بعد أن صعد نجم زعماء أحزاب سياسية في المغرب خلال السنوات القليلة الأخيرة، تزامناً مع حلول رياح "الربيع العربي"، ونسخته المغربية متمثلة في حركة 20 فبراير، بدأ نجمهم في التهاوي والأفول لأسباب سياسية موضوعية وذاتية عدة، جعلت هذه الزعامات التي يصفها البعض بالشعبوية والبعض الآخر بالشعبية تتوارى شيئاً فشيئاً خلف ستار السياسة في المملكة.
عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، الرئيس السابق للحكومة المغربية، أحد الزعامات الحزبية التي عرفت صعوداً مثيراً وسط الرأي العام السياسي، جعلته محط فضول واهتمام، ومثار إشادات وانتقادات أيضاً، قبل أن يخف هذا النجم تدريجياً بعد أن تم دفعه إلى أقصى الزاوية، عقب إعفائه من رئاسة الحكومة، ومحاولة سحب البساط من تحت رجله في الترشح لولاية ثالثة على رأس الحزب ذي المرجعية الإسلامية.
نجم بنكيران عرف صعوداً غير مسبوق وسط الطبقة السياسية والحزبية في المغرب طيلة عقود من الزمن، لا سيما خلال ترؤس حزب العدالة والتنمية للحكومة، لتكون أول حكومة يقودها "حزب إسلامي" في تاريخ المملكة، وقبلها خاض الرجل حملة انتخابية ساخنة في نوفمبر/تشرين الثاني 2011، في خضم حراك 20 فبراير، استند فيها إلى معارك حامية الوطيس. أولها ضد سلطات وزارة الداخلية، حيث كان يدافع باستماتة عن حق العدالة والتنمية في تنظيم تجمعاته الحزبية بحرية مثل أي هيئة سياسية أخرى، فيما بنى معركته الثانية على مواجهة المستشار الملكي فؤاد عالي الهمة من خلال توجيه انتقادات له، وبالمقابل كان يحرص على إبداء ولائه للمؤسسة الملكية في إطار من الاحترام الواجب.
هذا "الخليط" من المعارك الساخنة التي كان يتصدى لها بنكيران، معتمداً على بساطته في الحديث وعدم تكلّفه في الكلام، وعلى ما يسميه البعض "شعبوية" في التعامل مع الناس، أدى إلى ارتفاع أسهم الرجل بين المغاربة الذين رأوا فيه حينها السياسي القريب من لغتهم ووجدانهم، لا سيما أنه آتٍ من حي العكاري الشعبي وسط الرباط، فكان يحسن الحديث السهل البعيد عن "لغة الخشب" التي يُعرف بها سياسيون مغاربة كثيرون.
ويبدو أن "الثقة الزائدة" التي امتلكها بنكيران في فترة قيادته للحكومة، بفضل الانتصارات السياسية التي حققها في الانتخابات خصوصاً على أقرب خصومه، وهو حزب الأصالة والمعاصرة، فضلاً عن حسّه العفوي المتأصل في سلوك الرجل، جعلت بنكيران "يحفر" لنفسه "قبر" سقوط نجمه السياسي، على الأقل عند صناع القرار في البلاد.
ومن الأسباب التي أوغرت صدر الدولة على زعيم حزب "المصباح" أنه، برأي مراقبين كثر، كان يرتدي قبعتين، الأولى كرئيس للحكومة يدافع عن فريقه الحكومي وإنجازاته، لكنه خلال عطلة نهاية الأسبوع في المغرب (يومي السبت والأحد) يلبس قبعة معارض شرس للدولة خلال جولاته ولقاءاته الحزبية، ينتقد ما يسميها "التماسيح والعفاريت" في إشارة إلى جهات نافذة قال إنها تعرقل الإصلاحات.
وما فاقم الأمور تصريحات عفوية وارتجالية صدرت عن بنكيران، عمدت منابر إعلامية إلى تضخيمها لتصير قضايا سياسية مثيرة للجدل، منها قوله في حوار صحافي إن "رضا الملك لا يهمه بقدر ما يهمه رضا والدته والشعب المغربي"، وهو التصريح الذي تلقاه القصر الملكي بكثير من الاستياء حينها.
ولم يُخْف بنكيران أنه تعرض لغضبات ملكية عليه، عندما كان رئيساً للحكومة السابقة، وصرح بذلك مراراً، وقال إنها مثل غضبة الوالد على ولده عندما يخطئ، لكنه كان مصراً على أن علاقته بالملك تبقى ودية ومحاطة بكثير من الاحترام والتبجيل، غير أن الرجل أخطأ ثانية من دون أن يعلم عندما تلقف خصومه السياسيون تصريحه بشأن وجود دولتين في المغرب، واحدة يرأسها الملك وأخرى لا نعرف عنها شيئا"، فرد عليه العاهل المغربي ـ دون أن يسميه ـ في خطاب له في صيف 2016 "هناك من يطلق تصريحات ومفاهيم تسيء إلى سمعة الوطن، وتمس بحرمة ومصداقية المؤسسات لكسب أصوات وتعاطف الناخبين".
وفيما كان الكثيرون يتوقعون اندحار العدالة والتنمية في انتخابات أكتوبر/تشرين الأول 2016، بسبب تداعيات "الغضبات الملكية"، استطاع الحزب الفوز بالاستحقاقات التشريعية، فكلف الملك بنكيران بتشكيل الحكومة وفق الدستور، لكن هذا الأخير وجد عراقيل كثيرة، لتتسمر المفاوضات أكثر من خمسة أشهر، بسبب خلافات كبيرة بينه وبين زعماء أحزاب آخرين خصوصاً حزب الأحرار، فتحولت المشاورات السياسية إلى "حسابات شخصية" دفعت الملك إلى قرار إعفاء بنكيران من دون أن يستقبله رسمياً، ليشكل القرار "ضربة قاصمة" للرجل.
ولا يخفي بنكيران أنه تأثر لطريقة قرار إعفائه من تشكيل حكومته، وأنه عزم على "تطليق الحياة السياسية" بعد ذلك لولا أنه أخذ قسطاً من الراحة والتأمل، ليعود بعدها وقد انحسرت الأضواء عنه، لإطلاق تصريحات تظهره معارضاً أكثر منه زعيماً لحزب يقود الحكومة، وهو ما فسره البعض برغبته في الاستمرار أميناً عاماً للحزب مواجهاً تياراً تشكل داخل الحزب بدأ يعرف بتيار الاستيزار مكوناً من وزراء الحزب في الحكومة.