يستعد عدد كبير من الأطباء في القطاع الخاص لإطلاق مجموعة من التحركات والاحتجاجات في الأيام القليلة المقبلة، بحسب ما أكدت النقابة التونسية لأطباء الممارسة الحرة لـ "العربي الجديد". وتأتي هذه التحركات احتجاجاً على الفصل 22 من قانون المالية لعام 2016 والمذكرة الصادرة عن وزارة المالية في 12 فبراير/ شباط الماضي، إذ ينصّ هذا الفصل على أن تتضمن الفواتير أسماء المرضى والأتعاب ونوعية الفحص الطبي. وهو أمر قال الأطباء إنّه يكشف حياة المرضى ويتنافى وجملة أخلاقيات المهنة. كذلك، فإن تطبيق الفصل يجعل مهنتهم تتساوى مع الأعمال التجارية الأخرى.
الفصل الجديد الذي ألحق بقانون المالية لعام 2016، يأتي في إطار مكافحة التهرّب الضريبي وتحقيق العدالة الجبائية، خصوصاً أن نحو ثمانية آلاف طبيب يدفعون نحو 250 دولاراً أميركياً سنوياً (للطبيب الواحد)، وفق دراسة لمكتب الدراسات والتشريع الجبائي في وزارة المالية.
وقد نصّت المذكرة الصادرة عن وزارة المالية على دفع كل مخالف للأمر غرامة مالية تتراوح ما بين خمسة آلاف دينار تونسي و50 ألف دينار (2500 و25 ألف دولار)، أو السجن من 15 يوماً إلى ثلاث سنوات. ويؤكد كاتب عام نقابة أطباء الاختصاص والممارسة الحرة فوزي الشرفي لـ "العربي الجديد"، أن النقابة ستتواصل مع البرلمان للمطالبة بإعادة النظر في الفصل 22 من القانون، مضيفاً أنها ستنظم مجموعة من التحركات لأنّ الأطباء يتعرضون إلى حملات تشويه، ولا أساس لما يروّج حول تهربهم الضريبي. ويشير إلى أن الأطباء اقترحوا على وزارة المالية البحث عن آليات جديدة على غرار ضبط المداخيل اليومية في فاتورة واحدة.
يقول طبيب الأسنان منير ش. إن عديداً من الأطباء يرفضون هذا القانون، وقد اعتبره مساً بخصوصيات المهنة وإفشاء للسر المهني، مضيفاً أنّه يمكن معرفة التهرب الضريبي من خلال وسائل وإجراءات أخرى. في المقابل، يشير عميد الأطباء نبيل بن زينب إلى أن العمادة ترفض استخدام عبارة "مذكرة أتعاب" في أوراق المحاسبة، أو أن يدفع المريض أكثر من ذلك الذي يتمتع بصحة جيدة، أو إعطاء إدارة الجباية صلاحيات يمكن أن تؤدي إلى سجن الطبيب، فضلاً عن رفض اتخاذ قرارات تتعلق بالقطاع الطبي من دون إشراك ممثلين لدى القطاع.
من جهته، لا يرى المريض كريم سيف الدين، الذي كان يجلس في إحدى قاعات الانتظار في عيادة أحد الأطباء، أي مشكلة في هذا القانون، وتقديم فواتير تتضمن أسماء المرضى أو نوعية الفحص والأتعاب. ويرى أن هذه الفواتير الدقيقة قد تساعد في إنجاز دراسات مهمة، من قبيل نسبة إقبال الناس على الأطباء العاملين في القطاع الخاص، أو أكثر الأمراض تفشياً أو كلفة. ويشير كذلك إلى أن الأزمة في تونس تحتاج إلى مثل هذه القوانين لإصلاح نظام الجباية والتصدي للتهرب الجبائي بهدف ضخ أموال هامة في ميزانية الدولة.
يرى البعض أن سبب رفض الأطباء "نظام الفوترة"، يتمثل في طلب بعض هؤلاء مالاً أكثر من ذلك المتعارف عليه والذي يحدده الصندوق الوطني للتأمين على المرض. يُذكر أن تعرفة أطباء القطاع الخاص تبلغ 50 ديناراً (25 دولاراً). ويبدو أن أطباء القطاع الخاص الذين يهددون بالإضراب يخشون العمل ضمن "نظام الفوترة" الذي يتيح لمصالح الأداء مراقبة مداخيلهم بدقة.
سالم عبد الرحمن يتردّد على طبيب أمراض القلب منذ عام 2009. يشير إلى أنّه يدفع 60 ديناراً (نحو 30 دولاراً) على الرغم من أنّ التعرفة القانونية هي 50 ديناراً، إلا أنه لا يحتج على ذلك ولا يستطيع تغيير الطبيب، هو الذي كان قد قصده مذ بدأ يعاني من مشاكل في القلب. ويرى أنّ القانون الجديد يحفظ حق المواطن والدولة على حدّ سواء، خصوصاً أن الطبيب سيضطر إلى التقيد بالتعرفة القانونية ودفع الجباية القانونية وفق مداخليه السنوية، مشيراً إلى أنه لا يرى أي مشكلة في تضمن الفواتير أسماء المرضى ونوع المرض الذي يعانون منه، ولا يعدّ الأمر خرقاً للسر المهني.
في المقابل، يؤكد وزير المالية سليم شاكر أنّ قانون المالية لعام 2016 لم يأت بجديد، مضيفاً أن السرّ المهني أُخذ بعين الاعتبار. ويشير إلى أنّه ليس من الضروري أن تتضمن الفاتورة أسماء المرضى ونوعية الفحص الطبي. تجدر الإشارة إلى أن هذا القانون كان قد أقر عام 1994، إلا أنّه لم يطبق لمدة 21 عاماً. وبطبيعة الحال، يأمل الأطباء أن تؤدي احتجاجاتهم إلى اجراء التعديلات اللازمة.