11 نوفمبر 2024
أصحاب يناير بلا رومانسية
على الرغم من تذبذب منحنى تفاعل المصريين مع ذكرى ثورة 25 يناير في السنوات الأخيرة، بين الاحتفاء والعداء، إلا أن مرور الذكرى السابعة للثورة قبل أيام كان غريباً ومختلفاً عن السنوات السابقة، فقد كان بهدوء شديد، وبدت شوارع مصر وأبنيتها، فضلاً عن وجوه أبنائها، كما لو كانوا جميعاً في حالة حداد.
وللمرة الأولى، لا يتم أي احتفال بثورة يناير أو احتفاء بها، على أي مستوى، أو في نطاق أي من الكيانات والقوى، بل وحتى بعض الرموز التي ذاع صيتها ونالت شهرتها بفضل ثورة يناير. ولولا تغريدات شباب على "تويتر" وتعليقاتهم في "فيسبوك"، لما كان لثورة يناير أي حضور في ذكراها السابعة.
ربما كانت مصادفة أن يتزامن بدء الإجراءات التحضيرية لما تسمى بانتخابات الرئاسة، مع حلول ذكرى يناير. لكنها لم تكن المرة الأولى، ففي 2014 أيضاً بدأت الخطوات الإجرائية لتلك العملية في أجواء يناير. لكن الاهتمام "بالانتخابات" في 2014 لم يطغ على ذكرى ثورة يناير، بينما شهدت الذكرى هذه المرة تركيزاً إعلامياً شديداً على العملية الانتخابية من جهة، خصوصاً أهمية المشاركة والتصويت. وجدوى إدارة الدولة من جهة أخرى، خصوصاً ما يسميه الإعلام المصري الرسمي "إنجازاتٍ" كبيرة ومشروعات قومية جرى تنفيذها. أما المصريون أنفسهم، فقد انشغلوا بمتابعة مفاجأة ترشح الفريق سامي عنان ثم توقيفه. هذا طبعاً فيما يتبقى من وقت وجهد بعد ملاحقة الأسعار ومتابعة أحوال الطقس، وكلاهما أهم لدى مصريين كثيرين من ذكرى يناير.
مفهوم أن يتغافل الإعلام المصري الرسمي والموالي عن ذكرى ثورة يناير، وأن يصب تركيزه أياما متتالية على عيد الشرطة، ويبرز أدوارها الإيجابية في خدمة الدولة والمجتمع. ومفهوم أيضاً أن يخشى المصريون العاديون النزول إلى الشوارع، أو الدعوة إلى إحياء ذكرى يناير. ويمكن بسهولة ملاحظة ذلك التوازي بين التجاهل الإعلامي لثورة يناير، تدريجياً في السنوات القليلة الماضية، وتراجع الاهتمام الشعبي بها. لكن ما يحتاج إلى مزيد من الفهم والتفسير، أن التغافل، أو بالأحرى غضّ الطرف، لم يقتصر على الإعلام والمواطنين، فقد شاركتهم فيه القوى السياسية، خصوصاً الثورية منها. حيث مرت ذكرى 25 يناير من دون مسيرات أو مؤتمرات، أو حتى بيانات، تؤكد التمسك بمطالب يناير. بل كان لافتاً للغاية أن يمتدح السيسي ثورة يناير في أثناء حضوره الاحتفال بعيد الشرطة، بينما تجنّبها الساسة والأحزاب والقوى السياسية والنشطاء. وعلى الرغم من تلك المفارقة، ثمّة تفسير منطقي لموقف القوى السياسية، خصوصاً الثورية، من الذكرى السابعة لثورة يناير.
فأصحاب ثورة يناير صاروا أكثر نضجاً وعقلانية، بعد أن ثبت، خلال الأعوام السبعة الماضية، أن التظاهرات حتى لو بلغت حد "المليونية" لا تحقق نتائج على الأرض. وأن رفع الشعارات أو إقامة الائتلافات، أو حتى عقد اللقاءات والمؤتمرات، كلها مظاهر تجسد حراكاً ثورياً وحيوية سياسية. لكنها لا تصحّح سياساتٍ، ولا تُصلح مؤسسات.
بالتأكيد، انخفض سقف المتاح، والمسموح به في مصر، إلى حد أدنى كثيراً مما كانت تسعى ثورة يناير إلى اختراقه. وهذا بذاته دفع أهل يناير إلى التوقف عن استدعاء مطالب الثورة ورفع شعاراتها، والاتجاه نحو التعاطي مع أمرٍ واقع يفرض نفسه، ولو مرحلياً. ومن ثم، خلال هذه المرحلة، يصبح التفكير في مطالب يناير، أو حتى الحديث عنها، رومانسية سياسية.
لذا، وعلى الرغم مما قد يبدو من دلالات سلبية للمشهد المصري، من منظور العداء أو الاحتفاء بثورة يناير، إلا أن بطء وتيرة النبض الثوري لا تعني تجمد دمائه في العروق، أو توقف القلب عن النبض. وربما يخفي ذلك التراجع الظاهري واقعية وإيجابية في التفكير تجاه مطالب يناير وكيفية تحقيقها. أو على الأقل تهيئة الأجواء، وتعبيد الطريق من أجل تحقيقها، بطرق سلمية وهادئة، من دون إحداث فوضى أو انتهاك القوانين والقيود القائمة. وبلا انسياق وراء استحقاقات شكلية وتغيير ظاهري بلا مضمون.
وللمرة الأولى، لا يتم أي احتفال بثورة يناير أو احتفاء بها، على أي مستوى، أو في نطاق أي من الكيانات والقوى، بل وحتى بعض الرموز التي ذاع صيتها ونالت شهرتها بفضل ثورة يناير. ولولا تغريدات شباب على "تويتر" وتعليقاتهم في "فيسبوك"، لما كان لثورة يناير أي حضور في ذكراها السابعة.
ربما كانت مصادفة أن يتزامن بدء الإجراءات التحضيرية لما تسمى بانتخابات الرئاسة، مع حلول ذكرى يناير. لكنها لم تكن المرة الأولى، ففي 2014 أيضاً بدأت الخطوات الإجرائية لتلك العملية في أجواء يناير. لكن الاهتمام "بالانتخابات" في 2014 لم يطغ على ذكرى ثورة يناير، بينما شهدت الذكرى هذه المرة تركيزاً إعلامياً شديداً على العملية الانتخابية من جهة، خصوصاً أهمية المشاركة والتصويت. وجدوى إدارة الدولة من جهة أخرى، خصوصاً ما يسميه الإعلام المصري الرسمي "إنجازاتٍ" كبيرة ومشروعات قومية جرى تنفيذها. أما المصريون أنفسهم، فقد انشغلوا بمتابعة مفاجأة ترشح الفريق سامي عنان ثم توقيفه. هذا طبعاً فيما يتبقى من وقت وجهد بعد ملاحقة الأسعار ومتابعة أحوال الطقس، وكلاهما أهم لدى مصريين كثيرين من ذكرى يناير.
مفهوم أن يتغافل الإعلام المصري الرسمي والموالي عن ذكرى ثورة يناير، وأن يصب تركيزه أياما متتالية على عيد الشرطة، ويبرز أدوارها الإيجابية في خدمة الدولة والمجتمع. ومفهوم أيضاً أن يخشى المصريون العاديون النزول إلى الشوارع، أو الدعوة إلى إحياء ذكرى يناير. ويمكن بسهولة ملاحظة ذلك التوازي بين التجاهل الإعلامي لثورة يناير، تدريجياً في السنوات القليلة الماضية، وتراجع الاهتمام الشعبي بها. لكن ما يحتاج إلى مزيد من الفهم والتفسير، أن التغافل، أو بالأحرى غضّ الطرف، لم يقتصر على الإعلام والمواطنين، فقد شاركتهم فيه القوى السياسية، خصوصاً الثورية منها. حيث مرت ذكرى 25 يناير من دون مسيرات أو مؤتمرات، أو حتى بيانات، تؤكد التمسك بمطالب يناير. بل كان لافتاً للغاية أن يمتدح السيسي ثورة يناير في أثناء حضوره الاحتفال بعيد الشرطة، بينما تجنّبها الساسة والأحزاب والقوى السياسية والنشطاء. وعلى الرغم من تلك المفارقة، ثمّة تفسير منطقي لموقف القوى السياسية، خصوصاً الثورية، من الذكرى السابعة لثورة يناير.
فأصحاب ثورة يناير صاروا أكثر نضجاً وعقلانية، بعد أن ثبت، خلال الأعوام السبعة الماضية، أن التظاهرات حتى لو بلغت حد "المليونية" لا تحقق نتائج على الأرض. وأن رفع الشعارات أو إقامة الائتلافات، أو حتى عقد اللقاءات والمؤتمرات، كلها مظاهر تجسد حراكاً ثورياً وحيوية سياسية. لكنها لا تصحّح سياساتٍ، ولا تُصلح مؤسسات.
بالتأكيد، انخفض سقف المتاح، والمسموح به في مصر، إلى حد أدنى كثيراً مما كانت تسعى ثورة يناير إلى اختراقه. وهذا بذاته دفع أهل يناير إلى التوقف عن استدعاء مطالب الثورة ورفع شعاراتها، والاتجاه نحو التعاطي مع أمرٍ واقع يفرض نفسه، ولو مرحلياً. ومن ثم، خلال هذه المرحلة، يصبح التفكير في مطالب يناير، أو حتى الحديث عنها، رومانسية سياسية.
لذا، وعلى الرغم مما قد يبدو من دلالات سلبية للمشهد المصري، من منظور العداء أو الاحتفاء بثورة يناير، إلا أن بطء وتيرة النبض الثوري لا تعني تجمد دمائه في العروق، أو توقف القلب عن النبض. وربما يخفي ذلك التراجع الظاهري واقعية وإيجابية في التفكير تجاه مطالب يناير وكيفية تحقيقها. أو على الأقل تهيئة الأجواء، وتعبيد الطريق من أجل تحقيقها، بطرق سلمية وهادئة، من دون إحداث فوضى أو انتهاك القوانين والقيود القائمة. وبلا انسياق وراء استحقاقات شكلية وتغيير ظاهري بلا مضمون.