أفغانستان.. بنات يحترقن من أجل التعليم

30 سبتمبر 2015
ثمة طالبات أفغانيات يرفضن الاستسلام لتهديدات المسلحين (Getty)
+ الخط -
رغم الكثير من العقبات والبلايا التي يواجهها الشعب الأفغاني بسبب الحروب الدامية التي تشهدها البلاد منذ عقود، والتي أثرت سلبا على كافة قطاعات الحياة، بما فيها قطاع التعليم، وعلى وجه الأخص تعليم البنات. غير أن هذا القطاع أحرز تقدما كبيرا خلال العقد المنصرم، فبعد أن كان عدد الأطفال في المدارس نحو مليون طفل في عام 2001م أصبح بنهاية العام المنصرم، حسب الإحصائيات الرسمية، ما يقرب من عشرة ملايين طفل في المدارس الأفغانية، إلا أن المؤسف هو أن عدد البنات في المدارس أقل بكثير مقارنة بعدد البنين.

وإذا عدنا إلى الوراء قليلا فعندما سقطت حكومة طالبان، التي كانت تمنع البنات من الذهاب إلى المدارس في عام 2001م، وشكلت الحكومة الديمقراطية برئاسة حامد كرزاي، حينها أعلنت الحكومة أن تعليم الأطفال، وبالتحديد تعليم البنات، من أهم مهامها.

ومنذ ذلك الحين جذبت أفغانستان بلايين الدولارات بهدف توفير فرصة التعليم للأطفال عموما، وللبنات على وجه الخصوص، إذ أنهن حرمن من التعليم الأساسي طيلة فترة طالبان.

حرق المدارس
ورغم جميع الثغرات الموجودة في عملية تعليم الفتيات، والفساد المالي والإداري المستشري في قطاع التعليم عموما، إلا أن عدد الفتيات كان يزداد بصورة مضطردة خلال الأعوام الأولى من حكومة كرزاي. ولكن سرعان ما انخفض هذا العدد بعد ما تدهورت الأوضاع الأمنية، خاصة في المناطق الريفية النائية.

ولم تكتف الجماعات المقاتلة بتهديد الآباء الذين يرسلون بناتهم إلى المدارس، وقتل بعضهم، بل أقدموا على تدمير وتفجير المدارس، وقد تم تفجير عشرات المدارس خلال الأشهر الماضية. منها على سبيل المثال ثانوية بوديالي بمديرية خيوه في إقليم ننجرهار شرقي البلاد. حارس المدرسة جان غل يقول إن المسلحين أتوا في ظلام الليل إلى الثانوية الوحيدة في المديرية قبل أسبوعين، وزرعوا فيها المتفجرات ثم فجروها. وبعد التفجير أضرموا النيران في المبنى ما أدى إلى تدميره بشكل كامل، لتصبح نحو 850 من بنات الأفغان بلا تعليم.

يقول المتحدث باسم إدارة التعليم الإقليمية أصف شنواري إن المسلحين دمروا وأحرقوا الثانوية الوحيدة للبنات في المنطقة، ليثبتوا أنهم أعداء التعليم. موضحا أن الإدارة سوف تستأجر منزلا أو منزلين في القرية القريبة من المدرسة، كي تواصل البنات عملية التعليم، ولكننا نأمل أن نجد في العاجل القريب حل لهذه المعضلة. ويوضح المسؤول أن الحادث ليس وحيدا في المنطقة، بل سبق وأن فجر المسلحون العديد من مدارس البنات.

إضافة إلى حرق المدارس وبناتها أقدمت الجماعات المسلحة على إغلاق عشرات المدارس للبنات خاصة في جنوب أفغانستان وفي وسطها بل وبالقرب من العاصمة كابول. ففي مدينة بول عالم عاصمة إقليم لوجر المجاور للعاصمة كابول تلقت مدارس البنات تهديدات من قبل طالبان، وبالتالي أغلقت العديد منها أبوابها أمام الطالبات، من بينها ثانوية بورك الواقعة في ضواحي مدينة بول عالم، والتي كان تدرس فيها حوالي 1500 طالبة.

يقول أحد شيوخ القبائل محمد حبيب أن مجموعة كبيرة من مسلحي "طالبان" جاءوا إلى قريتنا، وجمعوا شيوخ القبائل وزعمائها، ثم أمروهم بمنع البنات من الذهاب إلى المدارس، وإغلاق كافة مدارس البنات المتواجدة في المنطقة. وأضاف الزعيم القبلي أن أحد قادة طالبان قال للقبائل في خطاب إن البنات لا يحق لهن الذهاب إلى المدارس، إلا البنات اللاتي يدرسن في الصف الأول والثاني والثالث، بشرط أن لا تذهب المدرسات إلى المدارس ويدرسهن أساتذة مسنون.

ويضيف الشيخ أن طالبان أمرت كذلك بمنع البنات من الذهاب إلى معهد تدريب المعلمات، الوحيد في المدينة. ومن ثم لم يكن لدى القبائل بد سوى إغلاق كل تلك المدارس.
كذلك أغلق المسلحون في إقليم هلمند 15 مدرسة للبنات هذه الأيام بحجة أنهن يخرجن من المنزل دون محرم. إغلاق المدارس كما أنها تدمر حياة ناشئة البلد، فهو كذلك يؤثر سلبا على حياة عامة المواطنين إذ أن مئات من المعلمين والمعلمات اللاتي يدرسن في المدارس التي أغلقت بيد المسلحين باتوا بل وظيفة.

تسمم البنات
علاوة على ما سبق إن مواصلة الدراسة تعرض البنات في مناطق كثيرة من أفغانستان لمخاطر عديدة، منها أيضا تسمم البنات من قبل المسلحين، وقد زادت أحداث التسمم في الآونة الأخيرة، ووصلت عدده إلى العشرات، تم من خلالها تسمم مئات الطالبات. ووقعت آخر تلك الأحداث في مديرية بهسود بإقليم وردك حيث تم نقل 31 طالبة كلهن في الثانوية إلى المستشفيات القريبة.



ثمة ظاهرة أخرى وهي الهجوم على الطالبات بماء الأسيد أو ماء النار. وإن كان عدد أحداث الهجوم بماء النار على البنات قليلة، ولكنها موجودة في جنوب البلاد. إذ تعرض في مدينة قندهار معقل طالبان أكثر من مرة بنات المدارس لهجوم بماء الأسيد من قبل مجهولين، أدى إلى إصابة أكثر من عشرة بنات. كما تعرضت المدرسات والطالبات أكثر من مرة لهجوم مسلح، أدى إلى مقتل العديد منهن.

أيضا، تعد العادات والتقاليد الموروثة من أهم العقبات في وجه تعليم البنات في أفغانستان. الكثير من الأفغان لاسيما في المناطق الريفية لا يعترفون بتعليم بناتهم. زاهدالله خان أحد المعلمين في شرق أفغانستان يعتبر العادات الموروثة ومواقف الآباء الرافضة لتعليم البنات من أهم العقبات التي تحول دون تعليم البنات، يقول أن الكثير من الآباء في أفغانستان يروون أن البنت لابد وأن تتزوج بعد سن الـ15، وبالتالي هم لا يعترفون أصلا بمبدأ تعليم البنات، ولا يسمحون للبنات فوق السابعة الخروج إلى المدرسة. لذا فإن عددا قليلا من البنات يصلن إلى المعاهد والجامعات.

دراسة في المنازل
إن هذه وغيرها من العقبات منعت الكثير من البنات من الذهاب إلى المدارس. لكن ثمة بنات، يصل عددهن إلى المئات، رفضن الاستسلام لتهديدات المسلحين ولكافة العقبات التي تحول دون تعليمهن، واخترن الطريق التي اختارت أمثالهن إبان حكم طالبان، إنها الدراسة داخل المنازل.
في منزل صغير من الطين بمديرية سنجين في إقليم هلمند تجمع حوالي عشرين طالبة تتراوح أعمارهن بين 7 و15 عاما، كلهن يدرسن الكتابة والقراءة والقرآن الكريم مع فتاة تدعى زينب البالغة من العمر 25 عاما التي درست الثانوية فحسب.

اقرأ أيضا:هل يصبح التعليم المنزلي بديلاً لمشكلات المدارس؟

تقول الفتاة إن الوضع الأمني من جهة والعادات الموروثة من جهة أخرى تحول دون ذهاب البنات إلى المدارس، حيث لا يقبل الكثير من الآباء أن تواجه بناتهم أي نوع من الخطر، وبالتالي هم يمنعون البنات من الذهاب إلى المدارس. من هنا قرر عمه جل وهاب أن يصنع مدرسة صغيرة لبنات القرية في منزله.

هذه المدرسة الصغيرة تفتقر إلى الكتب وكثير من الاحتياجات الدراسية، ولا أحد يتعاون معها إلى العم جل وهاب، كما تدعي زينب وأمها زرمينه خان.
بدوره، يطلب العم جل وهاب من الحكومة الأفغانية أن تتبع طرق تناسب الوضع في كل إقليم. ويرى أن البنات لا يستطعن الذهاب إلى المدرسة، وبالتالي على الحكومة أن تنمي فكرة المدارس داخل المنازل، حتى ولو كان عدد الطالبات أقل، وحتى لو كان لها نتائج أقل من المطلوب.

وتعليقا على الظاهرة يرى الناشط الحقوقي وأحد المعنيين بتعليم البنات المعلم لعل محمد أن الهدف إذا كان تعليم البنات وتثقيفهن فلابد وأن تختار الحكومة أي طريق تنفع بهذا الشأن، ولعل تعليم البنات من خلال المدارس المنزلية أكثر نفعا في الظروف الراهنة، خاصة في المناطق التي يسودها العنف والعادات القبلية التي تحول دون خروج البنات إلى المدارس.
وبهذا الصدد لا توجد أي إحصائية تشير إلى عدد المدارس المنزلية للبنات إلا أن قبائل الجنوب في أفغانستان تؤكد أن الفكرة بدأت تنتشر بسرعة فائقة، في ظل التوتر المتنامي، وأن هناك أعداد كبيرة من المدارس المنزلية، تدرس فيها مئات الطالبات بعيدا عن أنظار الحكومة ووسائل الإعلام.

كما يجدر الإشارة إلى أن في بعض الأقاليم تمكن زعماء القبائل من فتح المدارس للبنات بشروط طالبان، وذلك من خلال حذف بعض المواد الدراسية، وأن تلبس الطالبات والمدرسات الحجاب.

هذا ويرى معظم الأفغان أن الحكومة الأفغانية والمؤسسات المعنية لم تلعب دورها الحقيقي إزاء تعليم وتثقيف البنات. وبينما تدعي الحكومة أن الكثير من مدارس البنات أغلقت بسبب الوضع الأمني الخارج عن طاقته، إلا أن نشطاء المجتمع المدني يروون أن ثمة أعداد كبيرة من مدارس البنات لا مباني لها، وهي تفتقر إلى الكتب وغيرها من الاحتياجات المدرسية. كما وأن الحكومة لم تختار الطرق المناسبة لتعليم البنات وتثقيفها، ولعل فكرة المدارس المنزلية أفضلها.

نقص الأساتذة
هذا، وتعاني مدارس البنات من نقص حاد في عدد الأساتذة، وقد أصدرت إدارة التعليم في مدينة قندهار أن الإدارة تعاني من نقص الأساتذة للبنات، مؤكدة أنها وظفت الكثير من الأساتذة والمدرسات وهن لا يعرفن اللغة المحلية، وبالتالي هناك مشكلة كبيرة بين الأساتذة والطالبات في الفهم.

إلى ذلك، الفساد المالي لعب دورا كبيرا في تدهور تعليم البنات في أفغانستان، حيث تقول التقارير الإعلامية أن المدارس التي أغلقت مؤخرا، يستلم المسؤولون رواتب أساتذتها. والأسوأ من ذلك أن عددا كبيرا من المدارس موجودة على الأوراق، ولكن مصاريفها تحول إلى جيوب المسؤولين في حين لا وجود للمدارس أصلا.

لكن في الآونة الأخيرة بدت الحكومة الأفغانية تولي اهتماما كبيرا بقطاع التعليم عموما، وبتعليم البنات على وجه الخصوص، وقد وقعت وزارة التعليم اتفاقية التعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية بقيمة 75مليون دولار لتطوير قطاع التعليم.

وأكد السفير الأمريكي لدى كابول مكن لي بمناسبة تدشين المشروع في كابول السبت الماضي أن المشروع ينفذ مع الحكومة الأفغانية ومؤسسة الطفولة (اليونيسف). وأشار بيان وزارة التعليم بهذا الشأن إلى أن الحكومة تترك الطرق التقليدية وتختار طرقا تناسب لتعليم البنات في الأقاليم البعيدة، الأمر الذي رحب به المعنيون بقطاع بتعليم البنات.

اقرأ أيضا:12 آلية لحماية المدارس ضد الهجمات المسلحة