حقق الرئيس الأميركي باراك أوباما تقارباً غير مسبوق في التاريخ الأميركي مع كوبا، عبر لقائه بـ"عدو تريخي". يأتي ذلك بعد أيام قليلة من رسم الخطوط العريضة لاتفاق أولي مع إيران. لكن هذا التقارب مع الخصوم الخارجيين تسبب في خلق تباعد داخلي غير مسبوق مع التيار السياسي التقليدي في الولايات المتحدة، الذي بدأ يستشعر الخطر من سياسة أوباما.
ولم يفلح العداء مع فنزويلا، التي تملك تأثيراً قوياً لدى دول أميركا اللاتينية، في كبح سيل الانتقادات للتقارب مع كوبا. فقد استيقظ الأميركيون صباح أمس، على هجمات تخوينية قاسية ضدّ أوباما في محطات التلفزة الموالية لخصومه في الداخل، متهمة إياه بالماركسية وكراهية أميركا، والتعاطف مع أعدائها.
وكانت المشاهد المصورة لأوباما في قمة الأميركيتين السابعة في بنما، ولقائه مع الرئيس الكوبي راؤول كاسترو، شقيق العدو التاريخي لواشنطن فيدل كاسترو، بمثابة الوقود لتصعيد الهجوم على الرئيس الأميركي الذي يحضر قمة تدعى إليها كوبا للمرة الأولى.
اقرأ أيضاً (تغطية إعلامية واسعة لـ"المصافحة التاريخية" بين أوباما وكاسترو)
وعلى وقع تلك المشاهد التلفزيونية لحديث أوباما وجهاً لوجه مع كاسترو، انقسم المعلقون الأميركيون، بين ناقمين ومؤيدين لأوباما. وذهبت التوقعات إلى حدّ القول إنّ أوباما لن ينهي عهده الرئاسي، قبل أن يزور كلا من هافانا وطهران وتوثيق علاقة بلاده بخصميها تماماً، ليكون ذلك بمثابة الإنجاز الذي يريد أن يميز به عهده عن جميع من سبقه من رؤساء أميركا.
وأشار المعلقون الأميركيون إلى أن أوباما أصبح أكثر حرصاً من أي وقت مضى على تحقيق إنجاز التقارب مع خصوم تاريخيين في الخارج، بعدما أحبطت تطورات الأوضاع في أفغانستان والعراق آماله في الولوج إلى عتبة التميز عن طريق إنهاء حربين أميركيتين، لا يبدو أن ما تبقى من عهده يكفي لإنهاء التورط الأميركي فيهما.
ورغم التأييد القوي الذي يحظى به أوباما في أوساط حزبه الديمقراطي الذي يبدو متماسكاً في صدّ الهجمات القاسية لخصوم الداخل الغاضبين من التقارب مع خصوم الخارج، غير أن شيئاً من التذمر بدأ يظهر في نبرة هؤلاء، صدرت على هيئة تحذير من أن مرشحة الحزب المحتملة هيلاري كلينتون قد تكون الضحية البريئة لسياسة التشدد داخلياً والمهادنة خارجياً.
هيلاري ودفع الثمن
أكثر ما يخشاه الديمقراطيون هو خسارة هيلاري بعض الولايات المتأرجحة بين الديمقراطيين والجمهوريين، وفي مقدّمة تلك الولايات، فلوريدا معقل المهاجرين الكوبيين؛ وهم قوة انتخابية لا يستهان بها، وأظهروا أخيراً نقمة قوية على الحزب الديمقراطي وعلى إدارة أوباما بسبب ما وصفوه بتخليها عن المبادئ، وإصابتها حلمهم في مقتل، بتنازلها عن مطلب الإطاحة الجذرية بنظام كاسترو الاشتراكي في كوبا، وهو الحلم الذي ظل يراودهم عقوداً من الزمن ولا يريدون تقديم أي تنازل بشأنه. فيما لا يزال الجمهوريون يعملون على دغدغة مشاعر الحالمين حتى وإن لم يقدموا لهم شيئاً يذكر على الصعيد العملي.
وكانت أول مؤشرات التقارب الكوبي الأميركي قد جرت في بداية عهد أوباما، عندما كانت كلينتون وزيرة لخارجية أوباما. ولم تبد الأخيرة حينها أي اعتراض على توجهات أوباما للتقارب التدريجي مع كوبا، بل قالت إن "سياسة العزلة التي تنتهجها بلادها منذ عقود طويلة لم تؤد سوى تعزيز قبضة نظام كاسترو على السلطة".
وكان بعض مسؤولي الخارجية الأميركية في عهدها يردد أن "زيادة السفر إلى الجزيرة الكوبية تعزز قضية الديمقراطية وتروج لحقوق الإنسان، كما تعود بالنفع على قطاع الزراعة والشركات التجارية الأميركية".
وتجدر الإشارة إلى أن قمة دول الأميركيتين تعقد كل ثلاث سنوات. وأول قمة حضرها أوباما لدول أميركا كانت الخامسة في عام توليه الرئاسة (2009)، وكانت هيلاري كلينتون بمعيته أثناء حضوره القمة حينها في بورت أوف سبين، عاصمة جمهورية ترينيداد، بمشاركة 34 رئيس دولة أميركية منتخبين ديمقراطياً. ولم تدع كوبا للقمة، لكنها كانت الحاضر الغائب.
وتحدث أوباما خلال تلك القمة عن أهمية إحداث تغيير في العلاقات الأميركية الكوبية، من أجل "بداية جديدة مع كوبا" للتغلب على عقود من انعدام الثقة. وفي موازاة ذلك، أعلن الرئيس الكوبي راؤول كاسترو من خارج القمة، عن استعداده لبحث كل مسألة وقضية تهم الولايات المتحدة.
وتوالت تطورات العلاقات الكوبية الأميركية في الشهور الأولى من فترة رئاسة أوباما الثانية، إذ اتخذ الأخير قراراً سرياً أجاز فيه إجراء محادثات مباشرة بين بلاده وكوبا، استضافتها كندا مثل فيها أوباما مستشاره لشؤون الأمن القومي بالنيابة بين رودز، في لقاءات استمرت من يونيو/حزيران 2013 إلى نوفمبر/تشرين الثاني 2014. ولم يعرف الأميركيون بهذه المحادثات إلا في ديسمبر/كانون الأول الماضي، بعدما تمخضت عن اتفاق على تطبيع العلاقات بين البلدين تحت مبرر الحاجة لتبادل معتقلين من الجانبين.
إلى هافانا.. وطهران
وطوال الشهور الثلاثة الأولى رصدت وسائل الإعلام الأميركية حركة سفر وسياحة نشطة جداً من الولايات إلى كوبا، تؤكّد جدية التوجه لتطبيع العلاقات بين البلدين، لكن الإدارة الأميركية كانت تنتظر على ما يبدو فرصة حضور القمة السابعة لدول الأميركيتين، للمضي قدماً في خطوة أخرى نحو تطبيع العلاقات السياسية بين البلدين.
وفي وقت سابق، كانت مصادر في الكونجرس الأميركي قد تحدثت لصحافيين أميركيين بأنها لا تستبعد أن يتوج التطبيع الإيجابي للعلاقات بين الولايات المتحدة وكوبا بزيارة رسمية قد يقوم بها أوباما لهافانا، ليكون بذلك أول رئيس أميركي يستضيفه نظام هافانا الاشتراكي. ولم تقتصر التوقعات على هافانا، بل شملت كذلك طهران التي يسرب الجمهوريون حالياً بأن أوباما سوف يزورها قبل انتهاء فترة رئاسته الثانية والأخيرة. ولا تعتمد هذه التوقعات على معايير الوضع القائم حالياً بين إيران والولايات المتحدة، بل تقوم على تكهنات وحسابات لما يمكن أن تمضي إليه العلاقات بين الأخيرتين، خلال الشهور التالية لتوقيع الاتفاق النهائي بشأن برنامج إيران النووي.
وفي خضم هذه التوقعات عادت بعض القنوات التلفزيونية إلى أرشيفها القديم؛ لتستخرج منه ما كان يتعهد به المرشح باراك أوباما بأنه سيدخل تحولاً جذرياً على سياسات بلاده الخارجية، فيما لو فاز بالرئاسة. واستذكر الأدميرال الأميركي المتقاعد جيمس ليون، حملات أوباما الانتخابية معلقاً "الآن عرفنا ما كان يقصده أوباما من قوله إنه سيجري تحولاً جذرياً في أميركا".
واتهم الأدميرال المتقاعد الذي تقدمه وسائل الإعلام الأميركية بصفته رئيساً سابقاً لأركان الأسطول الأميركي في المحيط الهادئ، ثم ملحقاً عسكرياً لدى منظمة الأمم المتحدة، أوباما بالتعاطف مع أعداء الولايات المتحدة كوبا وإيران وروسيا والصين، قائلاً إن أوباما لا يزال متأثراً "بماضيه الماركسي وعقيدته الشيوعية"، التي تظهر من خلال "إلقائه اللائمة على أميركا وتحميلها مسؤولية العديد من مشكلات العالم". واعتبر أن أوباما ينظر إلى تقويض قوة أميركا وتأثيرها العالمي على أنه "تقدم إيجابي".
وكان أوباما بعد شهور قليلة من دخوله البيت الأبيض عام 2009 قد اتخذ خطوات خجولة باتجاه التحول في السياسة الخارجية تجاه كوبا، بحيث ألغى القيود على سفر الأميركيين من أصل كوبي لزيارة كوبا، وتحويل الأموال إلى عائلاتهم وأقاربهم بدون أية حدود. وقال البيت الأبيض حينها إن الغاية من هذه الإجراءات هي التواصل بصورة مباشرة مع أفراد الشعب الكوبي، وردم الهوة بين عائلات كوبية تعاني من عدم اجتماع شمل أفرادها، ولتشجيع زيادة تدفق المعلومات والأخبار والحاجات الإنسانية إلى الشعب الكوبي.
التشدّد مع كاراكاس
وفي الوقت الذي مثلت فيه قمة الأميركيتين المنعقدة في بنما فرصة كبيرة لترسيخ سياسة التقارب الأميركي الكوبي، فقد أعطت أيضاً سبباً للاعتقاد بأن سياسات أوباما تعتمد بشكل سافر على معايير مزدوجة، إذ إنه كلما تقدم خطوة نحو كوبا تراجع خطوات عن فنزويلا. وأصدر أوباما قبل فترة وجيزة من حضور قمة بنما قراراً يشدّد العقوبات الاقتصادية على فنزويلا، واعتبرها مصدراً لتهديد الأمن القومي الأميركي، في مؤشر على أن رغبته في التقارب مع دول أميركا الجنوبية انتقائية وليست سياسة ثابتة. وحضر الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو قمة بنما مسلّحاً بـ 13 مليون توقيع ضد المرسوم الأميركي، ولكن دون فائدة ترجى من تليين الموقف الأميركي نحو بلاده. ومن مؤشرات التناقض، إعلان أوباما أن "الزمن الذي كانت فيه الولايات المتحدة تتدخل فيه بأميركا اللاتينية قد ولى"، وهذا ليس الحال مع كاراكاس. وكانت الأخيرة قد اتهمت الإدارة الأميركية بمحاولة تدبير انقلاب للإطاحة بنظامها السياسي؛ وهو ما نفته واشنطن واعتبرته بلا أساس.
اقرأ أيضاً (أوباما: أيام التدخل في شؤون أميركا اللاتينية ولّت)
ومن جانبها أدرجت فنزويلا الشهر الماضي الرئيس الأميركي السابق جورج بوش ونائبه ديك تشيني في قائمة الإرهاب، وأصدرت منعاً رسمياً لهما من دخول فنزويلا، كما أدرجت في القائمة نفسها أعضاء في الكونجرس الأميركي المعروفين بتشدّدهم تجاه حكومات أميركا اللاتينية، وبعضهم من أصل لاتيني.
ولا يستبعد أن يكون تشدّد أوباما مع كاراكاس محاولة لإرضاء المتشديين في الداخل، ليغضوا النظر عن سياسة التقارب مع كوبا، على أن يأتي في مرحلة لاحقة ويزيل مسببات التوتر مع فنزويلا. لم يعد لدى أوباما سوى عام واحد وبضعة شهور في البيت الأبيض، وقد تكون هذه المدة كافية لاتخاذ قرارات استراتيجية في خطوات متسارعة، ولكنها لن تكفي للمزيد من المناورة.
ولم يفلح العداء مع فنزويلا، التي تملك تأثيراً قوياً لدى دول أميركا اللاتينية، في كبح سيل الانتقادات للتقارب مع كوبا. فقد استيقظ الأميركيون صباح أمس، على هجمات تخوينية قاسية ضدّ أوباما في محطات التلفزة الموالية لخصومه في الداخل، متهمة إياه بالماركسية وكراهية أميركا، والتعاطف مع أعدائها.
وكانت المشاهد المصورة لأوباما في قمة الأميركيتين السابعة في بنما، ولقائه مع الرئيس الكوبي راؤول كاسترو، شقيق العدو التاريخي لواشنطن فيدل كاسترو، بمثابة الوقود لتصعيد الهجوم على الرئيس الأميركي الذي يحضر قمة تدعى إليها كوبا للمرة الأولى.
اقرأ أيضاً (تغطية إعلامية واسعة لـ"المصافحة التاريخية" بين أوباما وكاسترو)
وعلى وقع تلك المشاهد التلفزيونية لحديث أوباما وجهاً لوجه مع كاسترو، انقسم المعلقون الأميركيون، بين ناقمين ومؤيدين لأوباما. وذهبت التوقعات إلى حدّ القول إنّ أوباما لن ينهي عهده الرئاسي، قبل أن يزور كلا من هافانا وطهران وتوثيق علاقة بلاده بخصميها تماماً، ليكون ذلك بمثابة الإنجاز الذي يريد أن يميز به عهده عن جميع من سبقه من رؤساء أميركا.
وأشار المعلقون الأميركيون إلى أن أوباما أصبح أكثر حرصاً من أي وقت مضى على تحقيق إنجاز التقارب مع خصوم تاريخيين في الخارج، بعدما أحبطت تطورات الأوضاع في أفغانستان والعراق آماله في الولوج إلى عتبة التميز عن طريق إنهاء حربين أميركيتين، لا يبدو أن ما تبقى من عهده يكفي لإنهاء التورط الأميركي فيهما.
ورغم التأييد القوي الذي يحظى به أوباما في أوساط حزبه الديمقراطي الذي يبدو متماسكاً في صدّ الهجمات القاسية لخصوم الداخل الغاضبين من التقارب مع خصوم الخارج، غير أن شيئاً من التذمر بدأ يظهر في نبرة هؤلاء، صدرت على هيئة تحذير من أن مرشحة الحزب المحتملة هيلاري كلينتون قد تكون الضحية البريئة لسياسة التشدد داخلياً والمهادنة خارجياً.
هيلاري ودفع الثمن
أكثر ما يخشاه الديمقراطيون هو خسارة هيلاري بعض الولايات المتأرجحة بين الديمقراطيين والجمهوريين، وفي مقدّمة تلك الولايات، فلوريدا معقل المهاجرين الكوبيين؛ وهم قوة انتخابية لا يستهان بها، وأظهروا أخيراً نقمة قوية على الحزب الديمقراطي وعلى إدارة أوباما بسبب ما وصفوه بتخليها عن المبادئ، وإصابتها حلمهم في مقتل، بتنازلها عن مطلب الإطاحة الجذرية بنظام كاسترو الاشتراكي في كوبا، وهو الحلم الذي ظل يراودهم عقوداً من الزمن ولا يريدون تقديم أي تنازل بشأنه. فيما لا يزال الجمهوريون يعملون على دغدغة مشاعر الحالمين حتى وإن لم يقدموا لهم شيئاً يذكر على الصعيد العملي.
وكانت أول مؤشرات التقارب الكوبي الأميركي قد جرت في بداية عهد أوباما، عندما كانت كلينتون وزيرة لخارجية أوباما. ولم تبد الأخيرة حينها أي اعتراض على توجهات أوباما للتقارب التدريجي مع كوبا، بل قالت إن "سياسة العزلة التي تنتهجها بلادها منذ عقود طويلة لم تؤد سوى تعزيز قبضة نظام كاسترو على السلطة".
وكان بعض مسؤولي الخارجية الأميركية في عهدها يردد أن "زيادة السفر إلى الجزيرة الكوبية تعزز قضية الديمقراطية وتروج لحقوق الإنسان، كما تعود بالنفع على قطاع الزراعة والشركات التجارية الأميركية".
وتجدر الإشارة إلى أن قمة دول الأميركيتين تعقد كل ثلاث سنوات. وأول قمة حضرها أوباما لدول أميركا كانت الخامسة في عام توليه الرئاسة (2009)، وكانت هيلاري كلينتون بمعيته أثناء حضوره القمة حينها في بورت أوف سبين، عاصمة جمهورية ترينيداد، بمشاركة 34 رئيس دولة أميركية منتخبين ديمقراطياً. ولم تدع كوبا للقمة، لكنها كانت الحاضر الغائب.
وتحدث أوباما خلال تلك القمة عن أهمية إحداث تغيير في العلاقات الأميركية الكوبية، من أجل "بداية جديدة مع كوبا" للتغلب على عقود من انعدام الثقة. وفي موازاة ذلك، أعلن الرئيس الكوبي راؤول كاسترو من خارج القمة، عن استعداده لبحث كل مسألة وقضية تهم الولايات المتحدة.
وتوالت تطورات العلاقات الكوبية الأميركية في الشهور الأولى من فترة رئاسة أوباما الثانية، إذ اتخذ الأخير قراراً سرياً أجاز فيه إجراء محادثات مباشرة بين بلاده وكوبا، استضافتها كندا مثل فيها أوباما مستشاره لشؤون الأمن القومي بالنيابة بين رودز، في لقاءات استمرت من يونيو/حزيران 2013 إلى نوفمبر/تشرين الثاني 2014. ولم يعرف الأميركيون بهذه المحادثات إلا في ديسمبر/كانون الأول الماضي، بعدما تمخضت عن اتفاق على تطبيع العلاقات بين البلدين تحت مبرر الحاجة لتبادل معتقلين من الجانبين.
إلى هافانا.. وطهران
وطوال الشهور الثلاثة الأولى رصدت وسائل الإعلام الأميركية حركة سفر وسياحة نشطة جداً من الولايات إلى كوبا، تؤكّد جدية التوجه لتطبيع العلاقات بين البلدين، لكن الإدارة الأميركية كانت تنتظر على ما يبدو فرصة حضور القمة السابعة لدول الأميركيتين، للمضي قدماً في خطوة أخرى نحو تطبيع العلاقات السياسية بين البلدين.
وفي وقت سابق، كانت مصادر في الكونجرس الأميركي قد تحدثت لصحافيين أميركيين بأنها لا تستبعد أن يتوج التطبيع الإيجابي للعلاقات بين الولايات المتحدة وكوبا بزيارة رسمية قد يقوم بها أوباما لهافانا، ليكون بذلك أول رئيس أميركي يستضيفه نظام هافانا الاشتراكي. ولم تقتصر التوقعات على هافانا، بل شملت كذلك طهران التي يسرب الجمهوريون حالياً بأن أوباما سوف يزورها قبل انتهاء فترة رئاسته الثانية والأخيرة. ولا تعتمد هذه التوقعات على معايير الوضع القائم حالياً بين إيران والولايات المتحدة، بل تقوم على تكهنات وحسابات لما يمكن أن تمضي إليه العلاقات بين الأخيرتين، خلال الشهور التالية لتوقيع الاتفاق النهائي بشأن برنامج إيران النووي.
وفي خضم هذه التوقعات عادت بعض القنوات التلفزيونية إلى أرشيفها القديم؛ لتستخرج منه ما كان يتعهد به المرشح باراك أوباما بأنه سيدخل تحولاً جذرياً على سياسات بلاده الخارجية، فيما لو فاز بالرئاسة. واستذكر الأدميرال الأميركي المتقاعد جيمس ليون، حملات أوباما الانتخابية معلقاً "الآن عرفنا ما كان يقصده أوباما من قوله إنه سيجري تحولاً جذرياً في أميركا".
واتهم الأدميرال المتقاعد الذي تقدمه وسائل الإعلام الأميركية بصفته رئيساً سابقاً لأركان الأسطول الأميركي في المحيط الهادئ، ثم ملحقاً عسكرياً لدى منظمة الأمم المتحدة، أوباما بالتعاطف مع أعداء الولايات المتحدة كوبا وإيران وروسيا والصين، قائلاً إن أوباما لا يزال متأثراً "بماضيه الماركسي وعقيدته الشيوعية"، التي تظهر من خلال "إلقائه اللائمة على أميركا وتحميلها مسؤولية العديد من مشكلات العالم". واعتبر أن أوباما ينظر إلى تقويض قوة أميركا وتأثيرها العالمي على أنه "تقدم إيجابي".
وكان أوباما بعد شهور قليلة من دخوله البيت الأبيض عام 2009 قد اتخذ خطوات خجولة باتجاه التحول في السياسة الخارجية تجاه كوبا، بحيث ألغى القيود على سفر الأميركيين من أصل كوبي لزيارة كوبا، وتحويل الأموال إلى عائلاتهم وأقاربهم بدون أية حدود. وقال البيت الأبيض حينها إن الغاية من هذه الإجراءات هي التواصل بصورة مباشرة مع أفراد الشعب الكوبي، وردم الهوة بين عائلات كوبية تعاني من عدم اجتماع شمل أفرادها، ولتشجيع زيادة تدفق المعلومات والأخبار والحاجات الإنسانية إلى الشعب الكوبي.
التشدّد مع كاراكاس
وفي الوقت الذي مثلت فيه قمة الأميركيتين المنعقدة في بنما فرصة كبيرة لترسيخ سياسة التقارب الأميركي الكوبي، فقد أعطت أيضاً سبباً للاعتقاد بأن سياسات أوباما تعتمد بشكل سافر على معايير مزدوجة، إذ إنه كلما تقدم خطوة نحو كوبا تراجع خطوات عن فنزويلا. وأصدر أوباما قبل فترة وجيزة من حضور قمة بنما قراراً يشدّد العقوبات الاقتصادية على فنزويلا، واعتبرها مصدراً لتهديد الأمن القومي الأميركي، في مؤشر على أن رغبته في التقارب مع دول أميركا الجنوبية انتقائية وليست سياسة ثابتة. وحضر الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو قمة بنما مسلّحاً بـ 13 مليون توقيع ضد المرسوم الأميركي، ولكن دون فائدة ترجى من تليين الموقف الأميركي نحو بلاده. ومن مؤشرات التناقض، إعلان أوباما أن "الزمن الذي كانت فيه الولايات المتحدة تتدخل فيه بأميركا اللاتينية قد ولى"، وهذا ليس الحال مع كاراكاس. وكانت الأخيرة قد اتهمت الإدارة الأميركية بمحاولة تدبير انقلاب للإطاحة بنظامها السياسي؛ وهو ما نفته واشنطن واعتبرته بلا أساس.
اقرأ أيضاً (أوباما: أيام التدخل في شؤون أميركا اللاتينية ولّت)
ومن جانبها أدرجت فنزويلا الشهر الماضي الرئيس الأميركي السابق جورج بوش ونائبه ديك تشيني في قائمة الإرهاب، وأصدرت منعاً رسمياً لهما من دخول فنزويلا، كما أدرجت في القائمة نفسها أعضاء في الكونجرس الأميركي المعروفين بتشدّدهم تجاه حكومات أميركا اللاتينية، وبعضهم من أصل لاتيني.
ولا يستبعد أن يكون تشدّد أوباما مع كاراكاس محاولة لإرضاء المتشديين في الداخل، ليغضوا النظر عن سياسة التقارب مع كوبا، على أن يأتي في مرحلة لاحقة ويزيل مسببات التوتر مع فنزويلا. لم يعد لدى أوباما سوى عام واحد وبضعة شهور في البيت الأبيض، وقد تكون هذه المدة كافية لاتخاذ قرارات استراتيجية في خطوات متسارعة، ولكنها لن تكفي للمزيد من المناورة.