منذ مطلع القرن العشرين في جانبه العربي، القرن الذي بدأه السيدان سايكس وبيكو، بدأت حركة إنشاء الحارات السياسية في هذا الوطن، وبالتوازي معها بدأت أيضاً حركة إنشاء الحارات الثقافية.
صحيح كانت هناك مقاومة باسلة على كل صعيد؛ في السياسة والثقافة والفن بل وحتى المعمار؛ إلا أن هذه الحركة التي ندعوها بالقومية، تعرضت للهدم من الداخل والخارج على حد سواء.
وصار لكل حارة فتوات ثقافيون ومخاتير وجندرمة، وأصبح على الكاتب والشاعر والفنان والمهندس والسياسي، أو "المثقف" الالتحاق بحارته، وإلا فقد هويته وراتبه ومستقبله، أو سلخ جلده حياً أحد جندرمة الحارات.
هذا التشقق غير العقلاني، وهذه الصدوع والأثلام التي نتعثر بها كلّما أراد كتابنا أو كلامنا السفر، سواء اتجهنا شرقاً أو غرباً، أصبح الآن من صناعتنا، وعليه مدار فعلنا وتفكيرنا، في وقت تتجمع فيه حتى الكتل القارية التي باعدت بينها فكراً ومادة حروب كونية، وفي وقت تتقارب فيه اللغات وتختلط الألوان ولا يغتفر فيه للمنفرد والنائي لا انفراده ولا نأيه.
إننا نخوض حتى على الصعيد الثقافي حرب أقزام يسكنون في حبات جوز، ويحرص كل واحد منهم على أن تكون جوزته هي العالم، والعالم جوزته.