شاركت زوجات وأمهات وبنات معتقلين لدى الأمن الفلسطيني في وقفة احتجاجية أمام مجمع المحاكم في مدينة البيرة، المجاورة لمدينة رام الله، للمطالبة بالإفراج عن النشطاء الذين يواصل عدد منهم الإضراب عن الطعام، في ظل انتظار رد المحكمة على طلب تقدم به محامون لإخلاء سبيل النشطاء الفلسطينيين، على خلفية محاولتهم تنظيم تظاهرة ضد الفساد الأسبوع الماضي.
وقفت الفلسطينية إيناس زهران وأطفالها أمام مبنى المحكمة، يهتفون "بدنا بابا يروح معنا"، "الشعب يريد الإفراج عن الحراكيين"، وقالت لـ"العربي الجديد": "زرت زوجي أسامة خليل في السجن، وقد تدهور وضعه الصحي، وأطالب الرئيس محمود عباس، ورئيس الوزراء محمد اشتية بالإفراج عنه وعن زملائه. أفخر به، وقد اعتقل ظلما فقط لأنه احتج على الفساد".
وأبدت بنات المعتقل جهاد عبدو، قلقهن عليه، إذ يرقد في المستشفى لتحديد موعد لعملية قسطرة بعد أن علق إضرابه عن الطعام من أجل إجراء العملية عقب تردي وضعه الصحي. تقول ابنته شروق لـ"العربي الجديد": "حالة أبي خطرة، وفي كل يوم يعاني من إغماء وجفاف، وقيل لنا إن ذلك يمكن أن يؤثر على كليتيه، لكنه هدد بالعودة إلى الإضراب عن الطعام غدا الإثنين، بعد إجراء العملية في حال لم يتم الإفراج عنه، ونحن نحمل السلطة المسؤولية لأن حالته الصحية خطيرة".
وتعود القضية إلى 19 يوليو/تموز الجاري، حين دعا النشطاء إلى وقفة ضد الفساد بعنوان "طفح الكيل"، ومنعت الأجهزة الأمنية الفلسطينية الوقفة بعد تطويق ميدان المنارة في وسط رام الله، وتم اعتقال 19 منهم، ثم اعتقال 3 آخرين لاحقا، وأفرج عن عدد منهم ليبقى 12 ناشطا معتقلين بتهمة التجمهر غير المشروع، ومخالفة قانون الطوارئ الذي كان أعلنه الرئيس الفلسطيني لمكافحة فيروس كورونا، فيما يواجه الناشط علاء الريماوي تهمة ذم السلطة.
وقالت إسلام الفايز زوجة المعتقل محمد القروي لـ"العربي الجديد"، إن مطلبها هو الإفراج الفوري عنهم جميعا في ظل إضرابهم المتواصل منذ ثمانية أيام، وأشارت إلى أنه طلب منهم التوقيع على ورقة تفيد بتحملهم مسؤولية صحتهم بعد أن رفضوا نقلهم إلى الخدمات الطبية العسكرية.
أما طاقم الدفاع من مجموعة "محامون من أجل العدالة"، فينتظرون رد المحكمة على طلب إخلاء سبيل المعتقلين الذين تم تمديد توقيفهم لـ15 يوما على ذمة التحقيق، وهي المدة القصوى التي يسمح بها القانون، فيما وافقت المحكمة على محاكمة الناشط علاء الريماوي موقوفا حتى انتهاء إجراءات المحاكمة بعد تحويل ملفه من النيابة.
ويقول مدير "محامون من أجل العدالة"، مهند كراجة، لـ"العربي الجديد": "منذ اليوم الأول لمتابعة الملف نواجه عراقيل، ولم نتمكن من زيارتهم إلا مرة واحدة بعد تنسيق من مكتب الأمم المتحدة، فيما نمنع منذ الخميس الماضي، من الزيارة المتاحة وفقا لقانون الإجراءات الجزائية، لكن سمح لآخرين بزيارتهم لإقناعهم بفك الإضراب عن الطعام".
وفي بيان لاحق لتصريحات مديرها، أكدت "محامون من أجل العدالة" في بيان، أنها تمكنت اليوم الأحد، من زيارة جميع النشطاء الموقوفين، والذين أكدوا استمرارهم في الإضراب حتى الإفراج عنهم، وأنه بدا عليهم جميعا التعب والإرهاق نتيجة الإضراب المفتوح عن الطعام، بينما يواصل الناشطين فراس بريوش وجميل أبو الكباش إضرابهما عن الطعام والماء.
وأعربت المجموعة عن قلقها من الحالة الصحية للناشط جهاد عبدو، الموقوف في مجمع فلسطين الطبي برام الله، تحت الحراسة الشُرطية، وأنه وصلها تقرير طبي يفيد بحاجته إلى عملية قسطرة عاجلة، فيما تطلب إدارة المستشفى من الأهل إحضار تغطية مالية لإجراء العملية، وفق ما أفاد به شقيقه.
ولم تصدر محكمة صلح رام الله، اليوم، أي قرار بخصوص طلب الإفراج عن النشطاء، بانتظار قيام النيابة بتزويد المحكمة بالملف التحقيقي حتى يتسنى إصدار القرار، الأمر الذي تعتبره "محامون من أجل العدالة" مخالفة لقانون الإجراءات الجزائية، ومخالفة لضمانات المحاكمة العادلة التي تترتب على هذا التباطؤ في تنفيذ النيابة لقرار المحكمة بإحضار الملف التحقيقي، مشيرة إلى محاولة زيارة جهاد عبدو في مجمع فلسطين الطبي للاطمئنان على صحته، بانتظار وصول تعليمات مدير شرطة رام الله.
وقال الخبير القانوني عصام عابدين، لـ"العربي الجديد"، إن "اعتقال الحراكيين (النشطاء) وتوقيف النيابة لهم، ثم تمديد توقيفهم من قبل القضاء 15 يوما على ذمة التحقيق، يدلل على حجم التدهور الحاصل في منظومة العدالة والنظام السياسي، خصوصا في زمن الجائحة، والأمر عدوان على الحقوق الدستورية، وعلى الحرية الشخصية كحق مقدس للإنسان".
واعتبر عابدين التهم المسندة للحراكيين صادمة، وقال: "عندما يتم إسناد تهمة التجمهر غير المشروع، يجب أن نعلم أن التجمهر غير المشروع في القانون هو التجمع المكون من 7 أشخاص فأكثر لارتكاب جرم، فما هو الجرم؟ وهل مطالبتهم بمحاربة الفساد جريمة؟ هذا أمر صادم، وكذا أن يتم تمديد التوقيف إلى الحد الأقصى دون النظر إلى الملف التحقيقي. المفارقة أن ذات القاضي الذي مدد التوقيف، هو الذي حجب 59 موقعا إلكترونيا. ما يجري هو انهيار في منظومة العدالة في زمن مجلس القضاء الأعلى الانتقالي، ويوجب إصلاحات جادة في القضاء" على حد قوله.
وأوضح عابدين: "أعتقد أن السلطة الحاكمة تصم آذانها عن انتهاك الحقوق، وانتهاك الكرامة الإنسانية، والفساد، وما يجري في عهد حكومة محمد اشتية لا يختلف عما جرى في زمن من سبقوه، فهو وزير الداخلية، وهناك نغمة في وسائل الإعلام حول الحقوق والحريات، ولكن الواقع على الأرض مخالف تماما، وهو يتحمل المسؤولية".
في المقابل، أكدت مصادر لـ"العربي الجديد"، أنه تمت الموافقة، اليوم الأحد، من الرئاسة على إحالة القاضي المسؤول عن تمديد احتجاز النشطاء، ومجموعة أخرى من القضاة إلى العمل في مؤسسات غير قضائية، بعد تنسيب من مجلس القضاء الأعلى الانتقالي.