يمكن للأطفال في دور الرعاية في تركيا أن يكونوا محظوظين، من خلال العائلات الحامية التي تتولى دور الرعاية والحب لهؤلاء، على أن تتكفل الدولة التركية بمصاريفهم، من دون أن يضطروا إلى تغيير أسماء عائلاتهم.
إضافة إلى قوانين التبني التركية المطابقة نوعاً ما لروحية القوانين الغربية، تعمل الحكومة التركية على نشر الوعي حول قانون العائلة الحامية التي توفر للأطفال المتواجدين في دور الرعاية فرصة إضافية للانتقال والعيش مع عائلات تؤمن لهم ما لا تستطيع دور الرعاية تأمينه، من عاطفة وحب وعناية.
ويتواجد في تركيا أكثر من 14 ألف طفل تحت حماية الدولة، لأسباب عدة، منها وفاة أحد الوالدين، أو دخولهما السجن، أو إصابتهما بإعاقات، أو تخليهما عن الطفل، أو عجزهما عن العناية به، بينهم نحو ستة آلاف طفل يستفيدون من نظام العائلة الحامية.
ويختلف قانون العائلة الحامية عن قانون التبني، إذ يحتفظ الطفل بلقبه الذي حصل عليه من والده البيولوجي، ويبقى على صلة دائمة بعائلته البيولوجية، بينما تحتفظ الدولة التركية، بموجب هذا القانون، ومن خلال وزارة العائلة والسياسات الاجتماعية، بحق الوصاية القانونية على الطفل، وهو ما تؤكده رئيسة جميعة العائلات الحامية في مدينة إسطنبول، فيليز سويور. وتقول إن "نظام العائلة الحامية هو نوع من الخدمة تقدم للأطفال الخاضعين لرعاية الدولة كي يكبروا في كنف عائلة، لأن هؤلاء الأطفال يحتاجون إلى الحب والرعاية النفسية والشعور بالارتباط والأمان. وحتى لو كانت الظروف في دور الرعاية جيدة، يبقى هذا ناقصاً دوماً". تضيف: "في حال التبني، تحصل العائلة على جميع الحقوق القانونية والوصاية المتعلفة بالطفل، ويحمل الطفل لقب العائلة الجديدة، وبالتالي يصبح الطفال ابناً بيولوجياً للعائلة. وبشكل عام، فإن الطفل المتبنى قد يكون فقد والديه. في المقابل، يحافظ الطفل في نظام العائلة الحامية على لقبه، ويبقى تحت حماية الدولة، وتتشارك العائلة رعاية الطفل مع الدولة. على سبيل المثال، إن رغبت العائلة في قضاء عطلة خارج المدينة، لا بد من أن تأخذ إذناً لاصطحاب الطفل. وفي حال السفر إلى خارج البلاد، أو في حال الرغبة باستصدار جواز سفر، لا بد من أن يحصل الأمر بحضور الموظف الذي يتولى دور الوصي على الطفل".
وبحسب القانون، لا بد من أن يكون المتقدم للقيام بدور العائلة الحامية مواطناً تركياً يقيم في البلاد بشكل دائم، وعمره ما بين 25 و65 عاماً، وأن يكون قد أتمّ التعليم الابتدائي على الأقل، ويتقاضى دخلاً منتظماً، وألّا يكون أي من أفراد العائلة الحامية قد حكم عليه قضائياً بالحبس لمدة عام أو أكثر في جريمة ارتكبها عمداً سواء ضد الأفراد أو ضد المجتمع أو ضد الدولة، وألا يعاني المتقدم أو أي من أفراد عائلته من أمراض معدية أو نفسية أو إعاقات بدنية. وفي حال كان متزوجاً، عليه أن يتقدم بطلب برفقة زوجته. ويسمح القانون للنساء والرجال غير المتزوجين التقدم بطلب تولي دور العائلة الحامية، وتكون الأولوية للدائرة القريبة من الطفل، سواء كانوا أقارب أم جيران أم أصدقاء للعائلة.
إلى ذلك، تقول أمينة (50 عاماً): "أنا متزوجة ولدي ولدان. لطالما وددت أن يكون لي طفلة، لكن الأمر لم يحدث ولم أعد قادرة على الحمل. كنت أتحدث مع صديقاتي عن دور التنشئة والأيتام، وقررت أن أزور أحد هذه الدور في عام 2013، ووقعت عيني على عائشة ذات الأعوام الثلاثة. عدت إلى المنزل وتحدثت مع زوجي وولدي في الأمر، واتفقنا على أن نتقدم لنصبح عائلة حامية لعائشة، والتي كان قد مضى على وجودها في الدار ستة أشهر، وقد قضت أعوامها الثلاثة الأولى برفقة أمها في السجن. وبعد الموافقة على الطلب، جاءت عائشة إلى منزلنا لتملأه فرحاً وسعادة وتعيد إلينا الحياة. وما زالت عائشة تزور والدتها البيولوجية في السجن كل شهر".
وتعمل الدولة التركية على مساعدة العائلات التي تتقدم لتصبح عائلات حامية، وتتكفّل بدفع كافة مصاريف الطفل الشهرية للعائلة الحامية، والتي تختلف بحسب العمر. تدفع الدولة التركية راتباً شهرياً قدره 557 ليرة تركية لمن لم يتجاوز الثالثة من العمر، و836 ليرة لمن هم ما بين الرابعة والخامسة، و956 ليرة لمن هم ما بين السادسة والرابعة عشةر من العمر، و1077 ليرة لمن هم ما بين 15 و18 عاماً. وفي حال أتم الطفل التعليم العالي، تستمر الدولة بدفع راتب شهري قدره 1220 ليرة إلى حين إنهاء تعليمه، إضافة إلى دفع تأمين الطفل الصحي ومصاريف الملابس مرتين سنوياً والقرطاسية وبعض الدورات التعليمية. وخصصت الدولة التركية كوتة نسبتها ثلاثة في المائة للأطفال المشمولين بنظام العائلة الحامية وأبناء الشهداء، للاستفادة من الدعم الذي تقدمه للراغبين بالتقدم إلى المدارس الخاصة.
رغم ذلك، لا يبدو أن الأمر سهل دائماً مع الأطفال. وتؤكد مينا (45 عاماً)، أن العملية تبدو أكثر تعقيداً مع الأطفال الأكبر سناً. تقول: "كان أحمد في العام الثامن من عمره عندما انضم إلى عائلتنا، ولم يكن يشعر بالأمان والارتباط. وكعائلة، كان لدينا توقعاتنا، فيما بدا الأمر مختلفاً بالنسبة إلى الطفل، وقد حاولنا ما في وسعنا مساعدته وتقديم الدعم العاطفي له، خصوصاً أنه كان يعاني من صعوبات في التعلم. في المقابل، عانى ابني علي من الغيرة، وصار الولدان في حالة منافسة. مع مرور الوقت، لجأنا إلى معالج نفسي، وتمكنا من تجاوز الأمر. ولن أنسى اليوم الذي بكى أحمد حين تعرض علي لوعكة صحية واضطررنا إلى نقله إلى المستشفى".
وعن إمكانية تراجع العائلة الحامية عن الاهتمام بالطفل، تقول سويور: "كما أنه يمكن أن يتطور أمر العائلة الحامية إلى التبني في حال توقفت العائلة البيولوجية عن التواصل مع الطفل، وفي حال موافقة المحكمة، من الممكن أن تتراجع العائلة الحامية، وحصل الأمر معنا مرات عدة. على سبيل المثال، لم تتمكن إحدى العائلات من تجاوز الصعوبات التي تترافق ودمج الطفل مع العائلة. ورغم محاولتنا المساعدة بشتى الطرق، عاد الطفل إلى الدار مرة أخرى".