لم يستوطن قرابة المليون نازح سوري في تركيا، المدن الحدودية وحسب، بل اتجه بعضهم، بما تبقى له من أحلام نحو العاصمة الاقتصادية إسطنبول، ما شكل خللاً في المدينة التي يزيد عدد سكانها عن عدد سكان سوريا برمتها (23 مليون شخص).
ووسط حركة النزوح السورية الهائلة باتجاه تركيا، الجار الشمالي المؤيد للثورة ضد نظام الرئيس، بشار الأسد، منذ انطلاقتها في مارس آذار 2011، يبدو إحصاء السوريين الذين يدخلون تركيا سواء عبر الحدود النظامية أو عبر المنافذ والحدود غير الرسمية، أمراً بالغ الصعوبة، لكن التقديرات تشير إلى قرابة المليون لاجئ.
وتقاسم السوريين مع الأتراك في إسطنبول فرص العمل والسكن، لكن ثمة سوريين ممن ارتحلوا بأموالهم وتجارتهم، أضفوا مزيداً من الرخاء على إسطنبول.
ويقول أحمد خلف، (50 عاماً) أحد سكان إسطنبول: إن نظرة الأتراك الى السوريين تغيّرت بعد أعداد الحلبيين (أهل حلب) الكبيرة التي قدمت إلى إسطنبول لأنهم يملكون مالاً وتجارة تعزز من النشاط الاقتصاد للمدينة، لا سيما في قطاع العقارات.
في المقابل، أوضح أن الشيء الأكثر سلبية هو تسبب السوريين في ارتفاع أسعار الإيجار، "فبعدما كنت استأجرت منزلي في شارع عثمان بيه قبل عام بـ 900 ليرة تركية، رفع صاحب العقار الإيجار إلى 2000 ليرة شهرياً أثناء التجديد، وإما أترك المنزل".
وأضاف خلف لمراسل "العربي الجديد" بلهجة المتحسر "اضطررت آسفاً الى مغادرة المنزل الذي لم يكن حظه من ارتفاع أسعار الإيجار بأكثر من غيره".
ويقول الجاسم السوري، أحد أصحاب مكاتب العقارات بإسطنبول: إن أسعار الإيجارات في بعض المناطق ارتفعت على مدار العامين الماضيين بنحو 100%.
وأضاف في مقابلة لمراسل "العربي الجديد" "قبل عامين لم نكن نؤجر السكن المكون من غرفتين وردهة بأكثر من 600 ليرة تركية (280 دولار) ، لكن إيجاره تضاعف اليوم، وخاصة في المناطق الأكثر استقطاباً للسوريين كالفاتح وأكسراي وأخص أكدونيز وفوزي باشا وشار شمبا".
وعزا السوري، ارتفاع الإيجارات الى كثرة الوافدين من سوريا الى تلك المناطق، ما أدى إلى زيادة الطلب وارتفاع أسعار الإيجار حتى خارج الموسم السياحي.
وأضاف "قلما يذهب السوريون إلى المناطق البعيدة كآفجلر وأسينورت وبايليك دوزو، على الرغم من وجود المنشآت والخدمات المتنوعة وإمكانية تأمين عمل هناك، بل يأتي معظمهم إلى مناطق سياحية ومنتصف المدينة".
وقال السوري: إن معدل التأجير في مكتبه (قرب جامع فاتح) يصل إلى منزلين كل يوم، لافتاً إلى أن الطلب أكثر من ذلك بكثير، لكن بعض المؤجرين الأتراك بدأوا يرفضون التأجير للسوريين "لأنهم يستقدمون أسرهم وأصدقاءهم بعد كتابة العقد. نؤجر لعائلة مكونة من 5 أشخاص، فنفاجأ بأن البيت يسكنه أكثر من عشرة".
وقال أوزنجان أويصال، صاحب مكتب عقاري في شارع "وطن" وسط إسطنبول، إن منطقته يقصدها العرب عموما،ً لأنها مركز المدينة، لكن كثرة السوريين رفعت أسعار الإيجار قبل الموسم السياحي الذي يبدأ في الصيف، ويسجل توافدا متزايدا من الإيرانيين والخليجيين.
وأضاف أويصال، لمراسل "العربي الجديد" "الإيجارات هنا مرتفعة بطبيعة الحال، فمتوسط إيجار الشقة الصغيرة المفروشة يصل إلى 1000 دولار شهرياً، بتنا نعتمد بالأساس على التأجير اليومي الذي لا يقل عن 50 دولار لليوم الواحد".
وعن آلية وقانونية الإيجار بالنسبة للسوريين، قال أويصال، إن المكاتب العقارية تشترط وجود جواز سفر للسوري على الأقل، "لأننا نتغاضى عن امتلاكه إقامة"، وغالباً ما تكون التعاقدات سنوية.
وأضاف، أن القانون يسمح بزيادة في قيمة الإيجار تصل إلى 8%، غير أن نسبة الزيادة ترجع لصاحب العقار الذي يحدد أسعار جديدة بعد انعقاد مدة العقد، ويكون المستأجر مخيراً بين القبول بالسعر الجديد أو المغادرة.
وعاد ارتفاع أسعار الإيجارات على ملاك العقارات في إسطنبول بأرباح طائلة، دفعت كثيرين منهم للتفكير بالاستثمار في هذا القطاع.
وقال بولانت يلديز، صاحب بيت مؤجر في منطقة أيوان ساراي في إسطنبول، "حصلت على البيت من خلال قرض بنكي، وأجّرته لأسرة سورية تدفع لي 1000 ليرة تركية شهرياً، وهي تعادل قسط المصرف".
وأضاف مبتسماً "لو أني أعرف أن الوضع هكذا لضاعفت القرض واشتريت منزلين".
في المقابل، تأثرت الأوضاع الاجتماعية لملايين القاطنين في إسطنبول من الأتراك، من غير مالكي المنازل، نتيجة ارتفاع أسعار الإيجارات.
وتقول فاطمة جول (22 سنة)، وتعمل نادلة بواحدة من السفن السياحية بشواطئ إسطنبول، "رفع السوريون قيمة الإيجارات جدا. أنا مخطوبة وليس لدى خطيبي منزل، وارتفاع قيم الإيجار جعلنا نؤجل الزواج".