اختارت المقدسيتان انتصار سعدة وصباح ادكيدك، من واد الجوز والقدس العتيقة، طريقا غير الذي تختاره كثير من منظمات المجتمع المدني حين يتعلّق الأمر بالتمكين الاقتصادي، فبعد أن جمعهما ملتقى نسوي، انطلقتا لتؤسسا مشروعاً خاصاً أطلقا عليه اسم "نكهة أمهات القدس: أكلات زمان صار لها مكان بأيادي أمهات القدس".
انطلق مشروع "أمهات القدس" وحقق نجاحاً ملحوظاً، ما دفع السيدتين إلى الاستعانة بأخريات للعمل داخل مطبخهما الشعبي، كما تعاقدن مع سيدات يعملن من بيوتهن ويوردن للمطبخ طلبيات من الأكلات الشعبية المقدسية.
لم تكن السيدة انتصار (أم مصطفى)، وشريكتها في المشروع صباح (أم محمد) بحاجة لتمويل لتنفيذ مشروع المطبخ الشعبي المقدسي، والذي بات ينافس أشهر المطاعم في شارعي صلاح الدين والسلطان سليمان، وداخل أسوار القدس العتيقة، وأغلبها تقدم الوجبات السريعة، بينما يفضل كثيرون الوجبات الساخنة من الأكلات الشعبية، كالمقلوبة، والمنسف، وورق الدوالي، والشيش برك، والكبّة اللبنية، واليخاني بجميع أنواعها.
وحول فكرة المشروع، تقول (أم مصطفى) لـ"العربي الجديد"، إنها تبلورت أثناء مشاركتها وزميلتها (أم محمد) في ملتقى نسوي مقدسي، "كانت المشاركات يتسابقن على إعداد أشهى الأطباق، ولقيت منهن دعماً وتشجيعاً لما صنعته من طعام، ما شجعني للمبادرة بفتح مطعم أو مطبخ يقدم الوجبات الساخنة، وهو ما تفتقد إليه المطاعم الحديثة. انطلقنا ونطمح أن نتوسع وننشئ فروعاً، ونشغّل معنا نساء أخريات".
يقع المطبخ الشعبي في شارع الزهراء بالقدس، يفضي إلى ساحة واسعة لوقوف السيارات، ومنه ينطلق الناس إلى وظائفهم، وإليه يعودون عند الظهيرة أو قبل المغيب، ما يجعل المطبخ الشعبي مقصداً لتناول أطباق الطبيخ المتنوعة، أو لطلب وجبات للبيت حيث تنتظر الزوجات والأطفال أكلة جاهزة أعدت بأيدي نساء مهرة.
تقول أم مصطفى: "معظم الزبائن محامون وأطباء وموظفون، وحتى تلاميذ مدارس، وفتيات عاملات، وقد وجدوا ضالتهم في هذا المطبخ وما يقدمه من أكلات شعبية تلقى رواجاً كبيراً، لدينا أشهى الأطباق سواء الفطور، حيث نفتح أبواب المطبخ عند الثامنة والنصف صباحاً، أو الغداء والعشاء، حيث نغلق عند الخامسة مساء".
وتضيف أم محمد: "كل يوم نشهد إقبالاً واسعاً، بعض الأزواج يحضرون زوجاتهم إلى المطعم لتناول الطعام، وتعلم فنون الطبخ التي نتقنها أنا في ذات الوقت، ويشاركنا في ذلك أيضاً عاملتان انضمتا للعمل معنا".
تتركنا أم محمد مسرعة لانشغالها بما تعد من أطباق، وما تجهزه من طلبات، بينما ينتظر فتى في الثانية عشرة انتهاءها من تجهيز طلبية ليوصلها.
تحلم السيدتان أن تمتلكا في المستقبل مكاناً لتحولانه إلى أكبر مطبخ شعبيّ يلبي احتياجات المواطنين، وفي الوقت ذاته يساهم في تشغيل أكبر عدد من النساء المقدسيّات، وقد تعاقدتا مع عدد منهن لتجهيز الوجبات حين يزداد الطلب على الأكلات الشعبية في المواسم.
فكرة التوسع ستظل تحمل شعار البدايات كما تقول سيدتا المطبخ الشعبي لـ"العربي الجديد"، وتؤكدان الاعتماد على الذات، وتمويله دون حاجة للحصول على أي دعم خارجي.
وتتذكر أم محمد بفخر، الخطوة الأولى حين تشاركت مع أم مصطفى في تجهيز المكان بكل أدوات الطبخ، والتي أحضرتاها من مطبخيهما الشخصيين.