أن تكون مسلماً في أميركا

25 سبتمبر 2015

مسلمون يؤدون صلاة عيد الفطر في نيويورك (28 يوليو/2014/الأناضول)

+ الخط -
"قد يكون هذا أصعب وقت أن تكون مسلماً في أميركا". هذا التقويم ليس من عندي، وإنما هو خلاصة وصل إليها وزير العدل الأميركي السابق، إريك هولدر، بناءً على معطيات توفرت لديه عندما كان على رأس عمله. وجاءت تلك الخلاصة في خطاب له أمام "رابطة مكافحة التشهير" اليهودية الأميركية، في أكتوبر/ تشرين الأول 2009. وعلّل هولدر موقفه حينئذٍ بثلاثة أسباب: الأول، أن المسلمين الأميركيين، كما بقية الأميركيين، رُوّعوا بهجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001، وتألموا بسببها. والثاني، أنهم حُمِّلوا مسؤوليتها من بعض شرائح المجتمع ومورس ضدهم التمييز. والثالث، أنهم شعروا باستهداف الأجهزة الأمنية لهم وتمييزها ضدهم. وعلى الرغم من ذلك، لم يستطع هولدر نفسه، أو لم يكن راغباً في رفع التمييز ووقف الاستهداف الممنهج للمسلمين الذي تمارسه الأجهزة الأمنية التي كانت تحت إمرته (2009-2015). 

مناسبة الحديث في هذا الموضوع أحداث ثلاثة في الأسبوع الماضي. الأول، وقع يوم الخميس (17/ 9)، في تجمع انتخابي للمرشح الجمهوري الرئاسي الأبرز (إلى الآن) دونالد ترامب، في مدينة روشستر في ولاية نيوهامبشير، وذلك عندما خاطبه أحد مناصريه: لدينا مشكلة في هذا البلد... إنها المسلمون. نعرف أن رئيسنا الحالي واحد منهم، ونعلم حتى أنه ليس أميركياً. وأضاف: لدينا معسكرات تدريب تنمو حيث إنهم (المسلمون) يريدون قتلنا، وهذا سؤالي. متى يمكننا التخلّص منها؟ وعلى الرغم من مزاعم ذلك الرجل غير الصحيحة، سواء في ما يتعلق بديانة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، وهو مسيحي، أم بمزاعم وجود معسكرات تدريب للمسلمين في أميركا، فإن ترامب لم يقاطع الرجل، ولم يرفض مزاعمه أبداً، وهو ما جلب عليه حملة انتقادات من الديمقراطيين ومرشحين جمهوريين آخرين.
ولم يكد يمضي يوم على الحدث السابق، حتى كانت وسائل الإعلام الأميركية تضج بقصة طفل أميركي مسلم، من أصول سودانية، تقيم عائلته في مقاطعة إيرفينج في ولاية تكساس. أحمد محمد (14 عاماً)، التلميذ في الصف التاسع، وجد نفسه يوم الجمعة (18/ 9) محاطاً برجال شرطة، وقد صُفِّدَتْ يداه بالأغلال، وسيق، كما المجرمين، إلى التحقيق. أما جريمة أحمد فقد كانت أن إحدى مدرّساته ظنّت أن الساعة التي ابتكرها وصنعها في منزله قنبلة، فكان أن بلّغت الشرطة التي جاءت واعتقلته، فالمسلم، في المخيال الجَمَعِيِّ الأميركي، اليوم، أقرب إلى الإرهابي منه إلى الإنسان الناجح. وعلى الرغم من أن أحمد تلقى دعوة من أوباما لزيارة البيت الأبيض، فإن تلك التجربة المريرة حفرت في ذاكرته، كما في ذاكرة ملايين من المسلمين الأميركيين، معنى أن تكون مسلماً في أميركا.
يتمثّل الحدث الثالث بتصريحات مرشح ثانٍ عن الحزب الجمهوري للرئاسة، جراح الأعصاب
المتقاعد، بين كارسون، وقال فيها، يوم الأحد (20/ 9) إنه لا يجوز لأي مسلم أن يكون رئيساً للولايات المتحدة، ذلك أن العقيدة الإسلامية تتعارض والدستور والمبادئ الأميركية. اللافت هنا، أولاً، أن كارسون أسود، أي من عرق عانى العبودية والإذلال في التاريخ الأميركي. ولا زال، أي العرق الأسود، يعاني إلى اليوم في الولايات المتحدة من التمييز والتهميش. وثانياً، أن التجربة السياسية التاريخية المريرة للسود تسجل أن "الرقيق" عوملوا حسابياً بموجب الدستور الأميركي، قرابة ثمانين سنة (1787-1865)، على أن الفرد فيهم يساوي ثلاثة أخماس الأبيض. ولم يُلْغَ ذلك النص الدستوري إلا بعد الحرب الأهلية الأميركية عام 1865. والدستور المعدّل الذي ضمن لكارسون وأمثاله الحرية، في تعديله الثالث عشر، هو الذي يضمن لكل أميركي، في مادته السادسة، الحق في تولّي أي منصب من دون إخضاعه لامتحان ديني. المفارقة، هنا، أن كارسون ليس أسود فحسب، بل هو من رعايا المذهب الكاثوليكي الذي عانى أتباعه تمييزاً تاريخياً طويلاً في الولايات المتحدة، وصل إلى حد إصدار ولايات أميركية تشريعات تمنع إقامتهم فيها. ولو لم تكن هناك مادة سادسة في الدستور تمنع اختبار دين أي مرشح لمنصب حكومي، لما كان في إمكانه الترشح اليوم للرئاسة، ولما كان في وسع الرئيس الراحل، جون أف. كنيدي، أن يصل إلى كرسي الرئاسة.
الأوضاع والأحداث والسياسات التي تظهر صعوبة واقع المسلمين في الولايات المتحدة في حقبة ما بعد هجمات 2001، أكثر من أن تحصى. فأنت عندما تمر عبر المنافذ الحدودية، الجوية والبحرية والبرية، تجد أعداداً من المسلمين مكدسة في انتظار انتهاء إجراءات التحقيق والتفتيش. وهم كذلك يعانون من التمييز والاستهداف في ملفات التجنيس، وفي العلاقة مع الأجهزة الأمنية. ولا تقل حالتهم سوءاً في الإعلام وبعض الدوائر السياسية، كما في حملات
بعض أعضاء الكونغرس عليهم. فضلاً عن التهميش والتمييز في الوظائف والعمل. دع عنك نظرة الريبة والشك التي تلاحقهم مجتمعياً. وتكفينا الإشارة، هنا، إلى استطلاع للرأي أجراه مركز بيو الأميركي عام 2014، وأظهر أن أكثر من 41% من الأميركيين ينظرون بسلبية إلى الإسلام، مقارنة مع 29% عام 2002، أي بعد هجمات "11 سبتمبر" 2001.
صحيح أن أفعال بعض المسلمين المسيئة والمهددة للأمن القومي الأميركي ساهمت في تعزيز الصورة النمطية السلبية عن الإسلام والمسلمين، لكن حصر المشكلة في ذلك فيه تبسيط مخلّ، ذلك أنها تنفي الدور الفاعل والحاسم لـ"صناعة الإسلاموفوبيا" القائمة على تشويه الإسلام وشيطنة المسلمين. ولهذه الصناعة مُمْتَهِنونَ كثر في الإعلام والسياسة والأمن والسينما والتيارات الدينية، وبتحريض واضح من جماعات يمينية متطرفة، ومن اللوبي الصهيوني، ويقف وراءها تمويل منظّم بعشرات الملايين من الدولارات سنوياً. وتشتد حملة هذه الصناعة، دائماً، قبل أي انتخابات نصفية أو رئاسية.
حسب أحدث استطلاع للرأي، أجرته، في سبتمبر/ أيلول الجاري، (سي أن أن/أو أر سي)، فإن 29% من الأميركيين يعتقدون أن أوباما مسلم، في حين تبلغ هذه النسبة 43% في صفوف الحزب الجمهوري، و54% بين مؤيدي ترامب. وقد رد البيت الأبيض، والمرشحة الديمقراطية للرئاسة، هيلاري كلينتون، ومرشحون جمهوريون، مثل جيب بوش، وكريس كريستي، أن أوباما مسيحي. لكننا لم نسمع، هذه المرة، رداً كالذي سمعناه عام 2008، من وزير الخارجية الأميركي الأسبق، الجمهوري، كولن باول، عندما أثيرت المسألة نفسها حول حقيقة ديانة أوباما، عندما كان مرشحاً للرئاسة. حينها أجاب باول: "وماذا لو كان أوباما مسلماً؟ هل هناك ما يعيب في أن تكون مسلماً في هذه البلد؟ الجواب: لا، هذه ليست أميركا. هل هناك خطأ في أن يعتقد طفل أو طفلة يبلغان سبعة أعوام بأنهما قد يكونان يوماً رئيساً؟".
الإجابة طبعاً لا، غير أن الواقع، من أسفٍ، غير ذلك، ليس هنا في أميركا، فحسب، بل حتى في كثير من بلادنا الإسلامية. ففي كثير من بلادنا، لا نعرف، نحن العرب والمسلمين، معنى للمواطنة، فهي مرهونة برضى السلطان. وهناك من يريد، في الغرب "الديمقراطي"، أن يستعير قيم أنظمة جور في بلادنا، وفرضها علينا هنا في أميركا.