في زاوية من زوايا المخيّم، وبينما يتهامس الجيران متذكرين هول المجزرة، وبعدما غادرنا أبو ماهر، رأيتُها.
تخطت الثمانين ولا تزال تحرك أصابع يديها متناغمة مع ماكينة الخياطة. بدأت عملها منذ الثالثة عشرة، بعدما توارثت الخياطة عن والدتها: كانت تُراقب طريقة طيّها للثياب، ودرزها للتنانير: "الخيّاط يُصلح كلّ شيء. كلّ شيء قابلٍ للإصلاح"، جملة ردّدتها أمّ غزوان مبتسمة.
حينما كانت صبية، بدأت مهنتها في سورية، وتنقّلت بين حمص والشام. أمّا اليوم، فتقتصر على إصلاح كنزةٍ ممزّقة، أو تعليق بعض الأزرار: "إذا إجاني شغل.. بشتغل.. وإذا ما في شغل.. بنتظر".
تملك أمّ عزوان ماكينتَي خياطة، اشترت الأولى وتحتفظ بها بعيداً كي تبقى نظيفة، أمّا الثانية فهي شريكتها في زاويتها: "ما بدي طلّع المكنة الجديدة، ما بيصير تتوسّخ.. بعكس القديمة يلي لقيتها بالشارع ونظّفتها". تُحاول الخيّاطة جمع مبلغ من المال لشراء ماكينة أُخرى، "سأبيع المصدّية وأشتري واحدة جديدة، بحبّ المكنات!".
ساعدها الاتحاد النسائي السوري على تعلّم الخياطة، وأرادت أن تُوسّع أحلامها، ولكن تنقلها بين سورية وبيروت لم يوفّر لها ما يكفي من الاستقرار، فاكتفت بتعديل الفساتين، أو تقصير بنطال، من دون أن تُفارق الابتسامة وجهها. هي أم غزوان: خيّاطة صبرا وشاتيلا.