أن تكون ضد المنشار فأنت ضد بشار

29 نوفمبر 2018
+ الخط -
لا يوجد حاكم محظوظ مثل بشار الأسد، فهو يتلقى هدايا لا يستحقها، هو وحليفه النظام الإيراني. جديدها كان قضية جمال خاشقجي، فالجريمة بكل ما اتصفت به من بشاعة وغباء، استغلها الإيرانيون وحلفاؤهم، ليظهروا مدافعين عن الصحافة وحرية الرأي. مع أنهم فعلوا بخصومهم السياسيين والصحافيين ما يجعل محمد بن سلمان تلميذا في مدرستهم. وخاشقجي تحديدا من قلةٍ في الصحافة أخذت موقفا متقدّما من الثورة السورية من اليوم الأول إلى لحظة استشهاده.
ولعل أكثر صور الاستغلال فجاجةً كانت في تونس، عندما اندفع حلفاء بشار الذين زاروه في دمشق وراء الحملات الرافضة زيارة ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، تونس. تلك لحظة شدّت الصحافة العالمية، وأعادت الاعتبار إلى تونس، باعتبارها البلد العربي الوحيد الذي تجرؤ فيه المعارضة على التظاهر ضد طاغيةٍ ثري. احتل المتظاهرون التونسيون عناوين الصحافة العالمية في "واشنطن بوست" و"نيويورك تايمز" و"فايننشال تايمز" و"بلومبيرغ" وغيرها. تلك الصورة الكبيرة الناصعة عكّرها وجود حلفاء الطاغية في التظاهرات.
في الواقع، هذه هي السياسة، وكثيرا ما تجد نفسك في موقفٍ واحدٍ مع من تختلف معهم في الموقف نفسه. ففي التضامن مع القضية الفلسطينية، تجد معك كثيرا ممن تختلف معهم من دول وتنظيمات شمولية. والمهم هنا أن تتحوّل لحظة اللقاء إلى تحالفٍ يجامل على حساب المبادئ، فبشار الأسد مجرم ارتكب من الفظاعات ما يشين كل من يجلس معه، ومكانه الطبيعي محكمة الجنايات الدولية. وآخر ما يحتاجه صحافي حر، كجمال خاشقجي، أن يتحالف معه حلفاء بشار. وحصل العكس أيضا، كنت ألوم نفسي عندما أجد مقالا لي عن بشار الأسد يشبه مقالا لعبد الرحمن الراشد.
بإمكان النخب الثقافية والسياسية أن تحترم مكانها ومكانتها، بعيدا عن ضرورات السياسة وألاعيبها وتقلباتها، فأن تكون ضد سلطةٍ تستخدم المنشار في تقطيع جثة صحافي فهذا يعني أن تكون ضد سلطةٍ لم تتورّع عن استخدام كل وسائل القتل المحرمة ضد شعبها الأعزل، من الكيميائي إلى البراميل، مرورا بالتجويع والتعذيب. وهذا ما يجعل الموقف أخلاقيا مجرّدا من الحسابات والمصالح.
ينسحب هذا الموقف على الحوثيين في اليمن. صحيح أن الإمارات والسعودية، وكثيرين ممن حالفوهما، يرتكبون جرائم حرب وتجويع وحصار واغتيالات، تماما كما يفعل الحوثيون في حصارهم تعز وغيرها، وترويعهم المدنيين واعتقال الصحافيين والمعارضين وتعذيبهم.
تنتمي قضية جمال خاشقجي إلى الربيع العربي، أي اللحظة التاريخية التي احترمنا فيها العالم، وأعجب بنا بوصفنا أمةً تسعى إلى الحرية، وتدفع كلفة الحصول عليها. وبعيدا عن حسابات السياسيين، أخذت الصحافة العالمية موقفا أخلاقيا متقدّما، وآزرها من استطاع من العرب. وتمكّنت الصحافة من دفع الأجندة السياسية باتجاه صحيح... للتاريخ، كانت أول ردة فعل سياسية في أميركا بعد أسبوع من مقتل خاشقجي على لسان عضو النواب الديمقراطي جيري كونولي. بفضل الصحافة الحرّة، تحولت إلى قضية أساسية في أميركا والعالم. ومن معه الصحافة الحرّة لا يحتاج إلى حليف كبشار الأسد، ومن حالفه.
83B64D8F-BC3E-45BA-96A2-36C353D769E9
83B64D8F-BC3E-45BA-96A2-36C353D769E9
ياسر أبو هلالة

كاتب وصحفي، عمل مديرا عاما لقناة الجزيرة (2014-2018)، ومراسلا. وصانع أفلام، وكاتبا في صحف الرأي والغد والحياة.

ياسر أبو هلالة