"صديقي الغائب إسلام العشري... الحياة سيئة من دونك" يومياً يكتب صديق المختفي المصري، إسلام العشري، هذه الجملة على حسابه الخاص على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، ومعها وسم "إسلام العشري فين". هذا فقط ما يمكنه القيام به منذ اختفاء صديقه قسراً في السادس والعشرين من يوليو/ تموز الماضي. صديق آخر للعشري، يدوّن عنه يومياً: "كيف حالك يا صديقي؟ هل الليل حالك؟" و"اللهم خيّب ظنوننا وأرجعه بخير".
إسلام العشري شاب، تخرج حديثاً من كلية الطب البيطري، لم يلبث أن يبدأ حياته العملية، حتى اختفى في ظروف غامضة، ولا يعرف أحد عنه شيئاً.
شقيقته أيضاً وأبناء عمومه، يدوّنون عنه يومياً، فيطلبون الدعاء له، وتكثيف النشر للتعريف به، علّه يعود، أو يظهر فقط.
اقــرأ أيضاً
فمجرد الظهور في مصر حالياً، أصبح أمنية في عصر الاختفاء القسري، الذي تتزايد وتيرته بين الحين والآخر. فمصير المختفين خلال السنوات الأربع الماضية، بحسب "رابطة أسر المختفين قسرياً" لا ينكشف إلاّ "بنسبة ضئيلة جداً لا تتعدى 1 في المائة ممن يخرجون من مقرات الاحتجاز السرية ويعودون إلى بيوتهم بعد التحقيق معهم. النسبة الأكبر من المختفين وتقدر بأكثر من 80 في المائة يظهرون بعد فترات زمنية تتراوح ما بين أسبوع وسنة أمام جهات التحقيق من دون الإفراج عنهم. وهناك نسبة لا تظهر مطلقاً بعد الاختفاء. ويبقى بعض المختفين الذين يظهرون لكن قتلى في بيانات وزارة الداخلية مثل حادثة شقة 6 أكتوبر، ومثل من يموتون تحت التعذيب".
يقول مركز القاهرة لمعلومات حقوق الإنسان (مجتمع مدني مقره باريس) إنّه بالنظر إلى التضييق الأمني على المنظمات في مصر، فإنّ ظاهرة الاختفاء القسري بدأت تتصاعد بشكل كبير في مصر منذ الربع اﻷخير من يونيو/ حزيران 2013، والعديد من حالاتها تتعلق بقضايا سياسية وقضايا رأي. غالباً، يتعرض اﻷشخاص المختفون لصور مختلفة من التعذيب والضغوط للحصول منهم على اعترافات أو معلومات تستخدم ضدهم أو ضد آخرين في المحاكمات الجنائية.
في آخر إحصاء لها، وثّقت التنسيقية المصرية للحقوق والحريات (مجتمع مدني) في تقرير بعنوان "خارج التغطية" اختفاء 379 شخصاً في النصف الأول من عام 2018 فحسب.
لم يسلم الناشطون العاملون على ملف الإخفاء القسري من التحول إلى ضحايا له، كما حدث مع الحقوقي إبراهيم متولي حجازي، الذي أخفي وتعرض للتعذيب، ثم أعلنت السلطات عن حبسه احتياطاً في اتهامات تحت طائلة قانون مكافحة الإرهاب. حجازي، محامٍ ومؤسس "رابطة أسر المختفين قسرياً" اعتقل يوم 10 سبتمبر/ أيلول 2017 في مطار القاهرة الدولي أثناء إنهاء إجراءات سفره إلى جنيف بسويسرا، وظل محتجزاً لدى السلطات الأمنية بمطار القاهرة الدولي حتى الساعة الثامنة مساء من ذلك اليوم، لينقل بعدها إلى مقر الأمن الوطني بمنطقة العباسية بالقاهرة.
ذكر حجازي لمحاميه ولنيابة أمن الدولة العليا، أثناء التحقيق معه، أنّه بعد وصوله إلى مقر الأمن الوطني أجبر على خلع ملابسه كلها، فجرى تقييده ورشّ المياه عليه، وصعقه بالكهرباء والاعتداء عليه بالضرب المبرح، وظل يتعرض للتعذيب إلى أن عرض على نيابة أمن الدولة العليا يوم 12 سبتمبر 2017 للتحقيق معه. ذكر حجازي، أنّه أثناء احتجازه في مقر الأمن الوطني وُجّه إليه العديد من التهديدات مع تعذيبه بغية الحصول منه على معلومات حول نشاطه في سبيل إجلاء مصير ضحايا الإخفاء القسري في مصر، وعن تواصله مع الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري بالأمم المتحدة، والحصول منه على اعترافات بالتهم الموجهة إليه، وهو ما رفضه وقاومه تماماً.
وكان مركز الشهاب لحقوق الإنسان (مجتمع مدني) قد أعلن أنّ عدد حالات الاختفاء القسري في مصر منذ 2013 حتى أغسطس/ آب 2017، قد بلغ نحو 5500 حالة، من بينهم 44 قتلوا خارج نطاق القانون.
وبينما يواصل المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر (حكومي)، وصف بلاغات الاختفاء القسري بـ"الادعاءات" لا يكفّ أهالي وأسر المختفين عن البحث عنهم وإن مرّ على اختفائهم سنوات، ولعلّ قصة أشرف شحاته، المختفي منذ يناير/ كانون الثاني 2014، مثال واضح. لم تيأس زوجته، الناشطة السياسية، مها مكاوي، من انتظاره، بعد آخر اتصال بينهما في 13 يناير 2014، ليخبرها أنّه "سيذهب إلى مقر أمن الدولة بمدينة 6 أكتوبر، بعد انتهاء دوامه في العمل، للدردشة في بعض الأمور، وفقاً لقرار استدعائه" تقول. من يومها لم يعد، فقد "خطفوه من عمله" تضيف.
شحاته، (48 عاماً) عضو في حزب الدستور المصري، وهو محامٍ وله عمله الحر الخاص، إذ يملك مدرسة في حي كرداسة في القاهرة. مكاوي أيضاً عضو في حزب الدستور، وأم لثلاثة أبناء، وكانت حاملاً في الشهر الثاني، عند اختفاء زوجها، لكنّ الحمل لم يستمر مع التوتر والقلق المصاحبين لها حتى اليوم.
اقــرأ أيضاً
بعد ساعات من المكالمة الأخيرة بين شحاته وزوجته، باءت جميع اتصالاتها بالفشل، إذ أقفل خطه. ومنذ ذلك الحين لا يمضي يوم من دون أن تذكر مها زوجها عبر حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي، والدعاء له. وعلى الرغم من الاختفاء الذي دام طويلاً، إلاّ أنّ مكاوي ما زالت تناضل بمساعدة محامين، عبر تقديم بلاغات تفيد باختفاء زوجها، وتطالب الجهات الحكومية بالكشف عن مكانه. كذلك، اتبعت كلّ سبل التصعيد، بدءاً من تقديم البلاغات والمشاركة في الفعاليات الخاصة بالمختفين قسراً، وصولاً إلى الظهور عبر وسائل الإعلام لنشر قضيتها، ثم الإضراب عن الطعام في أكثر من مناسبة.
إسلام العشري شاب، تخرج حديثاً من كلية الطب البيطري، لم يلبث أن يبدأ حياته العملية، حتى اختفى في ظروف غامضة، ولا يعرف أحد عنه شيئاً.
شقيقته أيضاً وأبناء عمومه، يدوّنون عنه يومياً، فيطلبون الدعاء له، وتكثيف النشر للتعريف به، علّه يعود، أو يظهر فقط.
فمجرد الظهور في مصر حالياً، أصبح أمنية في عصر الاختفاء القسري، الذي تتزايد وتيرته بين الحين والآخر. فمصير المختفين خلال السنوات الأربع الماضية، بحسب "رابطة أسر المختفين قسرياً" لا ينكشف إلاّ "بنسبة ضئيلة جداً لا تتعدى 1 في المائة ممن يخرجون من مقرات الاحتجاز السرية ويعودون إلى بيوتهم بعد التحقيق معهم. النسبة الأكبر من المختفين وتقدر بأكثر من 80 في المائة يظهرون بعد فترات زمنية تتراوح ما بين أسبوع وسنة أمام جهات التحقيق من دون الإفراج عنهم. وهناك نسبة لا تظهر مطلقاً بعد الاختفاء. ويبقى بعض المختفين الذين يظهرون لكن قتلى في بيانات وزارة الداخلية مثل حادثة شقة 6 أكتوبر، ومثل من يموتون تحت التعذيب".
يقول مركز القاهرة لمعلومات حقوق الإنسان (مجتمع مدني مقره باريس) إنّه بالنظر إلى التضييق الأمني على المنظمات في مصر، فإنّ ظاهرة الاختفاء القسري بدأت تتصاعد بشكل كبير في مصر منذ الربع اﻷخير من يونيو/ حزيران 2013، والعديد من حالاتها تتعلق بقضايا سياسية وقضايا رأي. غالباً، يتعرض اﻷشخاص المختفون لصور مختلفة من التعذيب والضغوط للحصول منهم على اعترافات أو معلومات تستخدم ضدهم أو ضد آخرين في المحاكمات الجنائية.
في آخر إحصاء لها، وثّقت التنسيقية المصرية للحقوق والحريات (مجتمع مدني) في تقرير بعنوان "خارج التغطية" اختفاء 379 شخصاً في النصف الأول من عام 2018 فحسب.
لم يسلم الناشطون العاملون على ملف الإخفاء القسري من التحول إلى ضحايا له، كما حدث مع الحقوقي إبراهيم متولي حجازي، الذي أخفي وتعرض للتعذيب، ثم أعلنت السلطات عن حبسه احتياطاً في اتهامات تحت طائلة قانون مكافحة الإرهاب. حجازي، محامٍ ومؤسس "رابطة أسر المختفين قسرياً" اعتقل يوم 10 سبتمبر/ أيلول 2017 في مطار القاهرة الدولي أثناء إنهاء إجراءات سفره إلى جنيف بسويسرا، وظل محتجزاً لدى السلطات الأمنية بمطار القاهرة الدولي حتى الساعة الثامنة مساء من ذلك اليوم، لينقل بعدها إلى مقر الأمن الوطني بمنطقة العباسية بالقاهرة.
ذكر حجازي لمحاميه ولنيابة أمن الدولة العليا، أثناء التحقيق معه، أنّه بعد وصوله إلى مقر الأمن الوطني أجبر على خلع ملابسه كلها، فجرى تقييده ورشّ المياه عليه، وصعقه بالكهرباء والاعتداء عليه بالضرب المبرح، وظل يتعرض للتعذيب إلى أن عرض على نيابة أمن الدولة العليا يوم 12 سبتمبر 2017 للتحقيق معه. ذكر حجازي، أنّه أثناء احتجازه في مقر الأمن الوطني وُجّه إليه العديد من التهديدات مع تعذيبه بغية الحصول منه على معلومات حول نشاطه في سبيل إجلاء مصير ضحايا الإخفاء القسري في مصر، وعن تواصله مع الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري بالأمم المتحدة، والحصول منه على اعترافات بالتهم الموجهة إليه، وهو ما رفضه وقاومه تماماً.
وكان مركز الشهاب لحقوق الإنسان (مجتمع مدني) قد أعلن أنّ عدد حالات الاختفاء القسري في مصر منذ 2013 حتى أغسطس/ آب 2017، قد بلغ نحو 5500 حالة، من بينهم 44 قتلوا خارج نطاق القانون.
وبينما يواصل المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر (حكومي)، وصف بلاغات الاختفاء القسري بـ"الادعاءات" لا يكفّ أهالي وأسر المختفين عن البحث عنهم وإن مرّ على اختفائهم سنوات، ولعلّ قصة أشرف شحاته، المختفي منذ يناير/ كانون الثاني 2014، مثال واضح. لم تيأس زوجته، الناشطة السياسية، مها مكاوي، من انتظاره، بعد آخر اتصال بينهما في 13 يناير 2014، ليخبرها أنّه "سيذهب إلى مقر أمن الدولة بمدينة 6 أكتوبر، بعد انتهاء دوامه في العمل، للدردشة في بعض الأمور، وفقاً لقرار استدعائه" تقول. من يومها لم يعد، فقد "خطفوه من عمله" تضيف.
شحاته، (48 عاماً) عضو في حزب الدستور المصري، وهو محامٍ وله عمله الحر الخاص، إذ يملك مدرسة في حي كرداسة في القاهرة. مكاوي أيضاً عضو في حزب الدستور، وأم لثلاثة أبناء، وكانت حاملاً في الشهر الثاني، عند اختفاء زوجها، لكنّ الحمل لم يستمر مع التوتر والقلق المصاحبين لها حتى اليوم.
بعد ساعات من المكالمة الأخيرة بين شحاته وزوجته، باءت جميع اتصالاتها بالفشل، إذ أقفل خطه. ومنذ ذلك الحين لا يمضي يوم من دون أن تذكر مها زوجها عبر حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي، والدعاء له. وعلى الرغم من الاختفاء الذي دام طويلاً، إلاّ أنّ مكاوي ما زالت تناضل بمساعدة محامين، عبر تقديم بلاغات تفيد باختفاء زوجها، وتطالب الجهات الحكومية بالكشف عن مكانه. كذلك، اتبعت كلّ سبل التصعيد، بدءاً من تقديم البلاغات والمشاركة في الفعاليات الخاصة بالمختفين قسراً، وصولاً إلى الظهور عبر وسائل الإعلام لنشر قضيتها، ثم الإضراب عن الطعام في أكثر من مناسبة.