18 فبراير 2020
أنقرة وواشنطن: الثابت والمتغير
اتسمت العلاقات التركية الأميركية بالتحسن المتنامي، منذ إعلان الولايات المتحدة مبدأ ترومان وسياسة الاحتواء عقب الحرب العالمية الثانية، وانطلقت الولايات المتحدة في علاقاتها مع تركيا من تصوّر استراتيجي، مفاده الاستفادة من الدور الجيوستراتيجي لتركيا في مواجهة الاتحاد السوفييتي السابق، فأقامت علاقات عسكرية وثيقة معها، وبنت قواعد عسكرية على أراضيها، وحظيت تركيا بمساعدات اقتصادية وعسكرية ضخمة من الإدارات الأميركية، إلى درجة أن قواتها البرية تتلقى الحصة الكبرى من بين قوات الحلف الأطلسي، بل تركيا الدولة الوحيدة التي حصلت على ترخيص أميركي بصنع الطائرات إف ــ 16. وعليه، جمعت بين البلدين روابط أمنية وعسكرية متينة، منذ انضمام تركيا المبكّر إلى الحلف عام 1952، إلا أن هذه العلاقات الجيدة لم تمنع من حصول فتورٍ بين البلدين في غير محطة، لعل أبرزها عقب الاجتياح العسكري التركي شمال قبرص عام 1974، واليوم تشهد هذه العلاقات فتوراً لتناقض الأجندة إزاء أكثر من قضية.
ثمّة من يتحدث في واشنطن عن خيبة أمل الرئيس الأميركي، باراك أوباما، من الرئيس التركي، أردوغان، بعد أن اختار أوباما تركيا أول دولة إسلامية زارها عام 2009، وامتدح النموذج التركي، وأكّد على ضرورة تعميمه في المنطقة، قبل أن يكتشف أن ثورات الربيع العربي أحدثت شرخاً في سياسة البلدين، إزاء مستقبل المنطقة والعلاقة بالقوى والأنظمة السياسية فيها، حتى باتت مواقف البلدين تحمل أجندة متباينة، وبل متناقضةً في قضايا كثيرة، من أبرزها التعاطي مع القضية الكردية والأحزاب الكردية، ولاسيما حزبي الاتحاد الديمقراطي في سورية والعمال الكردستاني المصنف في قائمة الإرهاب تركياً وأميركياً، فتركيا ترى أن لا فرق بينهما، وأنهما يمارسان الإرهاب، فيما تصرّ واشنطن على التمييز بين الحزبين، وتؤكد أن "الاتحاد الديمقراطي" حليف وثيق لها، خصوصاً بعد أن أثبت جناحه العسكري (وحدات حماية الشعب) قدرته على مواجهة "داعش"، وإلحاق خسائر كبيرة به في أكثر من منطقة في شمال شرق سورية. وبخصوص حزب العمال الكردستاني، تشدّد واشنطن على ضرورة عودة الحكومة التركية إلى الحوار معه، فيما يقول أردوغان إنه سيواصل الحرب ضده، خصوصاً مع زيادة الهجمات الإرهابية بالسيارات المفخخة في المدن التركية، حيث تُسارع أنقرة، كل مرة، إلى توجيه الاتهام للحزب، لاسيما بعد أن ألحقت التفجيرات خسائر اقتصادية كبيرة بتركيا، وتراجعاً في السياحة.
يشمل الخلاف الأميركي - التركي الملف السوري، أيضاً، إذ ليس خافياً أن أردوغان بنى سياسة بلاده تجاه الأزمة السورية على أساس إسقاط نظام بشار الأسد، وسعت إلى تحقيق هذا الهدف بكل الوسائل، والواضح أن هذا الأمر غير موجود على أجندة واشنطن التي تركّز على أولوية محاربة داعش، والتفاهم مع الروس على إيجاد تسويةٍ للأزمة السورية. ويثير استغراب تركيا عدم وضوح موقف واشنطن بشأن مستقبل النظام، خصوصاً بعد أن عملت واشنطن على التخلص من نظامي مبارك والقذافي، كما أن أنقرة ترى أن الإدارة الأميركية هي التي وقفت عملياً ضد إقامة منطقة آمنة في الشمال السوري، قبل أن تتدخّل روسيا عسكرياً في سورية، وتلغي إمكانية إقامة مثل هذه المنطقة.
وترى أنقرة أن موقف واشنطن من النزاع التركي- الروسي، بعد إسقاط تركيا مقاتلة حربية روسية، والتصعيد الذي يمارسه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لا يتناسب وعلاقات الأعضاء في الحلف الأطلسي، إذ نادراً ما نشهد فتوراً في العلاقة بين أعضاء الحلف، كما الحال مع تركيا التي ربما تحسّ بأنها عضو من درجة ثانية، إن لم تكن ثالثة، علماً أن حدودها الجغرافية هي الأهم أمنياً بالنسبة للحلف، لجوارها الجغرافي مع روسيا وإيران والعراق وسورية.
واضح أن العلاقة الأميركية – التركية، وعلى الرغم من بعدها الاستراتيجي والحيوي للطرفين، بالنسبة لواشنطن محكومةٌ بمدى رؤيتها لمحدودية دور الحليف التركي، وهو دور وظيفي، في نظرها، ولا تريد، في جميع الأحوال، أن يكبر أكثر، أو يتحوّل إلى موقع دولةٍ كبرى تعارض، أو تقف في الموقف المناقض لسياساتها، ولعل هذا ما يتناقض مع طموحات أردوغان، وتطلعاته التي تتجاوز حدود الرؤية الأميركية.
ثمّة من يتحدث في واشنطن عن خيبة أمل الرئيس الأميركي، باراك أوباما، من الرئيس التركي، أردوغان، بعد أن اختار أوباما تركيا أول دولة إسلامية زارها عام 2009، وامتدح النموذج التركي، وأكّد على ضرورة تعميمه في المنطقة، قبل أن يكتشف أن ثورات الربيع العربي أحدثت شرخاً في سياسة البلدين، إزاء مستقبل المنطقة والعلاقة بالقوى والأنظمة السياسية فيها، حتى باتت مواقف البلدين تحمل أجندة متباينة، وبل متناقضةً في قضايا كثيرة، من أبرزها التعاطي مع القضية الكردية والأحزاب الكردية، ولاسيما حزبي الاتحاد الديمقراطي في سورية والعمال الكردستاني المصنف في قائمة الإرهاب تركياً وأميركياً، فتركيا ترى أن لا فرق بينهما، وأنهما يمارسان الإرهاب، فيما تصرّ واشنطن على التمييز بين الحزبين، وتؤكد أن "الاتحاد الديمقراطي" حليف وثيق لها، خصوصاً بعد أن أثبت جناحه العسكري (وحدات حماية الشعب) قدرته على مواجهة "داعش"، وإلحاق خسائر كبيرة به في أكثر من منطقة في شمال شرق سورية. وبخصوص حزب العمال الكردستاني، تشدّد واشنطن على ضرورة عودة الحكومة التركية إلى الحوار معه، فيما يقول أردوغان إنه سيواصل الحرب ضده، خصوصاً مع زيادة الهجمات الإرهابية بالسيارات المفخخة في المدن التركية، حيث تُسارع أنقرة، كل مرة، إلى توجيه الاتهام للحزب، لاسيما بعد أن ألحقت التفجيرات خسائر اقتصادية كبيرة بتركيا، وتراجعاً في السياحة.
يشمل الخلاف الأميركي - التركي الملف السوري، أيضاً، إذ ليس خافياً أن أردوغان بنى سياسة بلاده تجاه الأزمة السورية على أساس إسقاط نظام بشار الأسد، وسعت إلى تحقيق هذا الهدف بكل الوسائل، والواضح أن هذا الأمر غير موجود على أجندة واشنطن التي تركّز على أولوية محاربة داعش، والتفاهم مع الروس على إيجاد تسويةٍ للأزمة السورية. ويثير استغراب تركيا عدم وضوح موقف واشنطن بشأن مستقبل النظام، خصوصاً بعد أن عملت واشنطن على التخلص من نظامي مبارك والقذافي، كما أن أنقرة ترى أن الإدارة الأميركية هي التي وقفت عملياً ضد إقامة منطقة آمنة في الشمال السوري، قبل أن تتدخّل روسيا عسكرياً في سورية، وتلغي إمكانية إقامة مثل هذه المنطقة.
وترى أنقرة أن موقف واشنطن من النزاع التركي- الروسي، بعد إسقاط تركيا مقاتلة حربية روسية، والتصعيد الذي يمارسه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لا يتناسب وعلاقات الأعضاء في الحلف الأطلسي، إذ نادراً ما نشهد فتوراً في العلاقة بين أعضاء الحلف، كما الحال مع تركيا التي ربما تحسّ بأنها عضو من درجة ثانية، إن لم تكن ثالثة، علماً أن حدودها الجغرافية هي الأهم أمنياً بالنسبة للحلف، لجوارها الجغرافي مع روسيا وإيران والعراق وسورية.
واضح أن العلاقة الأميركية – التركية، وعلى الرغم من بعدها الاستراتيجي والحيوي للطرفين، بالنسبة لواشنطن محكومةٌ بمدى رؤيتها لمحدودية دور الحليف التركي، وهو دور وظيفي، في نظرها، ولا تريد، في جميع الأحوال، أن يكبر أكثر، أو يتحوّل إلى موقع دولةٍ كبرى تعارض، أو تقف في الموقف المناقض لسياساتها، ولعل هذا ما يتناقض مع طموحات أردوغان، وتطلعاته التي تتجاوز حدود الرؤية الأميركية.