تشكو أمهات مصريات يعاني أبناؤهن من التوحّد، من عدم اهتمام الجهات الرسمية بهم وعدم توفير الرعاية اللائقة بهم، التي تشمل العلاج والتأهيل والدمج الاجتماعي، في ظل ارتفاع التكلفة في المراكز الخاصة وتحوّلها إلى تجارة. إلى ذلك، ينتقدن عدم توفّر فصول دراسية متخصصة في المدارس الحكومية، بحجة عدم توفّر كادر مؤهل للعمل فيها، الأمر الذي يضطر الأهالي إلى البحث عن مدارس أخرى تضمّ فصول دمج، من دون جدوى. ويبقى الطفل هو الضحية في النهاية.
ويشير معنيون إلى أنّ عدد الأطفال المتوحّدين تجاوز المليون، أكثرهم لا يتلقون الخدمات المناسبة للعلاج وسط عائلاتهم، فيما يتعرّض كثيرون للخطر نتيجة عدم العناية بهم، إذ يعيشون في أسر فقيرة غير قادرة على تلبية احتياجاتهم. ويؤكد هؤلاء ألّا مراكز حكومية متخصصة في مصر بتأهيل مرضى التوحّد، سوى واحد في مستشفى العباسية للأمراض النفسية يعاني، أيضاً، من نقص في كوادره المدرّبة والمؤهلة للتعامل مع هذه الفئة.
تقول مديرة "الجمعية المصرية لتقدّم الأشخاص ذوي الإعاقة والتوحّد" في المعادي (جنوب القاهرة)، مي محمد سعيد: "إنّ الطفل الذي يعاني من التوحّد في حاجة إلى ما بين 25 و30 ساعة أسبوعياً من التدريب النفسي والسلوكي، بالإضافة إلى تدريب الأبوَين وتأهيلهما". أما تكلفة تلك الجلسات، فتزيد عن 1500 جنيه مصري (نحو 170 دولاراً أميركياً) شهرياً، بحسب ما توضح، مضيفة أنّ "المترددين على تلك المراكز هم من الأغنياء فقط. أما الفقراء، فكثيرون منهم يدرّبون أطفالهم على النطق والتحدث من دون اللجوء إلى تلك المراكز ذات التكلفة العالية". وتلفت إلى أنّ "ثمّة أطفالاً يموتون نتيجة الإهمال".
من جهته، يوضح عادل حامد، وهو مدير "جمعية الحياة لمرضى التوحّد" في حيّ الدقي في الجيزة، أنّه "لا علاج نهائي لهذا المرض. ما نقوم به هو اتباع وسائل تعمل على تخفيف أعراضه، ومن أبرزها تدهور النطق والسلوكيات النمطية". كذلك يؤكد أنّ التشخيص المبكر هو نصف العلاج، "كلما أتى ذلك قبل أن يبلغ الطفل السادسة من عمره، كلما أتت النتائج إيجابية. بذلك، يمكن البدء مبكراً في تطوير مهاراته عن طريق الخدمات التأهيلية المناسبة من طبية وتربوية". بالنسبة إلى حامد، المرض هو "قضية وطنية بحدّ ذاته"، مطالباً الدولة بتحمل مسؤولياتها بسبب ارتفاع تكاليف العلاج.
عندما اكتشفت أميمة محمد من بولاق الدكرور في الجيزة، إصابة أحد أبنائها بالتوحّد، كان في الثانية من عمره. تخبر: "قصدت عدداً من أطباء الأطفال من دون جدوى، حتى نصحني أحد الأقارب بالتوجه إلى أحد المراكز المتخصصة. وكانت المفاجأة. الجلسة الواحدة في اليوم تكلف 50 جنيهاً (نحو ستة دولارات)". تضيف: "زوجي أرزقي. كيف أتدبّر هذا المبلغ يومياً؟ لذا جعلت الصغير معي في المنزل".
من جهته، محمد شوقي أب لطفل "مصاب بهذا المرض". وإذ يخبر أنّ تكلفة علاج ابنه باهظة جداً، يشير إلى أنّ "بعض مراكز العلاج تستغلّ حاجة الأهل". يضيف شوقي وهو موظّف، أنّ "المشكلة الأخرى التي تواجهنا هي عدم توفّر مدارس لأولادنا المصابين بحجة عدم وجود مدرّسين مدرّبين للتعامل مع هؤلاء الأطفال، الأمر الذي يجعلنا نلجأ إلى مدارس خاصة بتكلفة عالية". ويشدّد على "عدم توفّر مناهج دراسية تتناسب وقدرات التلاميذ الذين يعانون من التوحّد، وتساعد في كشف مواهبهم وقدراتهم وتنميتها، لكي يتمكنوا من الانخراط في المجتمع بعد تخرجهم من المدرسة ومن العمل في وظائف تتناسب وقدراتهم ومن العيش كباقي أفراد المجتمع".
أما محمد عبدالعال وهو أيضاً أب لطفل مصاب بالتوحّد، فيتّهم القائمين على المراكز الخاصة التي تهتمّ بعلاج هذا المرض، بأنهم "غير أكفاء وليست لديهم خبرات كبيرة. لكنّ ما من حلول أخرى أمام الأهل، في ظلّ الإهمال الرسميّ لهؤلاء الأطفال المرضى". ويطالب بحصر المعالجين بمتخصصين "لا يروّجون لأنفسهم في إعلانات في الصحف بغرض التجارة فقط".
إلى هؤلاء، تطالب نفيسة حماد الحكومةَ "بمراعاة ظروف أهالي الأطفال المصابين بالتوحّد إذ هو أمر مكلف جداً. نحن لا نستطيع تأمين مصاريف العلاج الباهظة"، مشيرة إلى أنّ "الطفل المتوحّد في حاجة إلى نظام غذائي خاص ومكلف أيضاً".
بالنسبة إلى شيماء وهي أمّ لطفل متوحّد، "لم أسمع قطّ بالتوحّد قبل تشخيص ابني. ومهما قلت، لن أتمكّن من وصف هول الصدمة في تلك الفترة". تضيف: "حاولت تسجيله في حضانة، لكنه رفض بحجة أنه مريض. ترددت على عدد من الأطباء، لكن تكاليف العلاج باهظة. لذا أكتفي بالدعاء له".