أفكار أوروبية لمعالجة تعثّر اتفاقية اللاجئين مع تركيا

22 مارس 2020
عالقون عند الجهة التركية من الحدود (إسلام ياقوت/ الأناضول)
+ الخط -

في الآونة الأخيرة، راح كثيرون ينعون الاتفاقية الموقّعة ما بين الاتحاد الأوروبي وتركيا بشأن اللاجئين في عام 2016، إثر التشنّج الذي ظهر بين الطرفَين، على خلفيّة فتح أنقرة حدودها مع أوروبا أمام المهاجرين.

بعدما كانت العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي قد شهدت تدهوراً في الفترة الأخيرة، وُعد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بمال إضافي من قبل الأوروبيين، في خلال لقاء عُقد عبر الفيديو مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون. وفي اليوم الذي تلا اللقاء، عاد أردوغان ليغلق الحدود مع اليونان وبلغاريا بحجّة تفشي فيروس كورونا الجديد، بعدما كان قد عمد، في نهاية فبراير/شباط الماضي، إلى فتحها أمام المهاجرين الراغبين في التوجّه إلى أوروبا. وفي حين وصف الأوروبيون ذلك بأنّه عملية ابتزاز، برّر أردوغان الأمر قائلاً إنّ الاتحاد نكس في وعوده، مطالباً بتحديث اتفاقية عام 2016 الموقّعة ما بينه وبين أنقرة بشأن اللاجئين. 

ويحاول الاتحاد الأوروبي التخفيف من الضغط المفروض عليه، على خلفية التوتّر مع الجانب التركي، معتمداً خطوات عملية عدّة قد تجنّبه مستقبلاً الابتزاز السياسي فيما توفّر نوعاً من الاستقرار مع ضمان الحدّ من تدفّق المهاجرين إلى أوروبا التي تعاني جرّاء ملفّ اللجوء بالأساس. أولى تلك الخطوات هي الموافقة على زيادة المساعدات المالية لتركيا. وفي تعليق عليها، صرّح رئيس مبادرة الاستقرار الأوروبي، جيرالد كناوس، لصحيفة "أوغسبورغر ألغماينه" الألمانية أخيراً، بأنّه من الجيّد أن تُغلق الحدود أوّلاً، وهي من الشروط المسبقة للمفاوضات، وأن تتوقّف تركيا عن استغلال المهاجرين عند الحدود الأوروبية، وكذلك على الاتحاد أن يبحث المساعدات الإضافية الخاصة باللاجئين في تركيا، وهو ما فشل في القيام به قبل أربعة أشهر. أضاف كناوس أنّ المطلوب هو تأمين ستة مليارات يورو أخرى للعناية والدمج وتعليم اللاجئين السوريين في تركيا، وفي الصيف تُجرى مفاوضات جديدة حول نقاط أخرى مثل نظام منح التأشيرات الذي وعد به الأتراك والذي يسمح لهم بالدخول إلى دول الاتحاد الأوروبي، مشيراً إلى أنّ رفض منح مزيد من المساندة للاجئين بسبب الغضب من أردوغان ليس من مصلحة أوروبا.

وفي السياق، رأت خبيرة الهجرة في "مركز السياسة الأوروبية" في بروكسل، أوليفيا سوندبرغ، أنّ الوقت مناسب للاتحاد الأوروبي لإعادة التفكير في الجوانب الإشكالية للصفقة مع تركيا، لافتة إلى أنّ عواقب المشاكل الحالية والعنف والصراع العسكري في إدلب هي الأخطر على الاتفاق، في حين يعطي آخرون الحقّ لتركيا القادرة على استقبال ثلاثة ملايين لاجئ جديد مثلاً، فيما يعيش حالياً على أرضها نحو 3.6 ملايين لاجئ سوري.



تجدر الإشارة إلى أنّه في خلال قمة الزعماء الأربعة الأخيرة، طُلبت من أردوغان المساعدة في تأمين مسار لوصول المساعدات الإنسانية التي أقرّتها الحكومة الألمانية بقيمة 125 مليون يورو إلى المحتاجين في إدلب المحاصرة، بهدف الحدّ من تدفّقهم إلى تركيا ومنها العبور إلى أوروبا. وهنا يرى مراقبون أنّ المطلوب كذلك هو الضغط السياسي على روسيا بصفتها الحليف الأقوى لنظام الأسد في سورية والقوة العسكرية المهيمنة هناك، لاستمرار وقف إطلاق النار الهشّ نسبياً.

أمّا مفوّضة الهجرة في الاتحاد الأوروبي، إيلفا يوهانسون، فقد صرّحت أخيراً، في حديث مع صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" الألمانية، بأنّ المفوضية الأوروبية سوف تقدّم بعد عيد الفصح مقترحات جديدة لنظام اللجوء والهجرة الأوروبي المشترك. أضافت أنّها قد لا تكون مثالية إلا أنّها مقبولة من كلّ الأعضاء، لافتة إلى اعتقادها بأنّ الحلّ البراغماتي قد يكون آلية تضامن إلزامية لا تعمل فقط على توزيع المهاجرين إنّما تتضمّن طرقاً أخرى لمساعدة الدول الأعضاء التي تعيش تحت الضغط. وتابعت أنّ "كلّ دولة عضو في الاتحاد تعرف أنّنا ندفع ثمناً لعدم وجود نظام مشترك فعّال حتى الآن، عدا عن فقدان الثقة بين الدول الأعضاء".

في جزيرة ليسبوس اليونانية (إيهان محمد/ الأناضول)

وكانت تقارير عدّة، أحدها لصحيفة "دي فيلت" الألمانية، قد بيّنت أنّه من أجل دعم اليونان في محنتها مع اللاجئين وبعد إعلان تركيا فتح الحدود أمام المهاجرين، أعلنت المفوضية عن برنامج طوعي خاص بالمهاجرين للعودة إلى ديارهم يشمل من وصل إلى الجزر اليونانية قبل مطلع يناير/كانون الثاني 2020، وذلك بهدف عدم تشجيع المهاجرين الآخرين على الفرار من تركيا كدولة عبور إلى أوروبا. ويمكن لخمسة آلاف مهاجر أن يستفيدوا من البرنامج، على أن يتمّ التسجيل في خلال فترة شهر. ويأتي ذلك في مقابل حوافز مالية بقيمة 2000 يورو، وقد يساعدهم الاتحاد الأوروبي كذلك في البدء بحياة جديدة في بلدانهم الأصلية، وفق ما قالت المفوّضة يوهانسون. أمّا تنفيذ البرنامج فمن قبل المفوضية الأوروبية والسلطات اليونانية والمنظمة الدولية للهجرة.

وفي سياق متصل، انتقد أستاذ القانون الأوروبي في جامعة غيسن، يورغن ستوك، اعتقال المهاجرين من دون جلسة استماع أو إعادتهم مباشرة، فهذا مخالف للقانون الأوروبي. وتابع ستوك، في حديث إعلامي، أنّ الأمر يتعارض كذلك مع مهمة المفوضية الأوروبية بأن تكون حارسة للمعاهدات. يُذكر أنّ المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين كانت قد انتقدت كذلك ترحيلهم من دون حقّ الدفاع عن أنفسهم، فيما ترى اليونان أنّ هؤلاء المهاجرين يعيشون في منطقة عسكرية والبلاد في حالة طوارئ.

ومن خطوات الاتحاد الأوروبي العملية كذلك، نذكر الاتكال على تحالف الراغبين الذي بات يضمّ إلى جانب ألمانيا كلا من لوكسمبورغ وكرواتيا وفرنسا وأيرلندا وفنلندا والبرتغال التي تعهّدت كلها باستقبال 1600 من القصّر المهاجرين غير المصحوبين بذويهم، علماً أنّ أكثر من 5500 من هؤلاء موجودون اليوم على الجزر اليونانية.



في موازاة ذلك، حذّرت منظمة "برو أزول" الألمانية الداعمة للاجئين من صفقة جديدة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا على حساب حقوق الإنسان. وقال المدير التنفيذي للمنظمة، غونتر بوركهاردت، إنّ تركيا بحدّ ذاتها ليست دولة آمنة للاجئين، منبّهاً من تقويض قانون اللجوء، ومضيفاً أنّه من الأفضل أن يضغط الاتحاد الأوروبي على أردوغان حتى "توقف تركيا سياستها العدائية في شمال سورية" على حد وصفه، وحتى يثبت أنّ التمويل لمساعدة اللاجئين الموجودين في تركيا ضروري ومشروع. وفي ما يتعلق بالوضع في اليونان، شدّد بوركهاردت على أنّ المطلوب هو إطلاق سراح المهاجرين الذين يسعون إلى الحصول على حماية هناك، على الفور وبدعم من الاتحاد الأوروبي. وتابع أنّ على برلين أن تستقبل مزيداً من المهاجرين الموجودين في المخيّمات المكتظة بالجزر اليونانية. أمّا حزب الخضر الألماني، فقد دعا إلى وجوب مطالبة أردوغان بالسيطرة على حدود بلاده، وبالتوقّف عن جعل المهاجرين "ألعوبة"، فيما يتوجّب على المفوضية تقديم التزامات واضحة في ما يتعلق بالتمويل الخاص باللاجئين في تركيا.