أميركا الطائفية وربيع العرب
ليس من الوطنية، أبدا، أن نحوّل جيش مصر الذي نتمنى له النجاة، إلى مجموعات من المرتزقة، طوع إشارة أميركا وكل قوى الإمبريالية الغربية، ونزج به في معارك، لا ناقة لنا فيها ولا جمل، بعد التغاضي عن وحدة الدين والقومية والجنس والتاريخ والجغرافيا، وكل ما درسناه قديماً في التربية القومية عن الوحدة العربية، وما درسناه، أيضاً، في الدين عن المقاصد الإسلامية الخمسة التي يجب أن يناصر المسلم فيها المسلم، ونوليه أينما ولت أميركا وجهها، فتارة نرسله ليحارب ما تسميها الإمبريالية الديكتاتورية البعثية التي يمثلها صدام حسين، ونسقط العراق في "مفرمة" كبرى، سقط إثرها قرابة مليونين ونصف المليون شهيد وملايين اللاجئين في الخارج.
تمر سنوات، ما كاد يضمد العراقيون فيها جراحهم، وينسون قتلاهم، حتى نرسله، ثانية، ليحارب ما تسميه أميركا "الإرهاب" الذي يمثله تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، ليس وفق مقتضيات التخلص من الإرهاب، بل نقتل ملايين أخرى من أهلنا في العراق، تماماً وفق المقاسات الأميركية.
عاشت المنطقة العربية استقلالاً وهمياً في منتصف القرن الفائت، أنجب، بالطبع، نظم حكم مشوهة، لتتناسب مع المجتمعات المشوهة، والتي يجري تسطيحها وتجهيلها إعلاميا، وحصرها في نزاعات سياسية ومذهبية واقتصادية واجتماعية مفرغة، وبالتالي، نتج عنها نخب سياسية مشوهة.
وإذا استطاعت الإمبريالية خداع بعض قادة التيار الإسلامي، وزجت بهم في معارك لم يكونوا هم جناة ثمارها، بسبب عدم النضج السياسي. فهذا لا يعني أنهم عملاء وخونة، فعدم النضج السياسي قاسم مشترك لدى النخب والتيارات السياسية والفكرية في العالم العربي عامة، والمصري خصوصاً، فلدينا في مصر نخب سياسية ليبرالية، تؤمن بقطع لسان من يتكلم وتبرر التشدد في قطع الألسنة، ونخب اشتراكية لا يعنيها ذلّ العمال والفلاحين، وتزايد حدة الفقر والاستغلال، بقدر ما يعنيها الحق في التهكم على الأديان. ونخب قومية وناصرية تهلل للعدوان الصهيونى على غزة، وتقدم لإسرائيل الشكر، وتزغرد للتحالف مع أميركا وبريطانيا وكل قوى الإمبريالية والاستعمار.
وقد حمل الربيع العربي الذي شهده وطننا العربي، في السنوات الماضية، أمل التحرر والرفاهية، ولكن، تم تحويل الحلم إلى كابوس مرعب، حينما وجد الناس أن النظم التي ثاروا عليها، تعود أكثر إجراماً واستغلالاً وظلماً. ولذلك، يجب الانتباه إلى أن الولايات المتحدة تسعى، دوماً، إلى إذكاء الصراع الطائفي في المنطقة العربية، وجعل هذا الاختلاف المذهبي أتوناً يحرق كل شيء عربي، وكل أمل في التحرر والعيش الكريم. والولايات المتحدة ستفشل أي محاولة تقارب بين التيارين الإسلامي والقومي، وهي تدرك، تماماً، أننا وطن يسير بجناحين، فإذا انكسر له جناح، بالطبع، سيبقى في عجز دائم.