درست إليزابيث بوكار، البروفيسورة المساعدة في اختصاص الفلسفة والدين في جامعة "نورث إيسترن" الأميركية، أزياء النساء المسلمات حول العالم منذ عام 2004، وتركز بحثها في السنوات العشر الأخيرة على الملابس المحتشمة في ثلاثة بلدان ذات أغلبية مسلمة، وهي إيران وإندونيسيا وتركيا.
أوضحت بوكار أنّ لكل بلد من هذه البلدان الثلاثة، تاريخاً خاصاً في تنسيق ملابس النساء بما يتلاءم مع قواعد اللباس الرسمية، وبشكل يعكس دلالات اجتماعية، سواء كانت سلبية كحاجة المرأة المسلمة إلى "الحماية"، أو إيجابية كالاهتمام بالشرف والصحة الأخلاقية لأمة بأكملها، وفقًا لموقع "ذي أتلانتيك".
استغلت نخبة الذكور هذه الدلالات طيلة الـ100 عام الماضية، في البرامج السياسية التي لم تلعب أي دور في تحسين حياة النساء، إلا أنّ بوكار أكدت أنّ هناك نتيجة غير مقصودة لجعل المرأة المسلمة وملابسها رمزًا مهمًا للأمة، وقالت: "حتى لو كانت الملابس المحتشمة ناتجة عن محاولات السيطرة السياسية على المرأة، إلا أنّها تحولت إلى أداة يمكن للنساء من خلالها ممارسة النفوذ السياسي".
إيران
طلبت السلطات الرسمية والدينية من النساء قانونيًا ارتداء الحجاب والملابس التي توافق الشريعة الإسلامية، بعد فترة قصيرة من الثورة الإسلامية عام 1979. لكن تمتلك الإيرانيات، بحسب بوكار، المرونة الكافية لارتداء الشادور الأسود التقليدي الذي ينسدل على كامل الجسم، أو المعاطف القصيرة مع الحجاب، نظرًا لعدم وجود تعريف واضح للملابس المسموحة في القانون.
وتُظهر الأنماط المتعددة للأزياء النسائية في إيران، أنّ المرأة الإيرانية المعاصرة قد تكون على استعداد للعيش وفق قواعد ليست من صنعها، إلا أنّها تطالب بالحق في تجسيد هذه القواعد بطريقتها، وينظر إلى بعض هذه الأنماط على أنها تعبير عن الولاء للنظام الحالي، ولبعضها الآخر على أنها تخريبية سياسيًا.
تظاهرت العديد من النساء الإيرانيات في أوائل عام 2018، ضد قوانين اللباس في البلاد ضمن ما عرف بحركة "الأربعاء الأبيض"، حيث ارتدت بعضهن حجابًا أبيض، في حين خلعت أخريات الحجاب نهائيًا ولوحن به على عصي للمارة، في حين كانت بعض النساء قبل هذا التاريخ، يتركن القليل من شعورهن خارج الحجاب، أو يرتدين "الشادور العربي"، وهو نوع أقل صرامة من الشادور التقليدي، كتعبير عن القيمة الجمالية غير الرسمية، والوقوف في وجه الحكم الاستبدادي.
بعد الثورة الإسلامية طلب من الإيرانيات ارتداء الحجاب والملابس التي توافق الشريعة (فرانس برس)
كما صارت الملابس الملونة مألوفة بين النساء في إيران، خصوصاً تلك المطرزة باللونين الأحمر والأخضر، اللذين لهما دلالات رمزية في المذهب الشيعي السائد في إيران. ففي الاستفتاء عام 1979، كانت بطاقات الاقتراع لصالح تأسيس الجمهورية الإسلامية خضراء والمناوئة لها حمراء، لذا يعتبر الحجاب المطرز باللونين كسرًا لرمزية اللون الشيعية، وكان هذا غير وارد قبل بضعة عقود.
وغيرت النساء طريقة تطبيق فرض لباس محدد قانونيًا في إيران، فعلى الرغم من صرامة العقوبات، إلا أنّ الانتهاكات مثل طلاء الأظافر وكشف الكاحلين أصبحت أكثر قبولًا، إذ لا يوجد عدد كاف من الشرطة لاعتقال كل امرأة لا تطبق القانون حرفيًا.
صارت الملابس الملونة مألوفة بين النساء في إيران (فرانس برس)
إندونيسيا
تبدو ملابس النساء المسلمات مختلفة تمامًا في إندونيسيا، ويرجع ذلك جزئيًا لتاريخ البلاد، إذ إنّ الإندونيسيات لم يرتدين غطاء الرأس تاريخيًا، لأنّ الشعر والكتفين المكشوفين كانا يشكلان جزءًا من علامات الجمال في هذا البلد، وكان ينظر للملابس المحتشمة على أنها دلالة على الذوق السيئ، ما لا يجعل الشعبية المتزايدة للحجاب عودة للتقاليد، بل فكرًا حديثًا.
وروجت الحكومة خلال الـ100 عام الماضية، للتنانير والملابس الضيقة، في حين ارتفعت شعبية الملابس المحتشمة والجلباب، قبل ثلاثة عقود فقط مع استقالة الرئيس السابق سوهارتو، كتعبير جمالي عن رفض نظام كان يقمع ممارسة العقيدة الإسلامية، خصوصاً بين النساء المتعلمات، اللواتي كن حرات في ارتداء ما يطابق هويتهن الحديثة.
وكان الجلباب الملون المصنوع من أقمشة محلية، هو الأكثر قبولًا لأسباب إيديولوجية، إذ كان بعض الإندونيسيين قلقين من فرض ما اعتبروه "ثقافة عربية قمعية"، على إندونيسيا متعددة الثقافات، من خلال الأنماط الصارمة من تغطية جسد المرأة. ولهذا أيضًا تضمن مفهوم الحشمة تغطية الجسد فقط، وليس طمس شكله الأنثوي كما في إيران، ما منح الإندونيسيات حرية ارتداء الملابس الضيقة أو وضع حزام على الخصر.
الجلباب الملون المصنوع من أقمشة محلية، هو الأكثر قبولًا (لايتروكت)
ولا يعني تنوع أشكال الجلباب في إندونيسيا أنّ كل شيء مقبول، إذ تُنتقد النساء اللواتي يتركن شعرهن يبرز من الحجاب، في الوقت نفسه الذي تُنتقد فيه النساء اللواتي يلبسن جلبابًا غير معاصر، إذ يشار في هذا البلد بشكل مستمر إلى أنّ "الإسلام ليس جامدًا" وإلى أنّ "الله يحب الجمال".
تركيا
إذا كانت الأزياء المحتشمة إلزامية في إيران، وحديثة العهد في إندونيسيا، فإن لديها تاريخاً طويلاً خلال الـ100 عام الماضية من الصرامة المنظمة في تركيا، ويفسر البعض ذلك على أنه تحد للتقاليد العلمانية في البلاد، ولكنّ هذا الأمر يتغير اليوم، إذ صار اختيار ارتداء الحجاب أو عدمه مقبولًا، في الوقت الذي تسمح به الأزياء المحتشمة في هذا البلد بالتعبير عن الهوية الإسلامية بشكل عصري، ما ينتج توازنًا بصريًا واجتماعيًا.
تتضمن الموضة المحتشمة في إسطنبول بعضًا من الجماليات الأوروبية، مثل الأوشحة وأحذية العلامات التجارية الشهيرة، نظرًا إلى قرب المنطقة جغرافيًا من الاتحاد الأوروبي، وتطلعات تركيا للانضمام إليه، وتركز على الانسجام بين الألوان، ما أنتج موضة تمنح النساء المسلمات هوية إسلامية طاغية، وتجنبهن الانتقادات القاسية للنخبة العلمانية في الوقت نفسه.
تعتبر المشاركة في اتجاهات الموضة العالمية أمرًا مرغوبًا (Getty)
ولا يعتبر ارتداء الملابس السوداء التي تغطي الجسد بأكمله مقبولًا في تركيا، حيث تعتبر المشاركة في اتجاهات الموضة العالمية أمرًا مرغوبًا، وحيث يمكن للمرأة أن ترتدي ملابس عصرية من دون أن تبدو مادية أو غير ملتزمة دينيًا.
أوضحت بوكار أنّ لكل بلد من هذه البلدان الثلاثة، تاريخاً خاصاً في تنسيق ملابس النساء بما يتلاءم مع قواعد اللباس الرسمية، وبشكل يعكس دلالات اجتماعية، سواء كانت سلبية كحاجة المرأة المسلمة إلى "الحماية"، أو إيجابية كالاهتمام بالشرف والصحة الأخلاقية لأمة بأكملها، وفقًا لموقع "ذي أتلانتيك".
استغلت نخبة الذكور هذه الدلالات طيلة الـ100 عام الماضية، في البرامج السياسية التي لم تلعب أي دور في تحسين حياة النساء، إلا أنّ بوكار أكدت أنّ هناك نتيجة غير مقصودة لجعل المرأة المسلمة وملابسها رمزًا مهمًا للأمة، وقالت: "حتى لو كانت الملابس المحتشمة ناتجة عن محاولات السيطرة السياسية على المرأة، إلا أنّها تحولت إلى أداة يمكن للنساء من خلالها ممارسة النفوذ السياسي".
إيران
طلبت السلطات الرسمية والدينية من النساء قانونيًا ارتداء الحجاب والملابس التي توافق الشريعة الإسلامية، بعد فترة قصيرة من الثورة الإسلامية عام 1979. لكن تمتلك الإيرانيات، بحسب بوكار، المرونة الكافية لارتداء الشادور الأسود التقليدي الذي ينسدل على كامل الجسم، أو المعاطف القصيرة مع الحجاب، نظرًا لعدم وجود تعريف واضح للملابس المسموحة في القانون.
وتُظهر الأنماط المتعددة للأزياء النسائية في إيران، أنّ المرأة الإيرانية المعاصرة قد تكون على استعداد للعيش وفق قواعد ليست من صنعها، إلا أنّها تطالب بالحق في تجسيد هذه القواعد بطريقتها، وينظر إلى بعض هذه الأنماط على أنها تعبير عن الولاء للنظام الحالي، ولبعضها الآخر على أنها تخريبية سياسيًا.
تظاهرت العديد من النساء الإيرانيات في أوائل عام 2018، ضد قوانين اللباس في البلاد ضمن ما عرف بحركة "الأربعاء الأبيض"، حيث ارتدت بعضهن حجابًا أبيض، في حين خلعت أخريات الحجاب نهائيًا ولوحن به على عصي للمارة، في حين كانت بعض النساء قبل هذا التاريخ، يتركن القليل من شعورهن خارج الحجاب، أو يرتدين "الشادور العربي"، وهو نوع أقل صرامة من الشادور التقليدي، كتعبير عن القيمة الجمالية غير الرسمية، والوقوف في وجه الحكم الاستبدادي.
بعد الثورة الإسلامية طلب من الإيرانيات ارتداء الحجاب والملابس التي توافق الشريعة (فرانس برس)
كما صارت الملابس الملونة مألوفة بين النساء في إيران، خصوصاً تلك المطرزة باللونين الأحمر والأخضر، اللذين لهما دلالات رمزية في المذهب الشيعي السائد في إيران. ففي الاستفتاء عام 1979، كانت بطاقات الاقتراع لصالح تأسيس الجمهورية الإسلامية خضراء والمناوئة لها حمراء، لذا يعتبر الحجاب المطرز باللونين كسرًا لرمزية اللون الشيعية، وكان هذا غير وارد قبل بضعة عقود.
وغيرت النساء طريقة تطبيق فرض لباس محدد قانونيًا في إيران، فعلى الرغم من صرامة العقوبات، إلا أنّ الانتهاكات مثل طلاء الأظافر وكشف الكاحلين أصبحت أكثر قبولًا، إذ لا يوجد عدد كاف من الشرطة لاعتقال كل امرأة لا تطبق القانون حرفيًا.
صارت الملابس الملونة مألوفة بين النساء في إيران (فرانس برس)
إندونيسيا
تبدو ملابس النساء المسلمات مختلفة تمامًا في إندونيسيا، ويرجع ذلك جزئيًا لتاريخ البلاد، إذ إنّ الإندونيسيات لم يرتدين غطاء الرأس تاريخيًا، لأنّ الشعر والكتفين المكشوفين كانا يشكلان جزءًا من علامات الجمال في هذا البلد، وكان ينظر للملابس المحتشمة على أنها دلالة على الذوق السيئ، ما لا يجعل الشعبية المتزايدة للحجاب عودة للتقاليد، بل فكرًا حديثًا.
وروجت الحكومة خلال الـ100 عام الماضية، للتنانير والملابس الضيقة، في حين ارتفعت شعبية الملابس المحتشمة والجلباب، قبل ثلاثة عقود فقط مع استقالة الرئيس السابق سوهارتو، كتعبير جمالي عن رفض نظام كان يقمع ممارسة العقيدة الإسلامية، خصوصاً بين النساء المتعلمات، اللواتي كن حرات في ارتداء ما يطابق هويتهن الحديثة.
وكان الجلباب الملون المصنوع من أقمشة محلية، هو الأكثر قبولًا لأسباب إيديولوجية، إذ كان بعض الإندونيسيين قلقين من فرض ما اعتبروه "ثقافة عربية قمعية"، على إندونيسيا متعددة الثقافات، من خلال الأنماط الصارمة من تغطية جسد المرأة. ولهذا أيضًا تضمن مفهوم الحشمة تغطية الجسد فقط، وليس طمس شكله الأنثوي كما في إيران، ما منح الإندونيسيات حرية ارتداء الملابس الضيقة أو وضع حزام على الخصر.
الجلباب الملون المصنوع من أقمشة محلية، هو الأكثر قبولًا (لايتروكت)
ولا يعني تنوع أشكال الجلباب في إندونيسيا أنّ كل شيء مقبول، إذ تُنتقد النساء اللواتي يتركن شعرهن يبرز من الحجاب، في الوقت نفسه الذي تُنتقد فيه النساء اللواتي يلبسن جلبابًا غير معاصر، إذ يشار في هذا البلد بشكل مستمر إلى أنّ "الإسلام ليس جامدًا" وإلى أنّ "الله يحب الجمال".
تركيا
إذا كانت الأزياء المحتشمة إلزامية في إيران، وحديثة العهد في إندونيسيا، فإن لديها تاريخاً طويلاً خلال الـ100 عام الماضية من الصرامة المنظمة في تركيا، ويفسر البعض ذلك على أنه تحد للتقاليد العلمانية في البلاد، ولكنّ هذا الأمر يتغير اليوم، إذ صار اختيار ارتداء الحجاب أو عدمه مقبولًا، في الوقت الذي تسمح به الأزياء المحتشمة في هذا البلد بالتعبير عن الهوية الإسلامية بشكل عصري، ما ينتج توازنًا بصريًا واجتماعيًا.
تتضمن الموضة المحتشمة في إسطنبول بعضًا من الجماليات الأوروبية، مثل الأوشحة وأحذية العلامات التجارية الشهيرة، نظرًا إلى قرب المنطقة جغرافيًا من الاتحاد الأوروبي، وتطلعات تركيا للانضمام إليه، وتركز على الانسجام بين الألوان، ما أنتج موضة تمنح النساء المسلمات هوية إسلامية طاغية، وتجنبهن الانتقادات القاسية للنخبة العلمانية في الوقت نفسه.
تعتبر المشاركة في اتجاهات الموضة العالمية أمرًا مرغوبًا (Getty)
ولا يعتبر ارتداء الملابس السوداء التي تغطي الجسد بأكمله مقبولًا في تركيا، حيث تعتبر المشاركة في اتجاهات الموضة العالمية أمرًا مرغوبًا، وحيث يمكن للمرأة أن ترتدي ملابس عصرية من دون أن تبدو مادية أو غير ملتزمة دينيًا.