على الرغم من ذلك، فإن الجانب التركي بحث عن خيارات أخرى لمحاولة إبقاء القضية مطروحة دولياً، معولاً على خرق ولو محدود تحققه المقررة الخاصة للأمم المتحدة بشأن عمليات الإعدام التعسفية خارج نطاق القضاء آغنيس كالامار، التي بدأت، منذ أول من أمس الاثنين، زيارة تمتد لأسبوع إلى تركيا لإجراء تحقيق في الجريمة يتضمن تقييم الأحداث وتحديد طبيعة ومدى إمكانية أن تكون دول وأفراد مسؤولين عن الجريمة، على أن تنشر نتائج التحقيق، بحسب ما أعلنت أمس، في مايو/ أيار المقبل، قبل أسابيع من تقديمها نتائج التحقيق والتوصيات التي ستخلص إليها في تقرير رسمي لمجلس حقوق الإنسان في جنيف في يونيو/ حزيران المقبل.
وعلى الرغم من أن الأمم المتحدة أوضحت أن التحقيق الذي تجريه كالامار هو "تحقيق مستقل من زاوية حقوق الإنسان، وليس تحقيقاً جنائياً رسمياً من قبل الأمم المتحدة"، إلا أن المقررة الأممية اصطدمت، أمس الثلاثاء، برفض السلطات السعودية التجاوب سريعاً مع طلبها الدخول إلى القنصلية حيث وقعت جريمة القتل، لكنها حاولت عدم الاستسلام للرفض السعودي قائلةً: "لنكن عادلين، جاء تقديم الطلب إليهم متأخراً، لذا علينا منحهم قليلاً من الوقت للبت في طلبنا". وتابعت "باحترام ندعو السلطات للسماح لنا بالدخول في مرحلة ما طالما نحن هنا".
ورجحت كالامار في حديث مع الصحافيين من أمام مقر القنصلية السعودية، نشر تقريرها في مايو/ أيار المقبل. وينتظر أن يتضمن التقرير توصيات في ما يتعلق بضمان "مساءلة رسمية" في الجريمة.
وكانت كالامار قد التقت مع المسؤولين الأتراك في أنقرة، قبل أن تزور، أمس، محيط مقر القنصلية السعودية في إسطنبول، وتجري بعد ذلك لقاءات مع المدعي العام التركي إفران فيدان وآخرين، للاطلاع على آخر تطورات التحقيق في جريمة القتل.
وحرصت تركيا على الترحيب الكبير بزيارة كالامار ومنحها تغطية إعلامية واسعة، بما في ذلك إعراب رئيس دائرة الاتصالات في الرئاسة التركية، فخر الدين ألطون، عن امتنانه لزيارتها للشروع في تحقيق حول الجريمة، معيداً التذكير بأن تركيا لم تتمكن حتى الآن من معرفة مصير جثة خاشقجي. وأوضح في تغريدة على حسابه في "تويتر"، أن تركيا ما زالت تبحث عن الجهة التي أصدرت أمر قتل خاشقجي، وعن هوية المتعاون المحلي الذي تولى مهمة إخفاء الجثة حسب الادعاءات السعودية.
إلا أن المصادر التركية التي تحدثت مع "العربي الجديد"، أكدت أن الجهود المبذولة، من بوابة مجلس حقوق الإنسان، "قد لا تكون كافية، وهي مجرد محاولات مستميتة من أجل تدويل الموضوع، إذ إن المقررة الأممية سترفع تقريرها لمجلس حقوق الإنسان، وتتم التوصية بإجراء تحقيق دولي، ولكن لا أحد يضمن أن يكون التقرير بالفعل شفافاً ومنصفاً، بل وربما يضع الجانب التركي في إحراج كبير جداً".
وذكرت المصادر بلجان شكلت للتحقيق بقضية الهجوم الإسرائيلي على قافلة أسطول الحرية في العام 2010، والسيطرة على سفينة مافي مرمرة التركية، وقتل مواطنين أتراك، إذ "خلصت اللجنة لإدانة تركيا في بعض فقراتها، وهنا تخشى تركيا من عدم شفافية التقرير الذي قد يخرج بنتائج تحابي بعض الأطراف، ما يدفع بالجانب التركي للتراجع".
وحول السبل التركية لمواجهة هذه المخاطر، لفتت المصادر التركية في حديثها مع "العربي الجديد"، إلى أن الجانب التركي سيعمل جهده لتقديم كافة المعلومات المتاحة، ومنها الأدلة، خصوصاً تسجيلات الصوت، ولكن تسجيلات الصوت هذه ستكون متاحة إما عبر السماح للمقررة ومرافقيها بالاستماع إليها، أو تقديمها مكتوبة كما حصل مع الدول الأجنبية، فضلاً عن بقية الأدلة، إضافة لجميع الصور والمعطيات عن دخول فرق الاغتيال، وتنقلاتهم ما بين القنصلية ومنزل القنصل (محمد العتيبي)".
وأبدت المصادر التركية المطلعة تخوفها من أن "جميع الجهود التركية في هذا الإطار، قد لا تكفي من أجل إقناع المجتمع الدولي بفتح التحقيق، لأن دولاً عديدة لها نفوذ تفضل المصالح التجارية على الجريمة التي هزت الإنسانية، وتطلق يد القتلة والمجرمين في العالم لقمع الأصوات الحرة".
وأوضحت المصادر في حديثها مع "العربي الجديد"، أن "تركيا بذلت جهوداً كبيرة وعلى مدار أسابيع في الأمم المتحدة بما في ذلك في مجلس الأمن الدولي من أجل انتزاع موافقات من دول مؤثرة، لطرح الأمر في الأمم المتحدة ومجلس الأمن، والحصول على دعم كبير ينقل الملف إلى مجلس الأمن الدولي لإنشاء لجنة تحقيق دولية بموجب قرار من مجلس الأمن أو لإنشاء محكمة دولية خاصة بالقضية (مثل محاكم يوغوسلافيا ورواندا، ولبنان بعد اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري)، لكن الجهود التركية الكبيرة التي بذلت، اصطدمت بامتناع دولي للتعاطي بإيجابية، بسبب المواقف المتصلبة لبعض الدول، منها الولايات المتحدة، وتفضيل دول أخرى لمصالحها الاقتصادية على التصادم مع السعودية، وهو ما خيب آمال الجانب التركي".
وأضافت المصادر أن "كندا، التي هي على خلاف مع السعودية بشكل كبير، واصطدمت مع الرياض، امتنعت هي الأخرى رغم التصريحات السياسية، عن المضي قدماً مع الجانب التركي في تدويل القضية، وهو أمر جعل الجانب التركي عاجزاً عن اللجوء لهذه الوسيلة الدولية الهامة، ما دفع أنقرة للجوء إلى الطريق الثاني، وهو عبر مجلس حقوق الإنسان في جنيف".
ولفتت المصادر إلى أنه "من الصعب تشكيل محكمة خاصة كما حصل بقتلة رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري، إذ كان يوجد في حينه إجماع دولي على محاكمة القتلة، فيما الأطراف نفسها حالياً لديها مواقف مغايرة، ما يصعب الموقف التركي ويضعه في آخر الخيارات المتاحة في الوقت الحالي، قبل أن تتبدل الأمور". وبحسب المصادر، فإن "كشف مصير جثة خاشقجي ربما يساهم في تبديل الأوضاع، لأن الجثة أكبر دليل إدانة للقتلة، لكن تركيا حتى الآن لم تعثر على الجثة، في ظل تمنع سعودي عن التعاون المشترك في هذا الإطار".