أفيقوا... سايكس بيكو في خطر!
مائة عام على مرور اتفاقية سايكس بيكو لتقسيم المنطقة العربية إلى دويلات وكيانات سياسية متعددة، والسيطرة عليها وتقاسم إرث الدولة العثمانية. هذه الاتفاقية التي جاءت بالتزامن مع اندلاع الثورة العربية الكبرى ضد الدولة العثمانية، وبدعم وتأييد من الدول الغربية الكبرى (فرنسا وبريطانيا) التي أعطت وعوداً للثوار العرب أنها إلى جانبهم في نيل استقلالهم، في سبيل إقامة الدولة العربية الواحدة.
وكما هو معروف، لم تكن تلك الوعود إلا خدعة كبرى من أجل تنفيذ مخططاتهم في السيطرة على المنطقة العربية وتقاسم ثرواتها، حيث شرعوا في إعداده قبل أسابيع قليلة من انطلاق الثورة العربية الكبرى التي اندلعت شرارتها في العاشر من يونيو/حزيران 1916.
وظهرت هذه الاتفاقية للعلن في عام 1917، بعد وصول الشيوعيين في روسيا إلى سدة الحكم، مما أثار الشعوب التي تمسها الاتفاقية، وأُحْرِجت فرنسا وبريطانيا اللتان أعطتا وعوداً كاذبة للعرب حول أحقيتهم في الاستقلال وإقامة دولتهم العربية الواحدة والمستقلة في حالة خرجوا عن عباءة العثمانيين. غير أن هذا الحلم سرعان ما تبدد بعد أن سعى الغرب إلى تقسيم المنطقة العربية إلى ست دويلات، وتعيين أمير في كل دويلة، وعمل طوال الوقت على إقحام كل دويلة في صراعات داخلية حتى تتفرع منها دويلات أخرى، مستخدماً وسائل غاية في الوضاعة والحقارة، تنفيذاً لأجنداته ومخططاته التوسعية، والمتمثلة في السعى إلى عقد المؤتمرات الدولية والمعاهدات ليمتص عضب الشعوب ويقدم نفسه كمنقذ ويظهر بمظهر المصلح بين العرب المتناحرين، والتي نتج عنها ولادة العديد من الدويلات، وشهدت كل دويلة منها مع مرور الوقت مخاضاً عسيراً حتى ولدت عنها اثنتان وعشرون دولة بعد مرور مائة عام على ولادة الدولة العربية الكبرى، التي ولدت ميتة.
وفي سياق متصل وعقب اندلاع الربيع العربي في المنطقة حاملاً شعار التغيير وإسقاط الأنظمة، وعلى الرغم من أهدافه النبيلة، إلا أن الغرب مع الطغاة، يساهمون اليوم في تجزئة المجزأ وتفتيت المفتت، ليس على أساس جغرافي فقط على غرار ما حدث سابقاً، ولكن ديموغرافي أيضاً.
وتكمن خطورة سايكس بيكو الجديدة أو "كيري لافروف آشتون" كما يسميها بعضهم، في أنها تستهدف النسيج الاجتماعي للشعوب وتسعى إلى تمزيقه. كما أنها قد تعدت الأساس الجغرافي الذي قامت عليه، واعتمدت على الأساس "الديموغرافي" في تمزيق الشعوب وتفتيتها إثنياً وطائفياً. وما تشهده معظم الدول كسورية والعراق من حملات تهجير وترحيل للشعوب على أساس ديموغرافي يرجح فرضية ذلك.
وخلاصة ما يمكننا قوله، إن العرب اليوم في وضع لا يحسدون عليه، وباتت مخرجات سايكس بيكو بعد مائة عام من تمريرها هى الأساس النظري الضامن لاستقرار المنطقة. فلم تعد شعوب المنطقة تطالب الآن بدولة الخلافة ما قبل سايكس بيكو، أو تطالب بأهداف الثورة العربية المغدورة في إقامة الدولة العربية الواحدة أو تطالب بسايكس بيكو في مراحلها الأولى. فمطالب وأماني وأحلام شعوب المنطقة في المرحلة الراهنة هي المحافظة على سايكس بيكو في مراحلها الأخيرة وبمخرجاتها الأخيرة المنبثقة عنها اثنتان وعشرون دولة.
فأحلامنا هي أن تبقى سورية الجديدة هي سورية سايكس بيكو لا سورية "لافروف كيري"، أي سورية ما بعد مؤتمر سان ريمو عام 1920، بعد انفصال لبنان عنها، وسورية ما بعد معاهدة لوزان 1923 والتي تضمنت تنازل الأقاليم السورية الشمالية لإرضاء تركيا الأتاتوركية، والتي يسعى الغرب الآن إلي جعلها مع الأقاليم العراقية والتركية دولة واحدة نكاية بتركيا الأوردغانية.
وأحلامنا أيضاً هي أن يبقى العراق هو عراق (سايكس بيكو) لا عراق (ظريف كيري). وأن تبقى مصر هي مصر سايكس بيكو بعد انفصال السودان عنها في عام 1956 لا أن تكون مصر بدون سيناء، حيث يسعى السيسي وأسياده لدمجها مع غزة، فيكونا الدولة الفلسطينية البديلة.
أمانينا هي أن تبقى ليبيا ودول المغرب العربي وكل الدول العربية هي دول سايكس بيكو لا دول (كيري لافروف آشتون).
وجل أمنياتنا، أن يفيق العرب ويستجمعوا قواهم دفاعاً عن خارطة الغرب القديمة التي لا غنى لنا عنها في المرحلة الراهنة. المهم أفيقوا فسايكس بيكو في خطر!.