لا يتوقف الحديث في الشارع الأفغاني، منذ أسبوع، عن عملية التفاوض التي انطلقت يوم السبت الماضي في العاصمة القطرية الدوحة، بين الحكومة الأفغانية وحركة "طالبان". الجميع مشغولون بما يدور بين الوفدين، علّه يحمل أخيراً ما يوقف حمّام الدم المستمر منذ نحو عقدين.
ويرى الأستاذ الجامعي الأفغاني، شكر الله مخلص، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "انطلاق المفاوضات الأفغانية شكّل لحظةً تاريخية لطالما انتظرها هذا الشعب المكلوم"، آملاً أن ينتج عنها اتفاق شامل بين جميع الأفرقاء المتصارعين، على غرار اتفاقية السلام التي تمّ التوصل إليها بين واشنطن و"طالبان"، وأبرمت في فبراير/ شباط الماضي. وأعرب مخلص عن "حزن الشعب لاستمرار دوامة الحرب"، داعياً الطرفين اللذين يتحاوران إلى التوصل لوقفٍ شامل لإطلاق النار، أولاً بهدف خلق جو من الثقة بينهما، ما سيؤثر إيجاباً على مجريات الحوار، وثانياً رحمةً بالشعب.
مستقبل النظام وشكل الحكومة أولويتان لحركة "طالبان"
بدوره، يتحدث الأستاذ في جماعة "استقامت" الخاصة، لطف الله وفا، لـ"العربي الجديد"، عن "فرحةٍ غمرت أنحاء أفغانستان مع انطلاق مفاوضات الدوحة"، لافتاً إلى أن "الشعب يتطلع اليوم إلى وقف أعمال عنف التي لا تزال تحصد الأرواح". وذكّر بموافقة "طالبان" على وقف النار مع القوات الأميركية، خلال عملية الحوار التي جرت بينها وبين واشنطن.
وبرزت قضية وقف إطلاق النار كأحد أبرز مطالب الحكومة الأفغانية، وهو ما كان واضحاً في تصريحات رئيس وفدها معصوم ستانكزاي من الدوحة، ومنذ اليوم الأول لانطلاق التفاوض، إذ أكد أن "الحرب والمفاوضات لا تسيران معاً في آن، لذا لا بد أن توافق طالبان على وقف إطلاق النار خلال عملية التفاوض". وكان رئيس المجلس الأعلى الوطني للمصالحة، عبد الله عبد الله، قد ركّز أيضاً في كلمة له خلال الجلسة الافتتاحية للحوار، على ضرورة وقف إطلاق النار لأغراض إنسانية. من جهته، خفّض وزير الخارجية الأفغاني، محمد حنيف أتمر، نوعاً ما، السقف، معتبراً أنه "لا بُد من وقف النار خلال التفاوض، أو خفض وتيرة العنف على الأقل".
في المقابل، ترى حركة "طالبان" أن وقف إطلاق النار يُشكل إحدى القضايا المهمة التي لا بد من مناقشتها خلال المفاوضات، وذلك كما تنصّ عليه اتفاقية الدوحة بين الحركة وواشنطن. وبرأيها ثمة قضايا أخرى لا بد من مناقشتها أولاً، لأنها السبب وراء استمرار دوامة العنف، معتبرة أنه من دون التوافق حولها، لا يمكن إعلان وقف النار، الذي سيكون بلا جدوى.
في هذا الخصوص، قال المتحدث السابق للمكتب السياسي لـ"طالبان" في الدوحة، سهيل شاهين، وهو أحد القياديين في الحركة ويشارك في المفاوضات الأفغانية، "إننا لن نقبل الحديث عن وقف النار قبل التطرق إلى مسائل أخرى، مثل قضية الحكومة ومستقبل النظام في البلاد والأمور المرتبطة بهما". وأشار إلى أن خروج القوات الأميركية من أفغانستان لم تكن القضية الوحيدة التي من أجلها قاتلت "طالبان"، بل إن "تأسيس نظام إسلامي هو من القضايا التي أوصلت إلى الحرب". وأضاف "بالتالي لا يمكن وقف النار قبل التوصل إلى حلّ حول هذه المسألة، وقبل مناقشة كل القضايا التي شُنّت من أجلها الحرب".
وعلى الرغم من وجهة نظر "الحركة" هذه، إلا أن رئيس وفدها الشيخ مولوي عبد الحكيم، والمتحدث باسم مكتبها محمد نعيم، أكدا أن وقف إطلاق النار هو من أهم القضايا التي تعني الشعب الأفغاني، وهي قضية ستكون مدار بحث على طاولة التفاوض مع بدء الحوار المباشر بين الطرفين.
وتعليقاً على ذلك، شدّد المحلل الأمني عبيد الله وزيري على "أهمية وقف إطلاق النار، بالنسبة للقضايا التي سيتم طرحها على طاولة البحث بين الطرفين"، مقرّاً في حديث لـ"العربي الجديد" بـ"وجود تباينات في طبيعة الحال بين موقفي الطرفين". وبرأيه، فإن "طالبان ستقبل وقف النار في وقت لاحق، إذا ما استمرت عملية التفاوض، لكنها تسعى في الوقت الراهن، من خلال استخدام السلاح والتصعيد، إلى تحصيل مكاسب على الطاولة". وأوضح أنه من البديهي لها خسارتها ورقة قوية في يدها، إذا ما وافقت فوراً، ومنذ البداية، على هذا المطلب".
وليست الحكومة الأفغانية من أشارت فقط إلى مطلب وقف النار، مع بدء مفاوضات الدوحة. فقد رُصدت أيضاً مواقف دولية تصب في الخانة ذاتها، إذ أجمعت كلمات لمسؤولين دوليين في الجلسة الافتتاحية للحوار على مطالبتها بوقف النار وخفض وتيرة العنف، مع الدعوة إلى التحلّي بالصبر في هذه المرحلة الحساسة.
وعد زلماي خليل زاد الحكومة بأن توقف طالبان النار لستة أشهر
مصادر في الحكومة الأفغانية، قالت في حديث لـ"العربي الجديد" إن المبعوث الأميركي الخاص للمصالحة الأفغانية، زلماي خليل زاد، كان قد وعد الحكومة بموافقة "طالبان" على وقف إطلاق النار لمدة 6 أشهر مع بدء التفاوض. وأشارت إلى أن هذا الوعد قدم حين تعثرت عملية تبادل الأسر بين كابول والحركة، ما جعل الحكومة توافق على إطلاق جميع سجناء "طالبان"، بما في ذلك أولئك الذين تحفظت بعض الدول على إطلاق سراحهم، كفرنسا وأستراليا. من هنا، تتنظر الحكومة، بحسب المصادر، اليوم، أن تفي واشنطن بوعدها.
وبحسب هذه المصادر، فإن الزيارة الأخيرة للمبعوث الأميركي بعد انطلاق الحوار الأفغاني في الدوحة إلى باكستان جاءت لهذا الهدف، إذ حثّ زلماي خليل زاد إسلام أباد للضغط على "طالبان"، من أجل الموافقة على وقف النار، لكن المصادر نفت علمها بنتائج تلك الزيارة.
بدوره، دعا قائد القوات الأميركية في أفغانستان، الجنرال سكوت ميلر، "طالبان"، خلال زيارته شرق أفغانستان أول من أمس الخميس، إلى خفض وتيرة العنف، مؤكداً أن "الشعب الأفغاني والقوات الدولية يأملان أن تصل الجهود الحالية إلى برّ الأمان، لكن استمرار نزيف الدم محبط للجميع، من هنا لا بد أن تخفض طالبان وتيرة العنف".
ميدانياً، يستمر التصعيد والعمليات التي تنفذها الحركة في مختلف مناطق البلاد. وفي أحدث التطورات، قتل 20 جندياً من الجيش الأفغاني إثر هجمات للحركة أول من أمس، في إقليم ننغرهار شرقي البلاد. من جهتها، قالت وزارة الدفاع إنه خلال تلك الهجمات، والتي استهدفت مراكز أمنية، قتل أيضاً 27 من عناصر الحركة، فيما تحدث الحركة عن عنصر واحد لها، وإصابة اثنين آخرين. ويوم الخميس الماضي، قتل أيضاً قائد الجيش القبلي محمد سلطان، وعددٌ من عناصر الجيش القبلي، في هجوم موسع لـ"طالبان"، في مديرية غيزاب بإقليم أورزجان جنوبي البلاد.