لن يكون هناك مستشفى في بلدة عرسال (شرق لبنان) بعد اليوم، بعدما قرر اتحاد الجمعيات الإغاثية والتنموية في لبنان إغلاق مستشفى الرحمة الوحيد في بلدة عرسال شرق لبنان، بسبب نقص التمويل. هكذا، سيصبح 140 ألف مدني لبناني وسوري من دون مركز طبي، علماً أن أقرب مستشفى يبعد عنهم عشرات الكيلومترات. على ما يبدو، لن يحمل العام الجديد بشريات خير لهؤلاء.
تاريخياً، حرمت البلدة من خدمات الدولة، خاصة المراكز الطبية. فمن أصل خمسة مستشفيات رسمية في قضاء بعلبك- الهرمل، يبعد الأقرب، وهو مستشفى بعلبك الحكومي، نحو ثلاثين كيلومتراً عن البلدة، ما يجعل الانتقال إليه صعباً، خاصة في الحالات الطارئة.
اللافت أن أحداً لم يتحرك لافتتاح مستشفى في البلدة التي تضم أكثر من أربعين ألف مواطن لبناني، بحسب إحصاءات البلدية، قبل موجات اللجوء السوري إليها عام 2012. أدى موقع البلدة القريب جغرافياً وسياسياً من منطقة القلمون السورية إلى لجوء نحو 100 ألف سوري، بحسب إحصاءات هيئات الإغاثة المحلية. أمر دفع اتحاد الجمعيات الإغاثية والتنموية (مؤسسة أهلية لبنانية تُعنى باللاجئين السوريين) إلى افتتاح مستشفى الرحمة لتقديم الخدمات للاجئين السوريين والمجتمع المحلي المضيف.
في السياق، يشير رئيس مجلس إدارة المستشفى عبدالله العمري لـ"العربي الجديد" إلى استقبال نحو 60 ألف مريض خلال العام الحالي، بمعدل 5000 شخص شهرياً. وقد تم إجراء 900 عملية جراحية، وإشغال 20 سريرا بحسب القدرة الاستيعابية. كما تتولى الصيدلية التابعة للمستشفى توزيع الأدوية واللقاحات الموسمية بشكل مجاني.
من جهته، يوضح المدير الإداري للمستشفى، باسم فارس، أن "المستشفى يستقبل يومياً 165 مريضاً، ويجري 70 عملية جراحية شهرياً"، مبيناً أن "30 في المائة من المستفيدين هم لبنانيون". لعب المستشفى دوراً بارزاً في علاج الجرحى خلال معركة عرسال بين الجيش اللبناني وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) و"جبهة النصرة" في أغسطس/آب الماضي. يومها، استقبل المستشفى عشرات الإصابات بين مدنيين لبنانيين وسوريين، بالإضافة إلى جرحى من المسلحين السوريين، ما أثار حفيظة أهالي القرى المجاورة لعرسال، فمنعوا وصول المساعدات الطبية إلى البلدة، وقطعوا الطريق الوحيد المؤدي إليها.
ويؤكد العمري أن الإدارة "تستقبل المريض كإنسان بحاجة للمساعدة الطبية بغض النظر عن انتمائه". يؤكد أن المستشفى "لا يتقاضى أي بدل مالي في مقابل الخدمات الطبية التي يقدمها، وتبلغ الميزانية الشهرية للمستشفى 60 ألف دولار أميركي، تتوزع بين رواتب 45 موظفا إداريا وطبيا، بالإضافة إلى كلفة المستلزمات الطبية التي يتم شحنها للبلدة من مناطق البقاع، وكلفة الوقود لتشغيل مولدات الكهرباء".
تبنت هيئات إغاثية محلية ودولية تمويل المستشفى خلال العام الحالي، بحسب العمري. يوضح "أمنا الميزانية السنوية بالإضافة إلى استكمال افتتاح طوابق المبنى الذي صمم ليكون مستشفى متكاملا يضم غرفتي عمليات، وغرفتي تصوير، و40 سريرا. لكنه لم ينجح حتى اللحظة في تأمين الكلفة التشغيلية للعام الثاني". بالإضافة إلى المستشفى، تنتشر في البلدة مستوصفات صغيرة لا تغطي الحاجات الطبية للاجئين والمواطنين.
في السياق، تشير مصادر محلية لـ"العربي الجديد" إلى "إقامة الشيخ مصطفى الحجيري مستشفى ميدانيا يضم غرفة عمليات واحدة في قاعة المسجد الذي يديره في البلدة. وقدم هذا المستشفى الخدمات الطبية للمقاتلين السوريين الجرحى، وقد شكّل مصدر قلق بالنسبة للأهالي". أيضاً، تشير المصادر نفسها إلى استقبال مستشفى الرحمة "جرحى الجيش اللبناني خلال معركة عرسال، بعد الاعتداءات على عناصر الجيش في البلدة وجردها".
يُشار إلى أنه تم افتتاح مستشفى الرحمة في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2013، إثر تزايد تدفق اللاجئين السوريين على عرسال، والحاجة الملحة إلى مركز يقدم الرعاية الصحية للأعداد المتزايدة من الجرحى والمرضى، خصوصاً في ظل عدم قدرة المستشفى الميداني الموجود في البلدة على تلبية الضغط المتزايد، وافتقاره إلى شروط السلامة والتعقيم. هكذا، سيضاف النقص في الخدمات الطبية إلى قائمة الحرمان الطويلة التي يعاني منها أهالي عرسال. هؤلاء هم ضحايا الدولة التي لم تلتفت إليها. والمحصلة 140 ألف نسمة يعيشون في بلدة نائية من دون مستشفى.