اشتعلت الثورة في سورية وقلبت معادلة احتكار السينما، محاولةً فتح باب ربما يبشّر بعهد جديد لرواد وهواة هذا الفن. عن التجربة السورية في صناعة الأفلام الوثائقية، يقول الصحافي ومدير مؤسسة "الشارع للإعلام والتنمية"، عامر مطر، لـ"العربي الجديد"، إنّ للمخرجين السوريين تجربة طويلة مع الأفلام الوثائقية ـ التسجيلية، فتجربة السينمائي الراحل عمر أميرالاي أسست لمنطق مختلف سوريّاً للتعامل مع السينما التسجيلية".
مضيفاً: "بعد أربع سنوات من ثورة الشعب السوري، تخرج أفلام سورية لمهرجانات سينمائية مهمة في العالم، وتحصد جوائز واهتماماً إعلامياً ضخماً، وهذا إنجاز لم تحظ به السينما السورية من قبل. ذلك رغم خطورة وصعوبة صناعة الأفلام أثناء الحرب، فالعجز هو الكلمة الأنسب لوصف السينما في ساحة المعركة، كل الصور مبتورة بفعل الخوف والقلق والموت الذي يعيشه مجتمع كامل".
ويتابع: "عرض الواقع السوري، وما يعيشه الشعب السوري من نضال لمواجهة النظام العسكري، هو حلم كافح عشرات المصورين من أجل تحقيقه، وبعضهم قضى أثناء التصوير. والأفلام الوثائقية تصل لجمهور مختلف عن جمهور نشرات الأخبار أحياناً، لأنّها تتعدى اللحظة الآنية للحدث، لذلك قدمت بعض الأفلام خدمة للثورة السورية". ويشير إلى أنّ الواقع السوري الحالي غني ومغرٍ جداً لهذا النوع من السينما، "لكن ما زلنا في السطح الباهت، فمعظم ما تمّ صنعه مأسور في المقابلة الصحافية والتقرير الصحافيّ الطويل، باستثناء بعض الأفلام المهمة".
سينما الثورة
شهدت سنوات الثورة السورية التي أغلقت عامها الرابع أفلاماً ولدت من معاناة الشعب وعرضت لحظات مقدسة تمثل حفظ ذاكرةٍ سوريةٍ ستكون جزءاً من تاريخ سيُكتب يوماً، أحس السوريون بالانتماء له لأول مرة. أفلام حظيت بأضواء عالمية، وعرَضت في أعرق المهرجانات السينمائية، شباب ثائر حمل عدسته مع روحه، غارقاً في تفاصيل القصف والدمار، مخاطراً بتحوله لأشلاء في أي لحظة، وفي كثير من الأحيان وثّقت لحظة موت مصوريها، كما الشهيد باسل شحادة.
فيلم "ماء الفضة"، الذي عرض في مهرجان كان السينمائي الدولي، وكان من توقيع أسامة محمد، وصورت قسماً من مشاهده الحمصية وئام بدرخان أثناء محاصرتها وأبناء مدينتها في حمص. يحكي الفيلم سيرة الثورة السورية منذ تظاهرات درعا عام 2011 وصولاً إلى تجربة الحصار.
وآخر الأفلام كان "دفاتر العشاق" (حيطان سراقب)، الوثائقي السوري الوحيد الذي شارك في مهرجان "روتردام" الدولي. والفيلم يسلّط الضوء على مشاهد وقصص من الثورة السورية وتحوّﻻتها من خلال ما ترويه (حيطان) بلدة سراقب في ريف إدلب. يقول مخرج الفيلم، إياد الجرود، لـ"العربي الجديد": "الفيلم رسالة تحمل صوت وصورة أناس لم يعودوا موجودين وآخرين ما زالوا يحاولون الاستمرار". ويرى أنّ الاختلاف الأكبر بالنسبة لفن السينما في ظل النظام والثورة، "أننا بتنا قادرين على إيصال رسائلنا دون مرورها على جهة أمنية أو سياسية تفتح هذه الرسائل وتقرر مصيرها ووجهتها".
سينما الموبايل
غيّرت الثورة السورية بعضاً من ملامح صناعة هذا الفن. كان إيصال الصوت وعرض الواقع هو النقطة الأساسية، فتم التغاضي عن بعض الشروط التقنية والنوعية، حتى أنّ "مؤسسة الشارع للإعلام والتنمية" أطلقت مهرجاناً خاصاً للأفلام المصورة بعدسة الموبايل ليكون فرصة لاستعراض التجربة السورية، وأداة قد تساعد الكثيرين على القيام بمشاريعهم الفنية، ولو بالموبايل.
عن ذلك، يقول مطر: "قبل عام 2011 لم يكن يخطر على بال أحد مدى التأثير الذي يمكن أن يصنعه مقطع فيديو مصور بواسطة موبايل تم تحميله على اليوتيوب. ببساطة، الناس صوّرت ما حدث حولها ونشرته. عملية التفاعل مع هذه الفيديوهات هو ما منحها أهميتها، بشكل أساسي عبر وسائل الإعلام التقليدية، ومن ثم وسائل الاتصال الاجتماعية". مضيفاً: "مع تراكم الفيديوهات، بدأت تظهر ملامح فنية ترتبط بطبيعة الحدث نفسه، وكذلك بطبيعة تكنولوجيا الكاميرا المحمولة، من منطق: ليس الأعلى دقة هو أكثر وضوحاً بالضرورة". ويختم حديثه قائلاً: "تشكّل مقاطع الفيديو المصوّرة بالموبايل في بداية الثورة، ذاكرة مهمة للسوريين".
سينما النظام
في المقابل، تبقى سينما النظام محصورة في المؤسسة العامة للسينما، التي أطلقت في السنوات الثلاث الماضية منحة شبابية للأفلام القصيرة، ميزانية الفيلم الواحد وصلت إلى حدود الـ300 ألف ليرة سورية، دون أي تكاليف للمؤلف أو مخرج العمل إلاّ استعارة معدات وآليات التصوير مع بعض القهوة والشاي.
من ينظر للحدث من الخارج، يُخيّل له أن الشباب السوري يحاول ويعمل قاهراً ظروف الحرب التي تعيشها سورية، وأن مؤسسة السينما حريصة على دعم المواهب الشابة، إلاّ أنّه غطاء جديد للسرقة، بحسب مطلعين. ومن جهة أخرى، محاولة للحد من الانتقادات التي تفضح رموز المؤسسة وملفات الفساد فيها.
ما إن تدخل باب المؤسسة المتمركزة في حي الشعلان في دمشق، ستجد صورة عملاقة بحجم البناء لرئيس النظام بشار الأسد، تدخل في رحابها وتصادفك رائحة العفن في الممرات والمكاتب الصغيرة. مديرها، أحمد الأحمد، الذي شهدت السينما السورية فشلاً ذريعاً خلال إدارته، ويشاع اليوم أنه سيورث المؤسسة لابن خاله جود سعيد، مسؤول الحملة الإعلامية الانتخابية الأخيرة لبشار الأسد.
في العودة للمنح التي كانت ثمرة هذه المؤسسة، "لا تتعب بتقديم طلبك" إن لم تكن ذا ولاءٍ مطلق للأسد، وبانياً علاقاتٍ مع مسؤوليه. تكرّرت أسماء الحاصلين على المنحة مرتين وثلاثة على مدار 3 سنوات. هكذا احتُكرت السينما كما احتكرت عائلة الأسد سورية 44 عاماً، وفشلت بأيديهم عن إرادة وتصميم.
مضيفاً: "بعد أربع سنوات من ثورة الشعب السوري، تخرج أفلام سورية لمهرجانات سينمائية مهمة في العالم، وتحصد جوائز واهتماماً إعلامياً ضخماً، وهذا إنجاز لم تحظ به السينما السورية من قبل. ذلك رغم خطورة وصعوبة صناعة الأفلام أثناء الحرب، فالعجز هو الكلمة الأنسب لوصف السينما في ساحة المعركة، كل الصور مبتورة بفعل الخوف والقلق والموت الذي يعيشه مجتمع كامل".
ويتابع: "عرض الواقع السوري، وما يعيشه الشعب السوري من نضال لمواجهة النظام العسكري، هو حلم كافح عشرات المصورين من أجل تحقيقه، وبعضهم قضى أثناء التصوير. والأفلام الوثائقية تصل لجمهور مختلف عن جمهور نشرات الأخبار أحياناً، لأنّها تتعدى اللحظة الآنية للحدث، لذلك قدمت بعض الأفلام خدمة للثورة السورية". ويشير إلى أنّ الواقع السوري الحالي غني ومغرٍ جداً لهذا النوع من السينما، "لكن ما زلنا في السطح الباهت، فمعظم ما تمّ صنعه مأسور في المقابلة الصحافية والتقرير الصحافيّ الطويل، باستثناء بعض الأفلام المهمة".
سينما الثورة
شهدت سنوات الثورة السورية التي أغلقت عامها الرابع أفلاماً ولدت من معاناة الشعب وعرضت لحظات مقدسة تمثل حفظ ذاكرةٍ سوريةٍ ستكون جزءاً من تاريخ سيُكتب يوماً، أحس السوريون بالانتماء له لأول مرة. أفلام حظيت بأضواء عالمية، وعرَضت في أعرق المهرجانات السينمائية، شباب ثائر حمل عدسته مع روحه، غارقاً في تفاصيل القصف والدمار، مخاطراً بتحوله لأشلاء في أي لحظة، وفي كثير من الأحيان وثّقت لحظة موت مصوريها، كما الشهيد باسل شحادة.
فيلم "ماء الفضة"، الذي عرض في مهرجان كان السينمائي الدولي، وكان من توقيع أسامة محمد، وصورت قسماً من مشاهده الحمصية وئام بدرخان أثناء محاصرتها وأبناء مدينتها في حمص. يحكي الفيلم سيرة الثورة السورية منذ تظاهرات درعا عام 2011 وصولاً إلى تجربة الحصار.
وآخر الأفلام كان "دفاتر العشاق" (حيطان سراقب)، الوثائقي السوري الوحيد الذي شارك في مهرجان "روتردام" الدولي. والفيلم يسلّط الضوء على مشاهد وقصص من الثورة السورية وتحوّﻻتها من خلال ما ترويه (حيطان) بلدة سراقب في ريف إدلب. يقول مخرج الفيلم، إياد الجرود، لـ"العربي الجديد": "الفيلم رسالة تحمل صوت وصورة أناس لم يعودوا موجودين وآخرين ما زالوا يحاولون الاستمرار". ويرى أنّ الاختلاف الأكبر بالنسبة لفن السينما في ظل النظام والثورة، "أننا بتنا قادرين على إيصال رسائلنا دون مرورها على جهة أمنية أو سياسية تفتح هذه الرسائل وتقرر مصيرها ووجهتها".
سينما الموبايل
غيّرت الثورة السورية بعضاً من ملامح صناعة هذا الفن. كان إيصال الصوت وعرض الواقع هو النقطة الأساسية، فتم التغاضي عن بعض الشروط التقنية والنوعية، حتى أنّ "مؤسسة الشارع للإعلام والتنمية" أطلقت مهرجاناً خاصاً للأفلام المصورة بعدسة الموبايل ليكون فرصة لاستعراض التجربة السورية، وأداة قد تساعد الكثيرين على القيام بمشاريعهم الفنية، ولو بالموبايل.
عن ذلك، يقول مطر: "قبل عام 2011 لم يكن يخطر على بال أحد مدى التأثير الذي يمكن أن يصنعه مقطع فيديو مصور بواسطة موبايل تم تحميله على اليوتيوب. ببساطة، الناس صوّرت ما حدث حولها ونشرته. عملية التفاعل مع هذه الفيديوهات هو ما منحها أهميتها، بشكل أساسي عبر وسائل الإعلام التقليدية، ومن ثم وسائل الاتصال الاجتماعية". مضيفاً: "مع تراكم الفيديوهات، بدأت تظهر ملامح فنية ترتبط بطبيعة الحدث نفسه، وكذلك بطبيعة تكنولوجيا الكاميرا المحمولة، من منطق: ليس الأعلى دقة هو أكثر وضوحاً بالضرورة". ويختم حديثه قائلاً: "تشكّل مقاطع الفيديو المصوّرة بالموبايل في بداية الثورة، ذاكرة مهمة للسوريين".
سينما النظام
في المقابل، تبقى سينما النظام محصورة في المؤسسة العامة للسينما، التي أطلقت في السنوات الثلاث الماضية منحة شبابية للأفلام القصيرة، ميزانية الفيلم الواحد وصلت إلى حدود الـ300 ألف ليرة سورية، دون أي تكاليف للمؤلف أو مخرج العمل إلاّ استعارة معدات وآليات التصوير مع بعض القهوة والشاي.
من ينظر للحدث من الخارج، يُخيّل له أن الشباب السوري يحاول ويعمل قاهراً ظروف الحرب التي تعيشها سورية، وأن مؤسسة السينما حريصة على دعم المواهب الشابة، إلاّ أنّه غطاء جديد للسرقة، بحسب مطلعين. ومن جهة أخرى، محاولة للحد من الانتقادات التي تفضح رموز المؤسسة وملفات الفساد فيها.
ما إن تدخل باب المؤسسة المتمركزة في حي الشعلان في دمشق، ستجد صورة عملاقة بحجم البناء لرئيس النظام بشار الأسد، تدخل في رحابها وتصادفك رائحة العفن في الممرات والمكاتب الصغيرة. مديرها، أحمد الأحمد، الذي شهدت السينما السورية فشلاً ذريعاً خلال إدارته، ويشاع اليوم أنه سيورث المؤسسة لابن خاله جود سعيد، مسؤول الحملة الإعلامية الانتخابية الأخيرة لبشار الأسد.
في العودة للمنح التي كانت ثمرة هذه المؤسسة، "لا تتعب بتقديم طلبك" إن لم تكن ذا ولاءٍ مطلق للأسد، وبانياً علاقاتٍ مع مسؤوليه. تكرّرت أسماء الحاصلين على المنحة مرتين وثلاثة على مدار 3 سنوات. هكذا احتُكرت السينما كما احتكرت عائلة الأسد سورية 44 عاماً، وفشلت بأيديهم عن إرادة وتصميم.