شهدت أفغانستان، إبان حكم "طالبان"، تدنياً في المستويين التعليمي والتربوي، حتى وصف التعليم فيها آنذاك بالأضعف على مستوى العالم، ورغم التطور الملحوظ الذي سُجل منذ العام 1999، حيث ارتفعت على سبيل المثال نسب الالتحاق بالنظام التعليمي الرسمي من 4% في عام 1999 إلى 79% في العام 2010، إلا أنه ما زالت هناك عقبات كثيرة لا بد من تخطيها للوصول لمستويات أعلى ولا سيما في ما يخص تعليم الفتيات.
تعتبر فتيات المناطق النائية والريفية الأكثر تهميشاً واستبعاداً من النظام التعليمي، وتزيد نسبة التهميش مع ارتفاع نسب الفقر والمستوى الاقتصادي المتدني للأسر. وفرص التعلم بالنسبة لهن تحفها العديد من العقبات، مثل الزواج المبكر، وقلة عدد المعلمات في قطاع التعليم.
من المعروف أن نسب من يلتحقن بالتعليم الثانوي في أفغانستان نسب ضئيلة للغاية. ونسبة الإناث غير الأميات في الفئة العمرية من 15-24 تصل إلى واحدة من بين خمس فتيات.
في ظل هذا الوضع وهذه المشاكل المركبة حاولت العديد من الهيئات والمؤسسات العاملة في المجال الخروج بحلول مبتكرة وأكثر توافقاً مع البيئة المحلية، كان من بين تلك الهيئات Butterfly Works الهولندية العاملة في مجال الابتكارات الاجتماعية للدول ذات الاقتصاديات الضعيفة. وتتخصص في مجالي التعليم والاتصالات، وتعتمد على فكرة التعرف على الاحتياجات من المعنيين على أرض الواقع، لبناء وتصميم أفكار ومشاريع فعالة.
فكرة المشروع
فكرة المشروع تتلخص في تحضير وتوفير المادة التعليمية الخاصة بالمرحلة الثانوية - الصفوف من السابع إلى الثاني عشر- (أحياء - فيزياء - كيمياء -رياضيات - لغة إنكليزية) عن
طريق تسجيلات مرئية تتم في أحد استوديوهات كابول ويتم توزيعها من خلال بطاقات الـ SD التي يمكن أن يتم تثبيتها على الهاتف المحمول ومن ثم توفير المادة من خلال المحمول.
توفير الدروس سوف يساعد المعلمات أولاً من خلال رفع درجة وعيهن، من ناحية سوف تساعدهن على تفعيل العملية التعليمية داخل الصف، من خلال استراتيجيات تعليمية أكثر تفاعلا مع الطلاب، مما يرفع من درجة جودة التعليم المقدمة. كما يمكن التشبيك بين الهاتف وجهاز عرض (projector) للتفاعل الكامل في الصف.
صممت المادة العلمية بحيث يمكن تنزيلها على بطاقات SD من خلال استخدامها في الهواتف العادية، مثل نوكيا 101، وليس بالضرورة أن تكون الهواتف من النوعية الغالية أو الذكية.
كما يمكن الاستفادة من هذه البطاقات وما عليها من مادة تعليمية في نوادي الشباب والأنشطة اللاصفية. وليس هناك ما يمنع من أن تستفيد الطالبات من المادة العلمية في البيوت للمراجعة أو التعليم الذاتي، وبالإضافة إلى كل ما سبق هناك "خط ساخن" للإجابة على استفسارات المعلمات بعد عرض المادة العلمية مع المدربين الأكفاء الذين قاموا بتحضير وتصميم المادة.
مراحل المشروع
تم تطبيق المرحلة الأولى من المشروع في منطقة "بروان" وهي منطقة ريفية قريبة من كابول العاصمة، واستهدفت المرحلة التجريب على أرض الواقع وكانت ناجحة، فالقرى المحيطة بكابول بالرغم من أنها خارج نطاق تغطية خطوط الإنترنت والكهرباء إلا أن هناك طرقاً معبدة ويسهل الوصول إليها. أما في المرحلة التي تلت ذلك، فقد تم التوسع في منطقة "بلخ" بعدما وجدت المنظمة أن هناك احتياجاً كبيراً، وانهياراً شبه كامل للمنظومة التعليمية وبصورة خاصة تلك التي تستفيد منها الفتيات. كما أن المجتمع المدني كان على استعداد كبير لتقبل الأفكار الجديدة.
إشراك المجتمع المدني
في الأصل تقوم الهيئة بإشراك المجتمع المدني للخروج بالفكرة والحل الأمثل للمشكلة بصورة جماعية من خلال عدد من ورش العمل، تم ضم عدد من الشباب، ممثلين عن وزارة التربية والتعليم الأفغانية وكذلك قادة المجتمع وأولياء الأمور والمعلمات، إلى هذه الورش، يتلو ذلك
مرحلة من البحث والدراسة المتعمقة مع أصحاب المصلحة، وهي المرحلة التي أظهرت بصورة جلية أن الحل لا بد من أن يرتكز على مرتكزين:
- تنمية مهارات المعلمات من خلال الاستفادة من بعض الكوادر المدربة والكفاءات الموجودة.
- تقديم " قدوة" للفتيات لتحفيزهن على استكمال مشوار التعليم.
إلا أن التوسع في المشروع هي فكرة في حد ذاتها احتاجت لكثير من المناقشات وورش العمل، يمكن أن نقول إن " الفكرة المبهرة" هي مشروع نابع من رحم المجتمع المدني وإن المشروع تم تطويره وتحسينه بصورة مستمرة أثناء التطبيق بفضل التغذية الراجعة والانفتاح على المجتمع مما سمح له بالتوسع.
تم الاتفاق مع مقدم خدمة الهواتف الخلوية "روشان" على تخفيض التكاليف الخاصة بالهواتف في المنطقة مما ساعد على استدامة المشروع، ومن ناحية أخرى كان هناك تعاون وثيق مع وزارة التعليم الأفغانية التي ساعدت على الوصول للمدراس الثانوية للفتيات والتي عملت على توسيع المشروع في مناطق جديدة. وقد كان إشراك الوزارة منذ اليوم الأول في المشروع أمراً مهماً للغاية، لأنه يضمن استدامة المشروع كما أن الخط الساخن يعتبر فرصة سانحة للتأكيد على المعلومات التي حوتها دروس الفيديو المسجلة، وهي مفيدة للمعلمات قبل الطالبات.
نجاحات
في المرحلة الحالية يتم تسليم المشروع لهيئتين دوليتين للتوسع فيه، هما هيئة "أوكسفام" و"CHA"، وذلك بعدما شاهدا النجاح الكبير الذي أحرزه المشروع، فقد زادت نسب النجاح للفتيات في المرحلة الثانوية في المواد كلها ما بين 8-15%، كما أن نسبة التسرب كانت في خلال فترة تطبيق المشروع في انخفاض مستمر.
كما أن الوزارة أعلنت عودة عدد من المتسربات لمقاعد الدراسة مرة أخرى، أما بالنسبة للمعلمات فقد شهدن تطوراً كبيراً في مستوى أدائهن من ناحية، وكان الدليل على هذا ترقية العديد منهن لصفوف أعلى.
هذا بالإضافة لمطالبات أولياء الأمور والعاملين بالوزارة لتوسعة المشروع، ولكن القائمين على المشروع وجدوا أن الأهم في المرحلة الراهنة هو التركيز على استكمال باقي دروس المواد كلها، وإضافة المواد التي لم تكن ضمن المشروع في المرحلة السابقة مثل اللغة الإنكليزية وتدريس الحاسب الآلي، فهي أمور مهمة لسوق العمل.