كما أن المدرسين قد يحددون اختباراً في آخر الأسبوع، في حين يكون الأطفال قد نسوا ما تعلموه في بداية الأسبوع، وتختم لين فتقول: يظل التعليم عن بعد أفضل من مكوثهم في المنزل دون فائدة.
لا شك أن التكيف مع هذا النظام التعليمي الجديد ليس بالأمر السهل، لكنني أسأل نفسي عن التكيف مع العودة بعد انتهاء أزمة فيروس كورونا، حين سيعود الطلاب إلى المدرسة تاركين خلفهم النظرة التقليدية للصف والواجبات. ولنقس ذلك على الكثير من مجالات العمل، التي أصبح شرط الوجود في مكان ملموس فيها جزءاً من الماضي.
ترى، هل يتجه بنا هذا التأثر نحو الأسوأ؟ أم ربما نحو الأفضل؟ وما الذي تحتاجه أنظمة التعليم العربية لتلحق بركب التعليم الإلكتروني لتلاميذ التعليم ما قبل الجامعي؟
ويبتدع الأساتذة عادة وسائل لإيصال الفكرة بطريقة مسلية، أما اليوم، فتتضاعف جهودهم لاجتلاب انتباه التلميذ الذي يتلقى دروسه بكل راحة من سريره، مما يجعل الحفاظ على تركيز الطالب أكثر مشقة على المدرس.
لا يزال النقاش جديداً حول التغيير الجذري الذي فرضه فيروس كورونا على التعليم بشكل عام، وعلى تقنيات التعليم المدرسي بشكل خاص. والطلاب ليسوا وحدهم في هذه المعادلة، فالأهل والمدرسون مضطرون للتكيف بسرعة مع هذا الوضع الجديد بحسناته وسيئاته.
في مقابلة إذاعية قدمها برنامج (تيد) الحواري Ted Radio Hour يقول ريتشارد كولاتا، وهو مطور للمناهج الدراسية في العاصمة واشنطن، إن التعليم عملية اجتماعية في الأساس. وإن لوجود الطالب في الصف مع رفاقه ولنقاشه معهم ومشاركتهم النشاطات ضمن مجموعات دورا في تعزيز ما يتلقاه.
ويضيف أن التعليم الإلكتروني جديد بالنسبة للأساتذة والطلاب على حد سواء. فوظائف الطلاب هنا ليست اعتيادية،. حيث كان الطالب يقوم بحل الواجب المنزلي وينتهي الأمر عند ذلك. أما اليوم فبإمكان المدرس أو المدرسة استخدام التعليم الإلكتروني لطلب واجبات أكثر تميزاً، ولتشجيع الجيل اليافع على إنجاز مشاريع أكثر تحدياً وإفادة.
مثلاً بإمكان المدرسة أن تطلب من تلاميذها أن يقوموا ببحث عن قضية تشغل مجتمعاتهم الصغيرة كحيهم حيث يعيشون. أو مثلاً بإمكان المدرسة أن تطلب منهم (طبعا في ظل الحجر الذي يفرضه الفيروس حالياً) أن يقوموا بجمع معلومات عن المواضيع المطلوبة من خلال مقابلات يجرونها عبر تطبيقات التواصل (مثل زووم وسكايب) مع زملائهم أو مع خبراء في الموضوع المدروس، ما يدفع الطالب للقيام ببحث معمق، مستغلاً الوقت والإمكانيات التي تتيحها التكنولوجيا والإنترنت في يومنا الحالي.
وهنا يدرك الباحث في النظام التعليمي الجديد أن الهوية الإلكترونية للتلاميذ موجودة وجودهم في عالمين، العالم الرقمي والعالم الحقيقي. ولعل في أدائهم لوظائف متطورة وجديدة ما يعلمهم الاستخدام المسؤول للتكنولوجيا وتطبيقهم فعلا لمبدأ المواطنة الإلكترونية الجيدة.
لكن، ماذا تعني المواطنة الإلكترونية؟
مصطلح المواطنة الإلكترونية: Digital citizenship يعرف بحسب موقع digitalcitizenship.net أنه الطريقة لإعداد الطلاب/ أو مستخدمي التقنيات الحديثة، لمجتمع يقوم على التكنولوجيا.
والمواطنة الإلكترونية تتطلب العمل بشكل متواصل على تطوير عادات إلكترونية جيدة تحث مستخدميها على الاستخدام الفعال لتقنيات وسائل الاتصال؛ حيث إن بعض التلاميذ، وأحياناً البالغين، قد يسيئون استخدام التكنولوجيا، والمشكلة لا تكمن في جهلهم آلية العمل وإنما بمعرفتهم بماهية ما يعتبر مناسبا للاستخدام. مثلاً النسخ من الإنترنت دون إسناد المراجع، اختراق الحسابات الإلكترونية، أو التنمر الإلكتروني، وغيرها، هي أمثلة عن المواطنة الإلكترونية السيئة.
يضاف لذلك أن إدراك الهوية الإلكترونية مفيد لتوجيه الطلاب بحيث يتمكنون من التمييز بين المعلومة الموضوعية والمعلومة المتحيزة. ولإدراك ذلك، يكون من واجب الأستاذ أن يطرح على الطلاب 5 خصال تجعل منهم مواطنين إلكترونيين فاعلين، وذلك بكونهم متفاعلين، متزنين، متنبهين، يبحثون عن المعلومة بشمولية، ويحافظون على علمهم بما يحصل في صفهم الافتراضي. وتدفع هذه الصفات بالطالب للتفاعل مع البيئة الإلكترونية بشكل خلاق يدعم تحصيلهم العلمي ويمكنهم من تطوير أنفسهم ومجتمعاتهم.
ماذا لو أصبح هذا النظام هو الوجه الاعتيادي للتعليم؟
هناك تنبؤات بأن أعمالاً كثيرة لن تعود بعد هذا الحجر الصحي إلى ما كانت عليه، ويكاد التعليم أن يكون أحد هذه المجالات التي تأثرت بموجة الحجر والجلوس في المنزل.
نعود إلى الأستاذ ريتشارد كولاتا الذي يقول إن لهؤلاء التلاميذ جميعاً هوية إلكترونية شاؤوا أم أبوا، حيث إنهم بعد انتهاء الحظر سيعودون إلى صفهم المدرسي مدركين أن المدرسة الآن لها شق افتراضي. وأن هؤلاء التلاميذ يعيشون مواطنة مزدوجة بين العالم الحقيقي والافتراضي، ليس فقط في المدرسة ولكن في نواح مختلفة يعيشونها وسيعيشونها في المستقبل. وستغدو المدرسة بيئة جديدة للتفاعل الغني ولن تمسي مكانا يقتصر على تلقي المعلومات فقط.
في ذات الوقت، يسعى الأستاذ كولاتا لإيجاد سبل لتعزيز مهارات طلابه في التواصل وجها لوجه، كفن الإنصات للآخر، ولغة الجسد، والنظر في عين المتحدث.
وهنا أقف لأتساءل، يا ترى ما رأي أهل التلاميذ بهذه التغييرات التي حصلت بين يوم وليلة؟ نور غزال أسود، طالبة دكتوراه مقيمة في مدينة ممفس في ولاية تينيسي، لديها أطفال تتراوح أعمارهم بين 5 سنوات، 3 سنوات، وسنة.
تقول نور إن التدريس من المنزل، أو ما يعرف بـ home schooling كان تحدياً جديداً على كافة المقاييس، حيث اكتشفت نور أنها استثمرت الكثير من الثقة في المدرسة معتمدة عليها بشكل كامل لتعليم أبنائها، كما كانت تعتقد أن الوقت لا يزال مبكرا على ابنها حسان ذي الـ5 سنوات ليتحمل مزيداً من الضغط الدراسي بالبيت لدراسة الرياضيات والقواعد اللغوية في الشهرين المنصرمين.
ولا يعني ذلك أنها لم تتدخل سابقاً بتعليم أبنائها، حيث إنها كانت تستغل وقتها معهم أيام العطلة لتعليمهم اللغة العربية وحل الألغاز وقضاء وقت ممتع في المنزل معاً.
تقول نور إنها قد تعلمت كثيراً من تجربة تعليم أطفالها في المنزل، وما زاد من صعوبة التجربة هو تفاوت مستوياتهم العمرية وفرق استيعاب كل منهم وبالتالي وجب التفرغ التام بل وحتى وضع الأولوية لتعليم كل طفل على حدة ولو لساعة في اليوم. وتجد نور الدعم في صفوف المدرسة الإلكترونية، حيث يجتمع حسان مع مدرسته عن طريق تطبيق زووم، فيقومون بنشاطات كالقراءة بصوت مسموع معاً.
وبالرغم من الشعور بالراحة الذي يقدمه دعم المدرسة الخارجي، فإن هذا الشعور المتزايد بالمسؤولية أصبح يشكل ضغطاً على الأهل، خاصة أن وسائل التواصل الاجتماعي تحث العائلات على استغلال وقت الحجر الصحي للقيام بكل النشاطات المقترحة، كالقيام بالتجارب العلمية في البيت والخبز واللعب في الحديقة و.. و..، مما يرهق الأهل ويشتتهم.
تختم نور الحديث، فتقول إنها تحاول أن تجد نفسها بحيث تستطيع تعليمهم ودفعهم للأمام دون تشتيتهم بكثرة النشاطات.
سؤال آخر يخطر في البال: ترى، ما هي المهارات التقنية التي يحتاجها الأهل ليواكبوا هذا التطور؟
رأي آخر، تطرحه لين هيكل، من ولاية فلوريدا، وهي أم لليث (9 سنوات) تاليا (6 سنوات) ونبيل (4 سنوات). حيث تختلف التقنيات المتبعة للتواصل مع الأساتذة باختلاف المراحل الدراسية، فأصغر الثلاثة لا يزال في المرحلة التحضيرية ويلتقي بمدرسته لمدة ساعة في اليوم تناقش فيها مع الأطفال موضوع الأسبوع عن طريق تطبيق Google classroom.
وتقوم لين بطباعة أوراق عمل ترسلها المدرسة عن طريق البريد الإلكتروني، ليحلها نبيل في المنزل ومن ثم تقوم بتحميلها بعد الحل على تطبيق google classroom.
أما تاليا وليث فيستخدمان تطبيقاً مختلفاً يسمى Canvas وهو تابع لنظام المدرسة الحكومية التي يذهبان إليها. تقول لين إن المدرسة قد زودت كلا من الطفلين بجهاز لابتوب يتصلان من خلاله بالإنترنت ليقوما بالكثير من النشاطات الموكلة إليهما من مدرسيهما من قراءة واختبارات وحل لأوراق عمل عن طريق التطبيق المذكور، ويستغرق كل منهما 3 ساعات في اليوم الواحد لإنجاز الأعمال المطلوبة، وبإمكانهما توزيع هذه الساعات طوال نهارهما أو بإمكانهما تأديتها دفعة واحدة.
برأي لين فإن أطفالها يتعلمون بشكل أفضل في المدرسة، من جهة لأن لين ليست معتادة على تدريس الأطفال بشكل كامل، ومن جهة أخرى لأن المواد الدراسية وأوراق العمل مطبوعة وجاهزة للحل والتسليم، في حين لا يزال الأطفال في هذه الفترة يعتادون تدريجيا على الدراسة وحل الوظائف إلكترونيا (online). كما أن المدرسين قد يحددون اختباراً في آخر الأسبوع، في حين يكون الأطفال قد نسوا ما تعلموه في بداية الأسبوع، وتختم لين فتقول: يظل التعليم عن بعد أفضل من مكوثهم في المنزل دون فائدة.
لا شك أن التكيف مع هذا النظام التعليمي الجديد ليس بالأمر السهل، لكنني أسأل نفسي عن التكيف مع العودة بعد انتهاء أزمة فيروس كورونا، حين سيعود الطلاب إلى المدرسة تاركين خلفهم النظرة التقليدية للصف والواجبات. ولنقس ذلك على الكثير من مجالات العمل، التي أصبح شرط الوجود في مكان ملموس فيها جزءاً من الماضي.
ترى، هل يتجه بنا هذا التأثر نحو الأسوأ؟ أم ربما نحو الأفضل؟ وما الذي تحتاجه أنظمة التعليم العربية لتلحق بركب التعليم الإلكتروني لتلاميذ التعليم ما قبل الجامعي؟