شكّلت تصريحات رئيس إقليم كردستان العراق، مسعود البرزاني، حول ضم منطقة كركوك ومناطق أخرى إلى الإقليم، ودعوته إلى إجراء استفتاء شعبي على ضمّها رسمياً، خطوة لتعزيز تطلعات أكراد سورية نحو الفيدرالية، أسوة بما يحققه نظراؤهم في العراق.
وبعد سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش)، بالتحالف مع قوات العشائر، وفصائل مسلحة أخرى، على مناطق عدة شمال العراق، وإعلانه، الأحد الماضي، قيام "دولة الخلافة" على الأراضي التي يسيطر عليها في كل من سورية والعراق، باتت المناطق ذات الأغلبية الكردية في سورية على تماس مع حدود "دولة الخلافة" المعلنة.
ويفرض هذا الأمر نوعاً من التقسيم، نتيجة تموضع وسيطرة كل جهة عسكرية على مناطق جغرافية محددة، أفرزت حدوداً ومناطق تماس جديدة.
تغييرات كبيرة
ويرى محللون وسياسيون أكراد، أنّ الشرق الأوسط منقسم، أصلاً، إلى "كونفدراليات" على أساس الأعراق التي تقطنه، وجاء الوقت كي تنال كل قومية، وإثنية، حقوقها المشروعة، لتستطيع العيش في هذا الشرق الجديد.
ويشير الصحافي كمال أوسكان، الى أنّ "كل المعطيات والمؤشرات تنبئ أن المنطقة مقبلة على تغييرات كبيرة في الخرائط السياسية"، فالتغيرات الجيوسياسية التي أفرزتها معارك تنظيم
"داعش" الأخيرة في العراق، ومحاولته السيطرة على الشريط الحدودي الفاصل بين سورية والعراق، لربط المناطق التي يسيطر عليها في كلا الدولتين، تفرض على الأطراف الكردية في سورية، بحسب أوسكان، "ضرورة إيجاد صيغ إدارية وسياسية تناسبها للتعايش مع هذا الواقع الجديد، وقد تكون الفيدرالية، أنسب هذه الصيغ، لضمان حماية كل مكون من المكونات السورية، وليس فقط المكون الكردي".
ويلفت إلى أن "هذه الصيغة قد تكون آخر المحاولات للإبقاء على وحدة الكيانات السياسية التي تشكلت وفق اتفاقية سايكس بيكو".
وكان حزب "الاتحاد الديموقراطي الكردي"، المقرب من حزب "العمال الكردستاني"، قد أعلن، نهاية العام الماضي، عن الإدارة الذاتية المشتركة في مناطق شمال وشمال شرق سورية، بالتحالف مع قوى وأحزاب سياسية كردية وعربية وآشورية (مسيحية).
من جهته، يقول رئيس المجلس التشريعي في الإدارة الذاتية المشتركة، حكم خلو، إن "مشروع الإدارة المشتركة ليس مشروعاً كردياً بل سورياً، لأن أغلب المكونات المجتمعية في المنطقة، وأكثرية الأطر السياسية تشارك فيه". ويؤكد أنه "تمت مخاطبة كل المكونات، والأطر السياسية، ومؤسسات المجتمع المدني، والشخصيات المستقلة، للمشاركة في المشروع وهم جميعاً ممثلون فيه". ويرى أن "من حق هذه المكونات أن تبني إدارة تشاركية حقيقية، بعيداً من التعصب القومي والديني، في ظل الفراغ الإداري والأمني، لتلبية متطلبات المواطنين، لحين انتهاء الأزمة السورية التي قد تطول أكثر".
ويقول أكراد سورية إنهم يشكلون نحو 15 في المئة من التعداد السكاني العام، ويزيد عددهم عن مليونين ونصف مليون نسمة، ويتطلعون إلى نيل حقوقهم القزمية أسوة بأبناء جلدتهم في العراق، الذين يحظون بحكم فيدرالي منذ تسعينيات القرن الماضي.
بدورها، تعتبر الناشطة في مجال حقوق الإنسان، دلشا آيو، أن هناك "حقائق يجب عدم التغاضي عنها، ومنها الإقرار الدستوري للشعب الكردي في سورية"، وتضيف أنه "على الآخرين عدم الولوج في هذه الناحية لأنها حقيقة موجودة ولا تحتاج إلى إقرار قانوني.. فأكراد سورية يعيشون على أرضهم التاريخية".
وأردفت أنه "عندما أرتدي الزي الكردي، وأحتفل بعيد النوروز القومي (رأس السنة الكردية)، فهذه من الخصوصية القومية، ومن حقي التعبير عنها".
... إلى الفيدرالية
يضم "المجلس الوطني الكردي"، وهو ائتلاف سياسي، 15 حزباً سياسياً، وقوى ثورية وحركات شبابية كردية. وفي مؤتمره الثاني، الذي عقد نهاية العام 2012، رفع سقف مطالب الأكراد في سورية، إذ نصّ البيان الختامي للمؤتمر على إقراره بأن "أرقى أشكال الدولة في سورية يتمثل في الدولة الاتحادية الديموقراطية الفيدرالية".
وكان المجلس نفسه طالب، في بيان مؤتمره التأسيسي في 26 أكتوبر/تشرين الأول من العام 2011 بـ "إيجاد حل ديموقراطي عادل لقضيته القومية، بما يضمن حقه في تقرير مصيره بنفسه ضمن وحدة البلاد".
ويرى المعارض الكردي، فيصل يوسف، الذي شغل منصب رئيس "المجلس الوطني
الكردي" لثلاث دورات متتالية، أنّ "موقف المعارضة السورية لم يشهد تغيراً ملحوظاً".
ويقول إنه "في نهاية عام 2005 تأسس إعلان دمشق، وكنا كحركة كردية جزءاً منه، وكان الأوسع بتمثيل الشعب السوري، إلا أنهم كانوا يتجنبون الخوض في مصطلحات مثل، الشعب الكردي أو القومية الثانية في سورية".
وعن موقف أكراد سورية من المعارضة، يؤكد أنه "في مؤتمر القاهرة للمعارضة السورية، الذي عقد صيف العام 2012، اعترض الكثيرون على مصطلح الشعب الكردي، وقتها انسحبت الكتلة الكردية كاملةً وقاطعت أعمال المؤتمر".
من جهته، يرد عضو المكتب السياسي للحزب "الديموقراطي التقدمي الكردي"، سلمان حسو، الخلافات والسجالات داخل المعارضة السورية حول حقوق الأكراد، إلى "وجود تيار عروبي عنصري داخل المعارضة". ويقول في هذا الشأن إن "الكثير من القوميين العرب ينظرون إلى الحقوق القومية للأكراد، وكأنها على حساب القومية العربية، وأن على القوميات الأخرى الذوبان ضمن بوتقة الأخيرة". ويضيف "للأكراد الحق في إدارة مناطقهم، وهو ما وافقت عليه بعض أطراف المعارضة، مثل المجلس الوطني السوري والائتلاف الوطني لاحقاً، وحددته بشكل اللامركزية الإدارية".