22 نوفمبر 2024
أميركا في الساحة السورية
تختلف السياسة الأميركية عن سابقتها في الموقف من إيران بالتحديد، ولكنها تُكمّل السابقة في اجتثاث "داعش" ومحاصرة النظام السوري من دون إسقاطه. وتشكل هذه النقطة عنصر توافقٍ كبيرٍ بين الروس والأميركان. يضاف إليها التنسيق الروسي مع إسرائيل، بما يخص مصالحها في سورية، وكذلك المكانة الرفيعة لإسرائيل في السياسة الأميركية، واحتمال نقل سفارتها إلى القدس. تدفع التوافقات الجديدة هذه نحو تحجيم إيران في سورية، وفي كل المنطقة العربية، ويُلحظ في ذلك أن إيران نفسها بدأت تبحث عن حلول بخصوص اليمن والبحرين، وأيضاً لتساوم على مصالحها الكبرى في سورية والعراق ولبنان، حالما تُجبر على الخروج منها.
أصبحت الساحة السورية متاحةً لكل أشكال التدخل، وتُصاغ وفقاً للصراعات الإقليمية والدولية. وهنا يصبح الكلام عن مناطق آمنة في سورية، كما قال الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، محط صراعٍ جديدٍ قد يُوقف التطورات التي حدثت على الساحة السورية، ابتداءً منذ اجتماعات أنقرة وسيطرة النظام على مدينة حلب، ولاحقاً انعقاد لقاء أستانة واحتمال عقد مفاوضات جنيف قريبا، وقد أعطى الروس للفصائل العسكرية دوراً سياسياً بدعوتها إلى أستانة، ووجود أفكار متداولة عن مجلسٍ عسكريٍّ تقوده روسيا، في إطار الانتقال السياسي، وهذا عكس الاتهامات التي كان يُكيلها الروس للفصائل، ومحاولتهم وضعها في إطار الفصائل الإرهابية.
كان الخلاف بين روسيا وأميركا لمسائلٍ عالميّة كثيرة، ولا يمكن اختزاله الآن في سورية أيضاً، ولهذا تُطرح قضيتا أوكرانيا وسورية معاً من جديد، وهناك مسائل أخرى بالتأكيد. وهذه يترتب عليها تغيّرات كبرى بخصوص التعارض بين سياسة ترامب والسياسة الأوروبية، وبالتالي هناك تغييرات كبيرة تطاول السياسة الأميركية عالمياً. ولا يتوقف الرئيس الأميركي الطموح عن اتخاذ قرارات جديدة، على الرغم من أنها تُواجَه برفضٍ أميركيٍّ وعالميٍّ. تعطيل بعض تلك القرارات بفعل القضاء الأميركي، كما القرار الخاص بمنع سكان سبع دول إسلامية من دخول أميركا لا يعني إيقافها بأي حالٍ.
التقليل من التغيرات الأميركية في منطقتنا أمرٌ خاطئ، فالسياسة الأميركية ترفض التمدّد الإيراني، وتعلن بوضوح شديد أن نفط العراق لأميركا، وأن التدخل الإيراني هناك يجب أن
يتوقف، وهذا سيستدعي بالضرورة إمكانية شن عدة حروب في الشرق الأوسط. يُفضل هنا رؤية صمت ترامب إزاء دول الخليج، الدول التي عانت تهميشاً أميركيا في زمن الرئيس السابق، باراك أوباما، وإعطاء الأخير إيران دورا أكبر على الساحة الإقليمية.
الآن، وبخصوص مواقف أميركا في سورية، فهناك دعم كبير لقوات صالح مسلم، واحتمال التقدم ضد "داعش" بدعم أميركي بالتحديد، وهذا سيقوي الأكراد ضد تركيا في سورية، وقد يدفع كرد تركيا للثورة مجدداً، وهو ما يعني عدم أخذ أميركا الاعتراضات التركية بالاعتبار. وسيكون لتعزيز القوات الكردية في سورية تأثير كبير على الوضع الكردي في تركيا، وبالتالي، ما زالت السياسة الأميركية إزاء تركيا غير واضحة، بينما هناك تقدم كبير في العلاقات التركية الروسية، وهذا لن يكون لصالح السيطرة الأميركية على المنطقة. وبالتالي، تشكل مسألة المناطق الآمنة والدعم الأميركي للأكراد مسائل جديدة، قد تزعزع ما ذكرناه من توافقات روسية تركية؛ والقصد هنا أنه لا معنى للكلام عن مناطق آمنة، وهناك حديث يخص الحل السياسي في سورية، وكذلك هناك منطقة أصبحت تحت السيطرة التركية، وستكون نتيجتها محاصرة "داعش" أكثر فأكثر، ومنع تشكيل أي إقليم كردي متواصل.
يتخوف محللون كثيرون من مسألة المناطق الآمنة، فهي ستتيح للدول المتدخلة أن تتحكّم بمناطق ومدن سورية معينة، وستخلق دويلات متعددة متقاتلة أو محتجزة ضد الأخرى، بفضل الدول المتدخلة، لكن السؤال هل يمكن لروسيا وأميركا وتركيا أن تغامر بقواتٍ من دولها لحماية تلك الدويلات، وهل يمكن أصلاً لدولٍ كهذه أن تعيش وتستمر. طبعاً تشكيل دويلة تحت السيطرة التركية، أو في الجنوب أو الشمال، مسائل شبه مستحيلة، نظراً للكلف الكبيرة التي تترتب عليها، ولضعف المردودية منها والفائدة كذلك؛ وعكس ذلك هناك عوامل تقارب بين روسيا وأميركا وإسرائيل، وربما دول الخليج ومصر لاحقاً، وهي ستكون الأساس في صياغة شكل الحكم على سورية، وفي المنطقة بأكملها.
تساير البراغماتية الأميركية القوات الكردية للعودة مُجدّداً إلى سورية والعراق، ولتكون لاعباً أساسياً، ولتحقيق مصالحها في دول المنطقة، ولا سيما في العراق، وبالتالي، وبعد أن استخدمت إيران حجة محاربة "داعش" في العراق وسورية، فها هي تواجهه فيها. حجة محاربة "داعش" وفق السياسة الأميركية حالياً يُراد منها تحجيم إيران وإعادة الدور الأميركي للمنطقة، وإيقاف التقدم الكبير في التنسيق التركي الروسي الإسرائيلي، من دون فوائد تذكر لصالح أميركا. طبعاً هذا لا يتناقض مع الإستراتيجية الأميركية الأساسية المحدّدة بمواجهة الصين، وبالتالي، لخدمة هذه القضية تتغيّر السياسات الأميركية في منطقتنا والعالم.
خلطت التغييرات الأميركية الأوراق إزاء إيران والمناطق الآمنة؛ وهذا ما أصاب الروس والأتراك والإيرانيين بارتباكٍ شديدٍ. لم تعد المواقف الأميركية تحذيرات فقط، فهناك قرارات ضد كيانات وشخصيات تم إقرارها. إبعاد النظام السوري عن إيران هو السياسة التي تَعمل أميركا عليها، وهو ما تفعله روسيا بالتدريج. ويشعر النظام بدوره بالخطر الكبير من جرّاء تحوله إلى لعبةٍ كاملة بيد الدول العظمى، ومعرفته أن إيران مُجبرة على المساومة عليه، للحفاظ على بعض أذرعها الإقليمية، كحزب الله مثلاً.
ستسهم سياسات أميركية المتصاعدة إزاء منطقتنا بالتأكيد في تشكيل حلف جديد، كما ذكرنا، وستكون إيران أكبر الخاسرين بسببه، لكن تركيا وسورية قد تكونان أمام دويلات كردية، ستؤجج الحروب الداخلية فيهما. ولهذا، لن تنتهي الحروب بسهولة، وقد تعاني تركيا من الحرب القومية مجدّداً.
أصبحت الساحة السورية متاحةً لكل أشكال التدخل، وتُصاغ وفقاً للصراعات الإقليمية والدولية. وهنا يصبح الكلام عن مناطق آمنة في سورية، كما قال الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، محط صراعٍ جديدٍ قد يُوقف التطورات التي حدثت على الساحة السورية، ابتداءً منذ اجتماعات أنقرة وسيطرة النظام على مدينة حلب، ولاحقاً انعقاد لقاء أستانة واحتمال عقد مفاوضات جنيف قريبا، وقد أعطى الروس للفصائل العسكرية دوراً سياسياً بدعوتها إلى أستانة، ووجود أفكار متداولة عن مجلسٍ عسكريٍّ تقوده روسيا، في إطار الانتقال السياسي، وهذا عكس الاتهامات التي كان يُكيلها الروس للفصائل، ومحاولتهم وضعها في إطار الفصائل الإرهابية.
كان الخلاف بين روسيا وأميركا لمسائلٍ عالميّة كثيرة، ولا يمكن اختزاله الآن في سورية أيضاً، ولهذا تُطرح قضيتا أوكرانيا وسورية معاً من جديد، وهناك مسائل أخرى بالتأكيد. وهذه يترتب عليها تغيّرات كبرى بخصوص التعارض بين سياسة ترامب والسياسة الأوروبية، وبالتالي هناك تغييرات كبيرة تطاول السياسة الأميركية عالمياً. ولا يتوقف الرئيس الأميركي الطموح عن اتخاذ قرارات جديدة، على الرغم من أنها تُواجَه برفضٍ أميركيٍّ وعالميٍّ. تعطيل بعض تلك القرارات بفعل القضاء الأميركي، كما القرار الخاص بمنع سكان سبع دول إسلامية من دخول أميركا لا يعني إيقافها بأي حالٍ.
التقليل من التغيرات الأميركية في منطقتنا أمرٌ خاطئ، فالسياسة الأميركية ترفض التمدّد الإيراني، وتعلن بوضوح شديد أن نفط العراق لأميركا، وأن التدخل الإيراني هناك يجب أن
الآن، وبخصوص مواقف أميركا في سورية، فهناك دعم كبير لقوات صالح مسلم، واحتمال التقدم ضد "داعش" بدعم أميركي بالتحديد، وهذا سيقوي الأكراد ضد تركيا في سورية، وقد يدفع كرد تركيا للثورة مجدداً، وهو ما يعني عدم أخذ أميركا الاعتراضات التركية بالاعتبار. وسيكون لتعزيز القوات الكردية في سورية تأثير كبير على الوضع الكردي في تركيا، وبالتالي، ما زالت السياسة الأميركية إزاء تركيا غير واضحة، بينما هناك تقدم كبير في العلاقات التركية الروسية، وهذا لن يكون لصالح السيطرة الأميركية على المنطقة. وبالتالي، تشكل مسألة المناطق الآمنة والدعم الأميركي للأكراد مسائل جديدة، قد تزعزع ما ذكرناه من توافقات روسية تركية؛ والقصد هنا أنه لا معنى للكلام عن مناطق آمنة، وهناك حديث يخص الحل السياسي في سورية، وكذلك هناك منطقة أصبحت تحت السيطرة التركية، وستكون نتيجتها محاصرة "داعش" أكثر فأكثر، ومنع تشكيل أي إقليم كردي متواصل.
يتخوف محللون كثيرون من مسألة المناطق الآمنة، فهي ستتيح للدول المتدخلة أن تتحكّم بمناطق ومدن سورية معينة، وستخلق دويلات متعددة متقاتلة أو محتجزة ضد الأخرى، بفضل الدول المتدخلة، لكن السؤال هل يمكن لروسيا وأميركا وتركيا أن تغامر بقواتٍ من دولها لحماية تلك الدويلات، وهل يمكن أصلاً لدولٍ كهذه أن تعيش وتستمر. طبعاً تشكيل دويلة تحت السيطرة التركية، أو في الجنوب أو الشمال، مسائل شبه مستحيلة، نظراً للكلف الكبيرة التي تترتب عليها، ولضعف المردودية منها والفائدة كذلك؛ وعكس ذلك هناك عوامل تقارب بين روسيا وأميركا وإسرائيل، وربما دول الخليج ومصر لاحقاً، وهي ستكون الأساس في صياغة شكل الحكم على سورية، وفي المنطقة بأكملها.
تساير البراغماتية الأميركية القوات الكردية للعودة مُجدّداً إلى سورية والعراق، ولتكون لاعباً أساسياً، ولتحقيق مصالحها في دول المنطقة، ولا سيما في العراق، وبالتالي، وبعد أن استخدمت إيران حجة محاربة "داعش" في العراق وسورية، فها هي تواجهه فيها. حجة محاربة "داعش" وفق السياسة الأميركية حالياً يُراد منها تحجيم إيران وإعادة الدور الأميركي للمنطقة، وإيقاف التقدم الكبير في التنسيق التركي الروسي الإسرائيلي، من دون فوائد تذكر لصالح أميركا. طبعاً هذا لا يتناقض مع الإستراتيجية الأميركية الأساسية المحدّدة بمواجهة الصين، وبالتالي، لخدمة هذه القضية تتغيّر السياسات الأميركية في منطقتنا والعالم.
خلطت التغييرات الأميركية الأوراق إزاء إيران والمناطق الآمنة؛ وهذا ما أصاب الروس والأتراك والإيرانيين بارتباكٍ شديدٍ. لم تعد المواقف الأميركية تحذيرات فقط، فهناك قرارات ضد كيانات وشخصيات تم إقرارها. إبعاد النظام السوري عن إيران هو السياسة التي تَعمل أميركا عليها، وهو ما تفعله روسيا بالتدريج. ويشعر النظام بدوره بالخطر الكبير من جرّاء تحوله إلى لعبةٍ كاملة بيد الدول العظمى، ومعرفته أن إيران مُجبرة على المساومة عليه، للحفاظ على بعض أذرعها الإقليمية، كحزب الله مثلاً.
ستسهم سياسات أميركية المتصاعدة إزاء منطقتنا بالتأكيد في تشكيل حلف جديد، كما ذكرنا، وستكون إيران أكبر الخاسرين بسببه، لكن تركيا وسورية قد تكونان أمام دويلات كردية، ستؤجج الحروب الداخلية فيهما. ولهذا، لن تنتهي الحروب بسهولة، وقد تعاني تركيا من الحرب القومية مجدّداً.