على الرغم من العلاقات السياسية والأمنية التي تطورت بشكل كبير بعد ظهور تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في العراق، بين واشنطن والأكراد في هذا البلد، لدرجة وصف فيها الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، مدينة أربيل بأنها خط أحمر لن يسمح بتجاوزه من قبل "داعش"، إلا أن ذلك لا يعطي التطمينات الكافية للأكراد لردع مليشيات "الحشد الشعبي" ومنعها من مهاجمة مناطق وجود قوات "البشمركة" الكردية.
ولا ينسى الأكراد أنه فيما يتعلق بالاشتباكات المسلحة التي جرت عام 2016 ودامت عدة أيام بين مسلحي "الحشد الشعبي" وقوات "البشمركة" في بلدة طوزخورماتو بمحافظة صلاح الدين، وأوقعت قتلى وجرحى، كان عناصر "الحشد" هم المبادرين إلى الهجوم، بحسب تقارير القيادات العسكرية العراقية والكردية. ولا يطمئنون للمناوشات بين الجانبين أخيراً في مناطق شمالية، ولعمليات إطلاق قذائف مدفعية من مواقع مسلحي "الحشد" باتجاه مواقع "البشمركة" شمالي مدينة الموصل، ليهدد الأكراد بالرد وبقوة عليها.
في المقابل، قال مسؤول الإعلام والتوعية بوزارة "البشمركة" في إقليم كردستان، مسؤول خلية الإعلام الحربي في الإقليم، هلكورد حكمت، إن فصائل "الحشد الشعبي" أقدمت خلال الشهرين الأخيرين على قصف المواقع العسكرية الكردية سبع مرات، وأسفر القصف عن إصابة عنصر بجروح. وأضاف لـ"العربي الجديد" أن "ما حصل لا يعبر عن موقف قيادة الحشد الشعبي، هكذا تم إبلاغنا، لكننا غير مطمئنين تماماً للحشد، وقد قال العامري (لنا) إن التعرض للبشمركة غير مقصود وقد زار سنجار لإظهار حسن النية"، وفق رواية حكمت. وأضاف "نرجو ألا تكون خروقات الحشد مدفوعة بأجندة سياسية وأن تكون موقفاً شخصياً لبعض عناصر الحشد"، بحسب تعبيره.
وأعلن المتحدث باسم "الحشد الشعبي"، أحمد الأسدي، في بيان أصدره حول حادثة القصف، أن "البشمركة جزء من القوات العراقية وهم شركاء أساسيون لنا في مواجهة الاٍرهاب وما حدث لن يتكرر"، على حد تأكيده. لكن حكمت يبرر خشية الجانب الكردي من تصعيد مستقبلي من قبل "الحشد" ضد إقليم كردستان، بالقول "أساساً الحشد الشعبي قوة مذهبية وجاءت إلى المنطقة من خارجها، هم ليسوا من المنطقة، وقد سبق أن هاجموا البشمركة في مناطق عدة مثل كرميان طوزخورماتو، ولديهم هناك سوابق"، وفق تأكيده. وأشار إلى أن "هناك اتفاقاً بين إقليم كردستان والحكومة الاتحادية العراقية يخص الجانب العسكري بين القوات العراقية والبشمركة والحشد بات جزءاً من القوات العراقية، لذا فهي ملزمة بالاتفاق وعدم خرقه".
إلا أن مسؤولاً عسكرياً كردياً قال لـ"العربي الجديد" إن "البشمركة تلقت أوامر بالرد على أي استفزاز من المليشيات بما فيها إطلاق الصواريخ أو التعرض لأفرادنا المتوجهين في إجازاتهم كإيقافهم أو اعتقالهم ساعات ثم إطلاق سراحهم أو إذا حاولوا الدخول للمناطق المتنازع عليها". وأضاف "سنعاملهم بشكل حازم وعليهم أن يفهموا حدودهم"، على حد تعبيره. وبيّن أن "محاولات المليشيات مفهومة وهي الوصول إلى سنجار والاقتراب من القوات التركية والتوحد مع معسكرات حزب العمال الكردستاني وهو ما لن نسمح بحدوثه وسنواجههم بقوة"، وفق قول المسؤول العسكري نفسه.
وكان القيادي في "عصائب أهل الحق" التابعة لـ"الحشد الشعبي"، جواد الطليباوي، قال في تصريح صحافي، إنهم سيهاجمون "البشمركة" ويطردونهم من المناطق المتنازع عليها، معتبراً أن إخراج القوات الكردية أسهل بالنسبة لهم من طرد "داعش" من الموصل.
وبسبب التصعيد بين الجانبين، باشرت "البشمركة" بإنشاء سور ترابي يفصل قواتها عن مليشيات "الحشد" ويمتد بطول نحو 70 كيلومتراً بين تلعفر وسنجار غرب الموصل. ويمر الساتر بالقرب من قرية تدعى سينو، وهي تلك المنطقة التي تعرض موقع لقوات "البشمركة" فيها لقصف بصواريخ "الكاتيوشا" أطلقها مسلحون من "الحشد الشعبي". وحمّل الأكراد أحد قادة فصائل "الحشد" ويدعى، وعد القدو، وهو شقيق النائب بالبرلمان العراقي عن حركة "بدر"، حنين القدو، مسؤولية قصف مواقع "البشمركة" وكذلك مسؤولية تدمير منازل أسر كردية في قرية بازوايا.
ولا تقتصر تحركات "الحشد" على استهداف مواقع "البشمركة"، بل تعدتها إلى عرقلة نشاط لتوزيع المساعدات الإنسانية على النازحين شرقي الموصل. واشتكى مسؤول منظمة "البرزاني الخيرية"، موسى أحمد، من اعتراض عناصر من "الحشد" فرق إغاثة تابعة للمنظمة أثناء ذهابها إلى منطقة سادة وبعويزه شرق الموصل، لتوزيع مساعدات على الأسر النازحة الشهر الحالي. وتزامن قصف مواقع "البشمركة" في سنجار مع تحرك سياسي ذي صلة بمليشيات "الحشد"، إذ قامت بغداد بتنسيق زيارة قام بها وفد من الأكراد الأيزيديين، مرتبط بـ"الحشد الشعبي"، إلى إيران، ليطلب من المسؤولين الإيرانيين تسليم أمر إدارة منطقة سنجار والمناطق التابعة لها لمجموعات مسلحة مرتبطة بـ"الحشد" وطرد قوات "البشمركة" منها. وحصلوا على وعد إيراني بدعمهم، وفقاً لمصادر كردية.