شهد العقد الأخير تسريبات عدة لوثائق حكومية مخابراتية تعتبر سرية، وكان الوصول إليها في وقت سابق شبه مستحيل. البداية كانت مع تسريبات موقع "ويكيليكس" التي أحدثت صدمة في العالم.. وتوالت بعدها مئات آلاف الوثائق التي تطرقت إلى علاقاة آلاف السياسيين حول العالم مع الإدارة الأميركية. وكانت من نصيب العالم العربي حصة كبيرة. وقبل يومين أصدر الرئيس الأميركي، باراك أوباما، قراراً رئاسياً بتخفيف الحكم الصادر بحق تشيلسي مانينغ، لتسريبها وثائق لموقع "ويكيليكس" الشهير. ويأتي قرار تخفيف الحكم عن مانينغ قبل يومين من انتهاء ولاية أوباما الذي خفف أحكاماً قضائية صادرة على 209 أشخاص وأصدر عفواً عن 64 آخرين. أعاد هذا القرار اسم مؤسس "ويكيليكس" السويدي جوليان أسانج إلى الواجهة. إذ إن أسانج وعد بتسليم نفسه للسلطات الأميركية في حال عفى أوباما عن مانينغ. وهو ما طرح علامات استفهام كبيرة حول هوية مانينغ وأهميتها. فمن هي؟ ولدت تشلسي مانينغ في ولاية أوكلاهوما عام 1987، كذكر باسم برادلي مانينغ. وانتقلت إلى مدينة ويلز بعد طلاق والديها، عندما كانت في سن المراهقة. وبعد تخرجها من المدرسة الثانوية انضمت للجيش الأميركي عام 2007. في عام 2009، أرسلت مانينغ إلى العراق كمحللة استخباراتية، ما مكّنها من الوصول إلى ملفات عسكرية ودبلوماسية حساسة. فسربت أكثر من 700 ألف وثيقة وفيديو وبرقيات دبلوماسية إلى موقع "ويكيليكس"، ونشر العديد منها في وكالات إخبارية عدة، بينها صحيفة "ذا غارديان" البريطانية وصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية. وبرز ضمن التسريبات فيديو مهمّ حوّل مانينغ نفسها إلى بطلة، أطلق عليه "ويكيليكس" اسم "الجريمة المضمونة"، وظهرت فيه غارة جوية في بغداد يوم 12 يوليو/ تموز عام 2007.
اقــرأ أيضاً
وكان هذا الهجوم على "متمردين عراقيين" قد تسبّب في مقتل أكثر من عشرة أشخاص، بينهم مصور صحافي ومساعده. وقال حينها المتحدث باسم الجيش الأميركي إنهم "ظنوا الكاميرا قاذفة صواريخ". كذلك ظهر ضمن التسريبات فيديو آخر لغارة جوية أميركية على قرية أفغانية، أسفرت عن مقتل مائة من المدنيين، في مايو/ أيار عام 2009.
اعتقلت مانينغ في مايو/ أيار عام 2010، وبدأت محاكمتها في يونيو/ حزيران عام 2013. ووُجهت إليها 22 تهمة، أقرت بعشر منها، بينها "إساءة استخدام مواد سرية". ووجد القاضي العسكري، الكولونيل دينيس ليند، مانينغ مذنبة بـ20 من هذه الاتهامات، ولكن تمت تبرئتها من تهمة مساعدة العدو. وشملت الأدلة خلال محاكمتها سجلات التراسل في حاسوبها الشخصي، والتواصل مع مؤسس موقع "ويكيليكس"، جوليان أسانج.
وفي أغسطس/ آب عام 2013 حُكم على مانينغ بالسجن لمدة 35 عاماً، مع فرصة لإطلاق سراح مشروط بعد سبع سنوات. كما سُرحت من الجيش، وخُفضت رتبتها إلى الرتبة الأدنى في الجيش. وقد أثارت مانينغ الجدل أيضاً بسبب هويتها الجنسية، حيث غيرت اسمها من برادلي (ذكر) إلى تشيلسي (أنثى) بعدما سمح لها الجيش بإجراء عملية تحويل جنسي العام الماضي، إثر إضرابها عن الطعام.
إدوارد سنودن
ليست تشيلسي مانينغ بطلة التسريبات الوحيدة حول العالم، بل يبرز معها أيضاً اسم الأميركي إدوارد سنودن، وهو عميل سابق (منشق) في الاستخبارات الأميركية، وهو صاحب التأكيد الحسي الأكبر بأن كل المكالمات والمراسلات في العالم، وتحديداً في أميركا، تتعرض للرقابة الرسمية والمخابراتية. والمعلومات التي سربها جعلته المطلوب الأول في أميركا، كما وضعت ما فعله في خانة "الخيانة العظمى للبلاد". عام 2013 قام سنودن بتسريب معلومات مصنّفة "سرية للغاية"، وهي عبارة عن تفاصيل برنامج "بريزم" الذي تستخدمه وكالة الأمن القومي الأميركية للتجسّس.
سنودن المولود عام 1983، والموجود حالياً في روسيا، دخل بداية إلى وكالة الأمن القومي، ثمّ عمل متعاقداً مع وكالة الاستخبارات الأميركية. وعام 2013، قام بتسريب آلاف الوثائق والمعلومات حول التجسس الأميركي على خوادم أغلب الشركات الكبرى في العالم وقدرتها على الدخول إلى حواسيب ومحادثات الأفراد في الولايات المتحدة وخارجها.
المسربون القدامى
رغم أن تسريبات ويكيليكس، وإدوارد سنودن، كما أن تسريبات وثائق بنما للتهرب الضريبي التي نشرت قبل عام، تعتبر الأخطر، نظراً إلى كثافتها وغزارتها، ونظراً إلى سرعة انتشارها مع هيمنة الإعلام الإلكتروني ومواقع التواصل على عالم النشر، فإن العالم عرف تسريبات خطيرة عدة منذ عقود، وكانت ضحيتها دوماً الإدارة الأميركية، فمن هم أشهر المسربين؟
القضية الأشهر طبعاً تبقى فضيحة "ووترغايت" التي كان ضحيتها الرئيس الأميركي السابق ريتشارد نيكسون. تفاصيل الفضيحة تقول إنه عام 1972، تمّ إلقاء القبض على خمسة أشخاص داخل مقر الحزب الديمقراطي الأميركي وهم ينصبون أجهزة تجسّس، لتوجه أصابع الاتهام للرئيس الجمهوري ريتشارد نيكسون بالتجسس على منافسه الديمقراطي في الانتخابات.
من كان صاحب الفضل بكشف الفضيحة وإبلاغ صحيفة واشنطن بوست بما حصل، لتنفجر القضية؟ إنه مارك فيلت، وكان عميلاً خاصاً في مكتب الـ"أف بي آي"، ولم يكشف عن هويته إلا عام 2005.
أما عام 1971، فقام ضابط أميركي اسمه دانيال إلسبرغ، بتسريب مئات الوثائق السرية من البنتاغون لصحيفة "نيويورك تايمز" حول الحرب على فيتنام، فاتهم بالتجسس، وحكم بـ115 عاماً من السجن، قبل أن تسقط جميع الاتهامات عنه، نتيجة عوامل عدة، أبرزها التضامن والالتفاف الشعبي حوله.
في أميركا أيضاً، برز عام 1995 اسم ليندا تريب، العاملة في البيت الأبيض في عهد الرئيس بيل كلينتون، وذلك لتسريبها مكالمات خاصة بينها وبين مونيكا لوينسكي، ما أدى إلى انفجار فضيحة التورط العاطفي والجنسي بين كلينتون ولوينسكي، واستخدمت في محاولة للإطاحة بكلينتون.
هل هذه هي كل التسريبات؟ طبعاً لا، بل يعرف التاريخ الأميركي عشرات التسريبات الأخرى، وعشرات المسربين الذين تحولوا بمرور السنوات إلى أبطال في أميركا وحول العالم. نذكر منهم أيضاً، فرانك سيربيكو، الذي جسد آل باتشينو شخصيته عام 1973 في فيلم "سيربيكو" ورشّح عن هذا الدور لجائزة أوسكار. وفي الحقيقة، قام سيربيكو، وهو عسكري في شرطة نيويورك، في نهاية الستينيات، بالكشف عن حجم الفساد داخل جهاز الشرطة، ما أدى إلى فتح تحقيق داخل مكاتب الجهاز، والكشف عن فساد كبير ينخر جسم الشرطة. لكن زملاء سيربيكو لم ينتظروا كثيراً قبل الانتقام منه، فخلال مداهمة لتجار مخدرات، أصيب في وجهه، وتركه رفاقه وحيداً ولم يطلبوا النجدة، ما أدى إلى فقدانه للسمع في أذنٍ واحدة.
ومن خارج أجهزة الدولة الرسمية، يبرز اسم مسرّب شهير هو الأميركي جيفري ويغاند، الذي كان يعمل مديراً تنفيذياً في إحدى شركات التبغ والسجائر. وقد ظهر في برنامج "60 دقيقة الشهير" ليقول إن كل شركات التبغ تدرك وتقوم عن قصد بوضع كمية نيكوتين تؤدي إلى الإدمان في منتجاتها، وهو ما أدى إلى شنّ حرب اقتصادية شعواء ضدّه، ولكن في الوقت نفسه أدى إلى انخفاض نسب مبيعات شركات الدخّان.
اعتقلت مانينغ في مايو/ أيار عام 2010، وبدأت محاكمتها في يونيو/ حزيران عام 2013. ووُجهت إليها 22 تهمة، أقرت بعشر منها، بينها "إساءة استخدام مواد سرية". ووجد القاضي العسكري، الكولونيل دينيس ليند، مانينغ مذنبة بـ20 من هذه الاتهامات، ولكن تمت تبرئتها من تهمة مساعدة العدو. وشملت الأدلة خلال محاكمتها سجلات التراسل في حاسوبها الشخصي، والتواصل مع مؤسس موقع "ويكيليكس"، جوليان أسانج.
وفي أغسطس/ آب عام 2013 حُكم على مانينغ بالسجن لمدة 35 عاماً، مع فرصة لإطلاق سراح مشروط بعد سبع سنوات. كما سُرحت من الجيش، وخُفضت رتبتها إلى الرتبة الأدنى في الجيش. وقد أثارت مانينغ الجدل أيضاً بسبب هويتها الجنسية، حيث غيرت اسمها من برادلي (ذكر) إلى تشيلسي (أنثى) بعدما سمح لها الجيش بإجراء عملية تحويل جنسي العام الماضي، إثر إضرابها عن الطعام.
إدوارد سنودن
ليست تشيلسي مانينغ بطلة التسريبات الوحيدة حول العالم، بل يبرز معها أيضاً اسم الأميركي إدوارد سنودن، وهو عميل سابق (منشق) في الاستخبارات الأميركية، وهو صاحب التأكيد الحسي الأكبر بأن كل المكالمات والمراسلات في العالم، وتحديداً في أميركا، تتعرض للرقابة الرسمية والمخابراتية. والمعلومات التي سربها جعلته المطلوب الأول في أميركا، كما وضعت ما فعله في خانة "الخيانة العظمى للبلاد". عام 2013 قام سنودن بتسريب معلومات مصنّفة "سرية للغاية"، وهي عبارة عن تفاصيل برنامج "بريزم" الذي تستخدمه وكالة الأمن القومي الأميركية للتجسّس.
سنودن المولود عام 1983، والموجود حالياً في روسيا، دخل بداية إلى وكالة الأمن القومي، ثمّ عمل متعاقداً مع وكالة الاستخبارات الأميركية. وعام 2013، قام بتسريب آلاف الوثائق والمعلومات حول التجسس الأميركي على خوادم أغلب الشركات الكبرى في العالم وقدرتها على الدخول إلى حواسيب ومحادثات الأفراد في الولايات المتحدة وخارجها.
المسربون القدامى
رغم أن تسريبات ويكيليكس، وإدوارد سنودن، كما أن تسريبات وثائق بنما للتهرب الضريبي التي نشرت قبل عام، تعتبر الأخطر، نظراً إلى كثافتها وغزارتها، ونظراً إلى سرعة انتشارها مع هيمنة الإعلام الإلكتروني ومواقع التواصل على عالم النشر، فإن العالم عرف تسريبات خطيرة عدة منذ عقود، وكانت ضحيتها دوماً الإدارة الأميركية، فمن هم أشهر المسربين؟
القضية الأشهر طبعاً تبقى فضيحة "ووترغايت" التي كان ضحيتها الرئيس الأميركي السابق ريتشارد نيكسون. تفاصيل الفضيحة تقول إنه عام 1972، تمّ إلقاء القبض على خمسة أشخاص داخل مقر الحزب الديمقراطي الأميركي وهم ينصبون أجهزة تجسّس، لتوجه أصابع الاتهام للرئيس الجمهوري ريتشارد نيكسون بالتجسس على منافسه الديمقراطي في الانتخابات.
من كان صاحب الفضل بكشف الفضيحة وإبلاغ صحيفة واشنطن بوست بما حصل، لتنفجر القضية؟ إنه مارك فيلت، وكان عميلاً خاصاً في مكتب الـ"أف بي آي"، ولم يكشف عن هويته إلا عام 2005.
أما عام 1971، فقام ضابط أميركي اسمه دانيال إلسبرغ، بتسريب مئات الوثائق السرية من البنتاغون لصحيفة "نيويورك تايمز" حول الحرب على فيتنام، فاتهم بالتجسس، وحكم بـ115 عاماً من السجن، قبل أن تسقط جميع الاتهامات عنه، نتيجة عوامل عدة، أبرزها التضامن والالتفاف الشعبي حوله.
في أميركا أيضاً، برز عام 1995 اسم ليندا تريب، العاملة في البيت الأبيض في عهد الرئيس بيل كلينتون، وذلك لتسريبها مكالمات خاصة بينها وبين مونيكا لوينسكي، ما أدى إلى انفجار فضيحة التورط العاطفي والجنسي بين كلينتون ولوينسكي، واستخدمت في محاولة للإطاحة بكلينتون.
هل هذه هي كل التسريبات؟ طبعاً لا، بل يعرف التاريخ الأميركي عشرات التسريبات الأخرى، وعشرات المسربين الذين تحولوا بمرور السنوات إلى أبطال في أميركا وحول العالم. نذكر منهم أيضاً، فرانك سيربيكو، الذي جسد آل باتشينو شخصيته عام 1973 في فيلم "سيربيكو" ورشّح عن هذا الدور لجائزة أوسكار. وفي الحقيقة، قام سيربيكو، وهو عسكري في شرطة نيويورك، في نهاية الستينيات، بالكشف عن حجم الفساد داخل جهاز الشرطة، ما أدى إلى فتح تحقيق داخل مكاتب الجهاز، والكشف عن فساد كبير ينخر جسم الشرطة. لكن زملاء سيربيكو لم ينتظروا كثيراً قبل الانتقام منه، فخلال مداهمة لتجار مخدرات، أصيب في وجهه، وتركه رفاقه وحيداً ولم يطلبوا النجدة، ما أدى إلى فقدانه للسمع في أذنٍ واحدة.
ومن خارج أجهزة الدولة الرسمية، يبرز اسم مسرّب شهير هو الأميركي جيفري ويغاند، الذي كان يعمل مديراً تنفيذياً في إحدى شركات التبغ والسجائر. وقد ظهر في برنامج "60 دقيقة الشهير" ليقول إن كل شركات التبغ تدرك وتقوم عن قصد بوضع كمية نيكوتين تؤدي إلى الإدمان في منتجاتها، وهو ما أدى إلى شنّ حرب اقتصادية شعواء ضدّه، ولكن في الوقت نفسه أدى إلى انخفاض نسب مبيعات شركات الدخّان.