رفض نحو 70 ألف مصري يعانون من القزامة، من الذين تنطبق عليهم مباشرة الحقوق السياسية، المشاركة في أي من استحقاقات الحياة السياسية في البلاد خلال الفترة الماضية، سواء الاستفتاء على الدستور أو الانتخابات الرئاسية أو الانتخابات البرلمانية أخيراً. وقد فضّل كثيرون منهم الجلوس في المقاهي والبقاء في الطرقات بدلاً من التوجّه إلى صناديق الاقتراع، على خلفية تجاهل الحكومة مطالبهم الصحية والاجتماعية والنفسية وكذلك حاجتهم الى العمل طبقاً لمواد الدستور.
يعيش أكثر من 85 ألفاً من الذين يُطلق عليهم اسم أقزام فيما هم يفضّلون الإشارة إليهم بقصار القامة، في أوضاع اجتماعية ونفسية صعبة، سببها ظروف الأمية والبطالة والفقر التي يعانون منها بالإضافة إلى عدم تقبّلهم من قبل عدد كبير من الناس وعدم اندماجهم في الحياة اليومية، وإلى النظرة السلبية التي ينظر بها البعض إلى هذه الشريحة المهملة.
ويشتهر الأقزام في مصر بالعمل في مسح الأحذية أو كنس الشوارع أو العمل في الحدائق العامة أو العمل "كومبارس" في الأعمال الدرامية. كذلك يعمل بعضهم "تبّاع" (بمثابة مساعد سائق)، بالإضافة إلى باعة في وسائل المواصلات. هم أيضاً يعمدون إلى التسوّل، فيما يتوه آخرون وسط الشوارع ويغرقون في مشاكل اجتماعية وصحية لا حصر لها.
قصد عدد من هؤلاء وزارات ومصالح حكومية ودواوين محافظات، من أجل إسماع أصواتهم وتسليمها نسخة من قرار قضائي مصري طالبت فيه الدولة كل مؤسساتها بالتزامها دستورياً من أجل ضمان حقوق الأشخاص المعوّقين والأقزام، صحياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وترفيهياً ورياضياً وتعليمياً، بالإضافة إلى توفير فرص عمل لهم. لكنّ أجهزة الأمن المتمركزة أمام تلك المصالح رفضت إدخالهم هازئة منهم، فيما استلمت وزارات عدة طلباتهم من دون الردّ عليهم. وقد أصابهم ذلك بحالة من الإحباط، بينما رفضت وسائل إعلام كثيرة تبنّي قضيتهم من أجل إيصال أصواتهم إلى الجهات المسؤولة. يُذكر أنّ "جمعية الأقزام المصرية" في محافظة الإسكندرية التابعة لوزارة التضامن الاجتماعي، هي الكيان الرسمي الوحيد الذي يرعى تلك الفئة. لكنّها لا تستطيع الاهتمام بكل مشاكلهم وبالمخاطر والتحديات التي يواجهونها في حياتهم.
في مقهى في منطقة الكوم الأخضر في شارع الهرم في محافظة الجيزة، التقت "العربي الجديد" عدداً من قصار القامة. هناك، العمال والمترددون على المقهى من الأقزام الذي يصطحبون عادة أصدقاء لهم من أصحاب القامات العادية. يقول محمد حسان: "رفضنا المشاركة في أي عمل سياسي بسبب تجاهل الحكومة لمطالبنا. على الرغم من عددنا الكبير في المحافظات، إلا أنّ أحداً لا يشعر بنا. كثيرون منّا تقوقعوا داخل منازلهم وأصابهم الاكتئاب". يضيف أنّ "الإعاقة الحقيقية هي إعاقة التفكير، ولا بدّ من توعية المجتمع للحدّ من النظرة الدونية أو الساخرة التي توجّه إلينا، فنظرة الناس إلينا تحرقنا كلما مشينا في الشارع". ويشير إلى أنّ "مجلس النواب المقبل لا يمكن له أن يتبنّى مطالبنا، نظراً لظروفنا الاجتماعية على الرغم من التطبيل للدستور الذي أكد منح الأقزام شهادة 5% للتعيين من ضمن نسبة المعوّقين في كل المؤسسات". ويسأل: "لماذا رفضت الدولة حقنا في الحصول على سيارة مجهزة كما كان الحال في الماضي؟". وإذ يشدّد على أنّ "القزم هو إنسان طبيعي يعمل ويجتهد ولا ذنب له في إعاقته"، يطالب بضرورة "إدراج الأقزام من ضمن الفئات التي تعالَج على نفقة الدولة، لأنّ التأمين الصحي لا يشمل كثيرين منهم وظروفهم المادية لا تسمح بتلقي العلاج اللازم في المستشفيات الخاصة".
من جهته، يشير شعبان أحمد إلى أنه رفض المشاركة في انتخابات البرلمان على الرغم من حقه القانوني، وذلك بسبب "عدم اقتناعي بعدد من المرشحين، بالإضافة إلى أنّ عدم وجود أشخاص من أصحاب الاحتياجات الخاصة تحت قبّة البرلمان يزيد من مشاكلنا ومعاناتنا اليومية. لا أحد يسأل عنا، ولا أحد يشغّلنا". يضيف أنّ "كثيرين من أمثالنا أصبحوا ضحايا، سواء بالموت أو بالحياة من دون هدف ولا معنى". ويتابع: "نحن نتعرّض يومياً إلى مضايقات سخيفة وسخرية من المجتمع ككل، نتيجة قصور اهتمام الدولة. يعاملنا الناس كأننا كائنات غريبة".
أما عبد السلام عبد العزيز، فيقول: "نحن نعاني الأمرّين في مصر بسبب ظروفنا. لا نستطيع العيش في الحياة كأسوياء، ولا نستطيع إثبات وجودنا في الحياة من خلال العمل. نحن لا نعرف كيف نعيش كأشخاص طبيعيين ولسنا قادرين على إثبات حقنا في معاملة لائقة".
في السياق، يقول الباحث في المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية الدكتور محمود بسطامي إنّ "رفض مشاركة هؤلاء في ممارسة حقوقهم السياسية، هو رفض لحقّ أصيل لهم. المجتمع والدولة ينظران إليهم كما لو كانوا كمالة عدد، كما لو لم يكن لهم وجود. وذلك في حين أنّهم موجودون وبطريقة ملحوظة". ويطالب الدولة من خلال دواوين المحافظات بإعداد إحصاءات حول هؤلاء، وحصر مشاكلهم وحلها، وتوفير الرعاية الصحية والاجتماعية والنفسية لهم، والبحث في أسباب انتشار ظاهرة التقزّم، وكسر حاجز الرهبة والخوف لديهم بالاختلاط في المجتمع. ويؤكّد على حقّ هؤلاء بالمطالبة بتوفير حياة كريمة لهم، وتوفير أرصفة مناسبة، وكذلك ملاءمة سلالم المترو ووسائل المواصلات المختلفة.
يضيف بسطامي أنّ "استمرار تعنّت الدولة في ما يخصّ مطالب تلك الفئة، سوف تكون له آثار عكسية وسلبية على المجتمع. لهؤلاء أقارب وأصدقاء أسوياء سوف يرفضون تصرّف الدولة تجاههم. الأقزام أشخاص طبيعيون للغاية، ويتميّزون بمعدل ذكاء مرتفع وخفة ظل".