تقف هذه الزاوية عند مترجمي الأدب العربي إلى اللغات العالمية المختلفة، ما هي مشاغلهم وأسئلتهم وحكاية صداقتهم مع اللغة العربية. "يمكن للأدب العربي أن يجسر المسافات التي أوجدتها السياسة بين الشعوب، وأن يمحو الكراهية"، يقول المترجم الإيراني لـ"العربي الجديد".
■ متى وكيف بدأت علاقتك باللغة العربية؟
- بدأتُ الترجمة قبل ما يقارب عشرين سنة، حين كنتُ طالباً في فرع الفلسفة بـ "جامعة الشهيد بهشتي" (الجامعة الوطنية سابقاً) في طهران. بدأتها مع نصوص فكرية وفلسفية كانت منشورة في الأساس في المجلّات. وقد دخلتُ مجال الترجمة لأمرَين، فقد كنتُ طالباً وأريد حفر مكانٍ لاسمي، والأمر الثاني طلباً للمال رغم المبالغ الزهيدة التي نحصل عليها من الترجمة. بالطبع كنت أبحث أيضاً عن الإبداع وإعادة خلق النصّ في لغة أخرى. كنتُ أحبّ أن أنجز عملاً وأبحث عن تكوين هوية لي، وهذا ما حصلتُ عليه عن طريق الترجمة والكتابة. وبعد انتهاء الدراسة في الجامعة عملتُ مترجماً من العربية إلى الفارسية في الصحف والمجلّات ووكالات الأنباء؛ وهو العمل الذي ما زلت أزاوله إلى الآن. وفي نفس فترة دراستي الجامعية وسّعتُ قراءتي للفكر والفلسفة العربيّين، وكانت رافداً لتقوية لغتي العربية. ثم اتجهت إلى الأدب، وهي حبّ طفولتي وهو الحقل الذي ما زلتُ أعمل فيه حتى الوقت الراهن.
■ ما أول كتاب ترجمتَه وكيف جرى تلقّيه؟
- أوّل عملٍ ترجمتُه كان مجموعة كتب للأطفال تحت عنوان "مشاهير العالم". وهي مترجَمة في الأساس من الإنكليزية إلى العربية، وطلب منّي ناشر، وهو صديق لي، أن أترجمها إلى الفارسية. أنجزتُ ترجمة هذه المجموعة المشكّلة من عشرة كتب في العام 2008 خلال سنتَين. ولأنّ المجموعة متنوّعة وقصصية، فقد وصلت النسخ المطبوعة إلى 5000 نسخة، ورغم سعرها المرتفع فإن الناس اقتنتها. مرّت سنوات منذ نفاد النسخ من السوق، لكن الدار لم تعد طباعتها بسبب الوضع الاقتصادي. وكانت كلّ الحقوق للناشر نفسه واكتفى بتسليم مبلغ صغير للمترجم الداخل حديثاً إلى الترجمة. كان المبلغ في تلك الفترة لافتاً. لكن فيما بعد اكتشفتُ الخطأ الذي وقعت فيه.
■ ما آخر إصداراتك المترجمة من العربية وما هو إصدارك القادم؟
- آخر ما ترجمته وصدر هو رواية "طشاري" لإنعام كجه جي، في أيلول/ سبتمبر 2018 عن دار "مرواريد" في طهران. ولديّ عملان تحت الطباعة، الأول "كيميا" للكاتب المصري وليد علاء الدين، الذي أتمنّى أخذ ترخيص طباعته من وزارة الثقافة قريباً ليصدر في الشهر القادم. لقد واجه الكتاب الكثير من العقبات، وقد واجهتُ الكثير من التعب لحلّها، وهي نفسها حكاية تُروى. الكتاب الثاني الذي أنتظر خبر صدوره هو "رغوة سوداء" للكاتب الإريتري حجي جابر.
دورنا إيجاد جسر تواصل وكسر النظرة الضيقة بين الجانبين
■ ما العقبات التي تواجهك كمترجم من اللغة العربية؟
- لأكُن صريحاً هنا، أهمّ عقبة واجهتُها في الترجمة وواجهها الكثير من المترجمين من العربية إلى الفارسية في إيران، هي القضية المالية. تُعتبر الترجمة بالنسبة إلينا في إيران عملاً ثانياً أو حتى ثالثاً، وهو عمل نمارسه بحبّ، خاصة في السنوات الأخيرة ومع الحصار الاقتصادي، لقد زادت هذه القضية أكثر من السابق. يمكنني القول بكل جرأة إنّ الخيط الوحيد الذي يربطنا بالكتاب هو علاقة حبّ وليس شيء آخر. من العقبات التي نواجهها أيضاً الحصول على الكتب العربية، هو أمر صعب جدّاً، وعلينا الاتصال بعدّة جهات حتى يصلنا الكتاب. وهنا أذكر الكاتب والمترجم الصديق أحمد حيدري وعلاقاته مع العالم العربي التي سهلت عليَّ وصولي إلى الكتب. نحنُ نراجع الكتب التي نترجمها سوياً، وهذه فرصة لأشكره على ما يقوم به. وأَرجع إلى القضية المالية التي لا يعرف عنها القرّاء في عملية ترجمة الكتب، علينا كمترجمين بعد إنهاء الترجمة أن نُسلّم الكتاب كاملاً مكمّلاً، وتقع علينا جهود التنقيح والتحرير، فإما أن تقتطع دار النشر حقوق التدقيق والتحرير من المبلغ الكلّي أو ندفع نحن لمدقّقين ومحرّرين من خارج الدار، وعادةً ما أُسلم كتبي المترجمة لأشخاص يدخل النصُّ ضمن مجال عملهم. وتجد نفسك كمترجم، وبعد ستة أشهر من الانتظار، تحصل على مكافأتك التي اقتُصّ منها الكثير في طريقها إليك.
المشكلة الثانية التي تواجه المترجم هي أنه علينا نحن الإعلان عن الكتاب. وإن كانت أكثر دور النشر لديها قسم علاقات عامة ولديهم علاقاتها مع الصحف، ولكننا مجبرون على الدخول في الإعلان عن كتبنا وأن ندفع بدل ذلك.
من العقبات الأخرى التي نواجهها في إيران مع الأسف هي أنّ الكتّاب الغربيّين يُقرأون أكثر من الكتّاب العرب، ويؤدّي هذا الأمر إلى مرور سنوات حتى تنتهي الطبعة الأولى. ولنبقي على مسألة أنّ بعض المثقّفين الإيرانيّين يواجهون الثقافة العربية، كما هو الحال في العالم العربي في مواجهتهم الثقافة الإيرانية، بينما دورنا هنا هو إيجاد جسر تواصل وكسر مثل هذه النظرة الضيقة بين الجانبين. من حسن الحظّ أنه في الأعوام الأخيرة استطاعت ترجمة الرواية العربية وانتشارها أن تخفف من حدّة تلك النظرة، وبات القرّاء يبحثون عن الأدب العربي. وإن كنا رغم كلّ هذه السنوات من العمل في بداية الطريق، وإن كان أيضاً مترجمو العربية إلى الفارسية قلّة. من العقبات الأخرى هي أنّ الترجمة في حدّ ذاتها عمل يحتاج إلى مجهود كبير وحين لا يحصل المترجم على حقوقه ولا يحصل على الشهرة التي يحصل عليها المترجمون من الإنكليزية والفرنسية مثلاً، عبر ترجمة كتاب واحد، يشعر سريعاً بالتعب. لقد اتخذتُ قراراً في عدّة مرات أن أدع الترجمة جانباً، وحدث أن ابتعدتُ عن الترجمة عاماً كاملاً واكتفيت بالقراءة، بيد أنّ، وكما قلت سابقاً، الأدب العربي الذي يجبرني على العودة للترجمة. أذكر هنا دور الصديق أحمد حيدري الذي كان يغريني بإرسال الكتب الجديدة للعودة إلى حبّي القديم.
■ نلاحظ أن الاهتمام يقتصر على ترجمة الأدب العربي وفق نظرة واهتمام معينين، ولا يشمل الفكر وبقية الإنتاج المعرفي العربي، كيف تنظر إلى هذا الأمر وما هو السبيل لتجاوز هذه الحالة؟
- لا أتفق معك في هذا. وإن كانت الترجمة من العربية للفارسية أكثر أدبياً، ولكننا نرى ترجمات فكرية أيضاً، مثلا تُرجمت بعض أعمال نصر حامد أبو زيد في إيران، ولقيت اهتماماً كبيراً في إيران. بالطبع لا شكّ أنّ الترجمة في حقل الفكر أقلّ، والسبب هو أنّ الدول العربية لا تعمل على هذا الأمر لتقديم نتاجاتها. هناك الكثير من الدول الغربية التي تتحمل تكاليف ترجمة نتاجاتها للفارسية، حتى أنهم يقدمون منَحاً سنوية، كمثال إذا ترجمت كتابين أو ثلاث كتب عن الألمانية إلى الفارسية فهم يتحملون التكاليف، وإذا لم أكن مخطئاً هناك منحة تحت اسم غوته تُمنح للمترجمين في إيران، وقد حصل عليها صديقان لي. تقديم النتاجات الثقافية والفكرية في العالم العربي تقع على عاتق المؤسّسات العربية، وينبغي أن يكون هناك تواصل مع المترجمين، هذه خطوة أولى لا بدّ منها. التجربة الغربية أثبتت ذلك، ولا أعتقد أنّ الأمر صعب على بعض الدول العربية. بمعنى: اختيار النتاجات، تخصيص ميزانية، الارتباط بالمترجمين. الأمر يحتاج إلى إرادة وبرنامج طويل المدى.
المؤسسات في العالم العربي لا تبدو مهتمة بترجمة آدابه
■ هل هناك تعاون بينك وبين مؤسسات في العالم العربي أو بين أفراد وما شكل التعاون الذي تتطلع إليه؟
- لا مع الأسف. طوال عشرين سنة من مزاولة الترجمة لم أرتبط بأيّ مؤسسة. ولا أعلم هل هناك مؤسسة أو مؤسسات في العالم العربي لديها رغبة في ترجمة نتاجات بلدها أو يودون التعاون أو يدعمون الترجمة. أعمل بشكل فردي دون ارتباط بأيّ مؤسسة.
أمّا عن ارتباطنا مع الكتّاب العرب، فهو أمر متاح ونحن على اتصال بهم. وهم من يُقدّمون عوناً كبيراً بإرسال كتبهم، وعليّ تحديد هل ستنجح ترجمة هذا الكتاب في إيران أم لا؟ ما أتمنّاه هو قيام مؤسسات في العالم العربي بدعم المترجمين والتواصل معهم، ليس العاملين في مجال الترجمة إلى الفارسية فقط بل حتى إلى العربية، حتى يستمر المترجم في عمله. سوف يؤدّي هذا الأمر إلى دفع العمل إلى الأمام وتقديم أعمال مختارة بدقّة وبطريقة مستدامة.
■ ما هي المزايا الأساسية للأدب العربي ولماذا من المهم أن يصل إلى العالم؟
- لا يحتاج الأمر إلى الإشارة لغنى الأدب العربي وجماليته، وفي إيران وبسبب القرب والتشابه الثقافي والديني والجغرافي إلخ... بيننا وبين العرب (رغم الاختلافات الموجودة) هناك من يبحث عنه. من المهم وصول أدبيات العرب للعالم حتى يعرف أنّ العالم العربي ليس مجرد عنف وديكتاتورية وحروب... فهناك شيء باسم الأدب يكسر الحدود ليبني جسره بين البشرية. تعرف جيّداً حتى إذا فقد الانسان العربي لقمة عيشه لكنه لن يبتعد عن الأدب وإنتاجه، هذه ميزة مهمة وتستحق أن نلتفت لها. الأدب هو أفضل وسيلة لتغيير النظرة المسبقة عن الشعوب.
يمكن للأدب العربي أن يكسر المسافات بين الشعوب التي أوجدتها السياسة. يمكن للأدب أن يمحو الكراهية والتبغيض والعنف، والكثير من السلبيات.
بطاقة
کریم أسدي أصل بورزبید، مترجم إيراني من موالید 1979 في مدینة دزفول. تخرّج من قسم الفلسفة في "جامعة الشهید بهشي" بطهران. یعمل صحافياً ومترجماً من العربية إلی الفارسية. صدرت له حتی الآن قرابة عشرين كتاباً، من بينها يوميات بعنوان "آلامٌ نصيّة لصحفي مسكين". ومن إصداراته في الترجمة: سلسلة "مشاهیر العالم" في عشرة أجزاء (2011)، و"الموت یشربها سادة" لوجدي الكومي (2013)، و"حضرة المحترم" لنجیب محفوظ (2014)، و"حمار الحكيم" لتوفيق الحكيم (2016)، و"الحمير" لتوفيق الحكيم (2016)، و"طشاري" لإنعام كجه جي (2019).