يطمح المخرج الإماراتي مصطفى علي إلى تطوير صناعة هوليوودية في الإمارات. هذا على الأقل ما أعلنه أخيراً، مع عرض فيلمه "من ألف إلى باء" الذي افتتحت به فعاليات الدورة الأخيرة من "مهرجان أبو ظبي السينمائي".
بالطبع، لكل إنسان الحق في قول ما يريد والطموح إلى ما يشاء. غير أن رغبة المخرج الذي سعى إلى تقليد هوليوود في شريطه الأخير، ولم ينجح في أن يستقدم مخبر صناعة الفن السابع إلى بلده، لـ "يطوره"، يبدو مبالغاً بها.
ما يمكن قوله، إثر مشاهدة شريط علي، الذي يمثّل رحلةً من الإمارات إلى لبنان، هو أنّ على المخرج الترويّ قليلاً. صحيح أنه متمكّنٌ من أدواته الإخراجية، إلا أن عليه التعلم قليلاً من هوليوود قبل السعي إلى تطويرها.
كلام كهذا لا ينبع من الدفاع عن هوليوود، إذ أن معظم إنتاجاتها ليست إلا تدجيناً للعقول وإحباطاً للجدل. لكن، في المقابل، ثمة الكثير ما يمكن تقديره وتثمينه في هذه الورشة السينمائية الأضخم في العالم. فإضافةً إلى الكم الهائل من الممثلين المتميزين فهي قادرة أيضاً على إعادة صياغة نفس القصص مراراً وتكراراً بقوالب قصصية مختلفة، وبذكاء.
فيلم "من ألف إلى باء" ينتمي، إذا ما قرأناه هوليودياً، إلى فئة أفلام "السَّفر"/"Road Trip"، ويتقاطع، بقصة فرعية، مع فئة "الكوميديا الرومانسية". معظم "أفلام السفر" في هوليوود، ليست سوى نسخٍ مكررة لملحمة هوميروس "الأوديسة" (ويمكن القول إنّ الأوديسة هي "سرقة" ممتازة لملحمة جلجامش التي سبقتها). ويمكن تخليص أفلام السفر في هوليوود كالآتي: مجموعة أصحاب، أو عائلة تسافر إلى مكان معين.
عن طريق هذه الرحلة، وخلال محطاتها، تنزع الشخصيات قشورها وتكتشف أموراً عن ذاتها وعن الحياة، ومن ثم تتقارب فيما بينها. وبيت القصيد في "أفلام السفر"، هو "ليس الهدف هو المكان الذي يسافرون إليه، بل الطريق إلى المكان".
في "من ألف إلى باء"، يذكر الأبطال أن الهدف من رحلتهم من الإمارات إلى بيروت هو الرحلة نفسها، وليس الوصول إلى بيروت. كما أنهم يكثرون من استعمال المصطلح "Road Trip"، وكأنّهم يؤكّدون فكرة الفيلم بشكلٍ مباشرٍ وواضح، عبر التوكيد اللفظي على ذلك، بدلاً من أن يُترَك الأمر لسلوكهم وتصرّفاتهم لكي توحي بما يريدون.
اشتغال كهذا الذي قدمه مصطفى في فيلمه، يفتقر إلى أبسط بديهيات العمل الهوليودي، الذي لا يسعى المشتغلون عليه، عادة، إلى طرح أفكارهم وبسط ما يريدون قوله بشكل فج ومباشر على ألسن الشخصيات، في ما يشبه مكاشفة ما قبل فنية مع المشاهد. بكلمة أخرى، فإن قيمة البناء السردي الهوليودي، وتقلبات القصة، لا تقدم إلى القراءة ببساطة عبر حوار سطحي بين ممثلين، بل تجري مماهتها ودمجها في الشخصيات وصراعاتها وقصصها، في ما يمكن وصفه الدرجة الأدنى المطلوبة لإنتاج بناء فني متين، إن كان في السينما، أو حتى في الأدب. وكأن أوديسيوس قرر أن يقول لنا منذ البداية إن القصد من ملحمته ليس الوصول الى إيثاكا بل الرحلة الى إيثاكا.
وعلى أي حال، فإن شريط المخرج لا يحاول استقدام هوليوود وتطويرها وإعادة إنتاجها محلياً، كما قد يفعل كثيرٌ من الإنتاجات العالمية، بل إنه يأخذها بكل خصوصيتها الأميركية، ويفرضها على شخوصه العرب، من دون مراعاة خصوصيتها.
هكذا، ستبدو شخصيات شريطه أميركية بقدر ما هي عربية. إنهم شباب لا يعانون من مشاكل الشباب العرب الراهنة، بل يبدون "أميركيين" في قصصهم ومشاكلهم: لغتهم نصف إنجليزية نصف عربية، وحتى أسلوب حياتهم مصاغ على الطريقة الأميركية.
"تطوير" هوليوود محلية، يحتاج إلى فهم هذه الورشة السينمائية الضخمة، كشرط أولي يمكن، بعد إنجازه، الانتقال إلى الخطوة التالية، أو الخلاصة، المتمثلة في انتقاء ما قد نحتاجه من هوليوود لإكمال اشتغالاتنا التي تعنينها وتمثلها. هذا ما لا يذهب إليه حلم المخرج واشتغاله.
يقول تي. إس. اليوت "ما أردأ التقليد وما أثمن السرقة". فعل السرقة معناه إدراك وتذويت الإرث الفني البشري ومن ثم أخذ المخزون المترسب عند الفنان الى أبعاد واكتشافات أخرى.
باستثناء بعض المواقف المضحكة، والتي تم إخراجها بشكل مهني ، فإن فيلم "من ألف الى باء" هو تقليد إماراتي لتلك الإفلام المصرية التي تقلد الأفلام الهوليوودية. هو إذاً نسخة عن نسخة.
* سينمائي من فلسطين