أسرى الثورة .. في مصر

16 فبراير 2015

متظاهر في ميدان التحرير (4يوليو/2014/الأناضول)

+ الخط -

حين نتعامل، كمواطنين، مع سلطات لها صلاحيات بموجب القانون الذي يكون الفيصل بين المواطن والسلطة الحاكمة، إذا جارت بعض هيئات تلك السلطة عليه يلجأ للسلطة المنوط بها العمل على احترام القانون، وهي السلطة القضائية، لتكون حائلاً بينه وبين أي جور قد يقع عليه من السلطة التنفيذية وهيئاتها كافة. وإذا كانت المهمة الرئيسية لتلك السلطة القضائية العمل على احترام القانون، والسهر على تنفيذه، وإعطاء كل ذي حق حقه، فمما لا شك فيه أن قاعدة احترام القانون بالنسبة لتلك السلطات هي من البديهيات التي لا نحتاج إلي التذكير بها، أو لفت النظر إليها. أما إذا كانت مهمة بعض رجال السلطة القضائية هي العصف بحقوق المواطنين، والعمل على ضمان وقوع الظلم عليهم، والالتفاف على كل القواعد القانونية والحقوق الدستورية المكفولة لهم، تحيزاً لحاكم، أو وزير أو جهة أمنية، لكي يظهر الظلم الواقع على المواطن، في صورة إجراءات قانونية محكمة، في حين أنها، في الوقت نفسه، لا تستطيع أن تقنع طفلاً صغيراً بوجاهة تلك التصرفات، وقانونيتها، فأهلاً بك في مصر.

وإذا كان رأس السلطة التنفيذية يتغنى باستقلال القضاء، ويشنف آذاننا، هو ومن والاه، بأنه لا يتدخل في أعمال القضاء، وأنه سلطة مستقلة تماماً عن السلطة التنفيذية، فيما هو من يعيّن رجال النيابة العامة ورجال النيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة ومجلس الدولة ورئيس المحكمة الدستورية العليا ومجلس القضاء الأعلى ورئيس محكمة النقض ورؤساء بقية الهيئات القضائية ورؤساء محاكم الاستئناف. وقطعاً، فإن رضى الأجهزة الأمنية عن هؤلاء المختارين، وضمان ولائهم للنظام الحاكم عامل رئيسي، في اختيارهم، فأهلا بك في مصر.

وإذا كنا بصدد بعض أعضاء هذه السلطة الذين يعملون جاهدين على مساعدة المجرمين على الإفلات من العقاب (قناصي العيون، قتلة الشهداء، سارقي أموال الشعب، المفسدين، المزورين ...إلخ)، ويتباهون بأنهم لا يراعون إلا الله، في إصدار أحكامهم، بينما تطل علينا إحدى القنوات بتسجيل صوتي بين اثنين من المقربين لرأس الدولة، يعد فيها أحدهما الآخر، بكل ثقة، بأنه سوف يكلم أحد القضاة، لإحضار شهود زور لمساعدة المتهمين بالقتل على الإفلات من العقاب، فأهلا بك في مصر.

وحين تطل علينا القناة نفسها بتسجيل صوتي لواقعة تزوير في مكان احتجاز المعزول محمد مرسي، أطرافها نائب عام ووزير ومساعد وزير ومدير مكتب وزير وقائد أحد الأسلحة، ثم يطل علينا النائب العام ليلتها، ليخبرنا بأنها تسجيلات مفبركة، وأنه سيحقق فيها بنفسه، على الرغم من كونه طرفاً فيها، ثم تذهب التحقيقات أدراج الرياح، ولا نعلم عنها شيئاً، بعد ذلك فأهلا بك في مصر، لا شك أنك، عزيزي القارئ، قد تشعر بالتململ من تلك المقدمة الطويلة التي أعلم، تماماً، أنك على علم بما فيها، وبأكثر منه، لكني أردت أن أشركك معي في تخيل كم الظلم الذي يمكن أن يقع على المواطنين الذين ألقى بهم حظهم العاثر تحت سطوة مثل هؤلاء المسؤولين وسيطرتهم، ليعملوا فيهم أيدي الظلم، لا لشيء، إلا للزج بهم في السجون، ربما بسبب دبوس، علقته إحداهن على غطاء رأسها، أو بسبب شعار وضعه طفل ما على مسطرته، أو بسبب خطاب من أحد المعتقلين، حمله أحدهم في جيبه، أو ارتدى تي شيرت لم يرق للسيد الضابط بأمر الله، أو بسبب أنه أحد المعجبين بصفحة من صفحات "فيسبوك"، أو بسبب تغريدة على "تويتر"، أو بسبب جلسة تجمع بعض الأصدقاء على مقهى بلدي، وربما بسبب حوار يدور همساً بين شقيقين، يستقلان مترو الأنفاق، أو بسبب مظاهرة سلمية، لا تطالب بأكثر من العيش والحرية والكرامة الإنسانية، أو تطالب بمحاسبة القتلة، أو تعترض علي إفلاتهم من العقاب، فيتم القبض عليهم منها، وتلفيق ما لذ وطاب للسادة حراس الثورة المضادة، من اتهامات، حتى لو ثبت أنها لم تحدث بالصوت والصورة. وحتى لو ثبت أن ما قبض عليهم بسببه لا يشكل ثمة جريمة، لكنهم، مع ذلك، يلقون في غياهب السجون، محرومين من أبسط حقوقهم في معاملة كريمة، محرومين من القراءة. يكدرون إذا حاولوا إرسال رسالة، يكدرون بسبب ما يتلقونه من رسائل، محرومين من حقهم في رعاية صحية متواضعة، يلقى بهم بين عتاة المجرمين، للتنكيل بهم، وهم الأطفال، أو القصر، أو طلبة، أو طالبات الجامعة، ولا حول لهم ولا قوة.

هم عشرات من شباب هذا الوطن الواعد، الذين لا جرم لهم إلا حلمهم بوطن أفضل، يتم تعريضهم لمصائر سوداء ما بين تعذيب وتنكيل وإهانة، وأحيانا قتل، بفعل فاعل أو جراء الإهمال. لا يستطيع كائن من كان أن يمكنهم من أن يتمتعوا بحقوقهم الدستورية والقانونية كمواطنين، لا يعرض بعضهم على المحاكم المختصة في المواعيد المحددة، إلا بإرادة ضباط الداخلية، بلا أدنى تعليق من المحاكم المسؤولة عن حبسهم. هل يمكننا أن نسمي هؤلاء محبوسين احتياطياً، لخطورتهم على الأمن العام؟ لا يحبس الشخص احتياطياً إلا لأسباب حددها القانون، لا تتوفر بأي من هذه الحالات ومئات غيرها. هل يمكن أن نسميهم المعتقلين؟ حتى المعتقلين يستطيعون أن يتظلموا من أوامر اعتقالهم، ويحصلون على إفراج، وأحيانا تعويض مادي وأدبي، بسبب التعسف في تقييد حريتهم. ماذا يمكننا أن نسميهم إذن؟ لا أعلم أشخاصاً يتعرضون لوطأة ظلم مشابه، إلا ويحملون وصف الأسرى. ولكن، أي أسرى هؤلاء؟ أعتقد أنهم أسرى الثورة.

avata
مالك عدلي

محام وباحث قانوني مصري، وعضو مؤسس في جبهة الدفاع عن متظاهري مصر